آخر الأخبار

اعتراف فرنسا بفلسطين حقيقي أم تصحيح موقف سياسي مضطرب؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

باريس – تتجه الأنظار غدا الاثنين إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث يُنتظر أن يعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتراف بلاده رسميا بدولة فلسطين، في خطوة رمزية وتاريخية تتزامن مع تبدل المزاج السياسي الأوروبي وتصاعد الغضب الشعبي من العدوان المستمر على قطاع غزة .

فرنسا التي لطالما سعت إلى الحفاظ على موقف "الوسيط الصديق" في الشرق الأوسط، تجد نفسها اليوم أمام اختبار سياسي وأخلاقي فرضه فقدان الثقة في سرديات الغرب بشأن القانون الدولي وحقوق الإنسان وتطورات الحرب التي أدت إلى إبادة شعب محاصر من كل الجهات.

وبين من يعتبر هذا الاعتراف خطوة متأخرة، ومن يراه توجها رمزيا نحو العدالة وتصحيحا لتوازن مختل طال أمده، تعود القضية الفلسطينية بقوة اليوم إلى طاولات القرار الأوروبية بعد أن ظلت مغيبة لسنوات طويلة.

اعتراف مشروط

بعد تعرضه لانتقادات لاذعة داخل الجاليات اليهودية الفرنسية، كتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على موقع "إكس" يوم السبت تغريدة لطمأنة اليهود بشأن "التعبئة التي تقودها البلاد ضد معاداة السامية في مواجهة الكراهية"، معتبرا أن "الكلمة الفصل ستبقى للجمهورية".

وفي نهاية هذا الأسبوع، دعت منظمات يهودية وشخصيات بارزة الرئيس ماكرون إلى ربط الاعتراف بدولة فلسطين بـ"الإفراج عن المحتجزين وتفكيك حركة حماس "، وذلك في رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة "لوفيغارو".

وبالنظر إلى هذه الشروط المقرونة بالاعتراف الفرنسي، وصفت الناشطة في جمعية "الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام" جيرالدين هورنبرغ هذه الخطوة بـ"الخطرة" على مستقبل الشعب الفلسطيني.

وأوضحت هورنبرغ في حديث للجزيرة نت "الاعتراف بالدولة الفلسطينية مشروط هنا بنزع سلاح الدولة المستقبلية مما يعرّضها للتوسع الإسرائيلي، وبوجود ممثلين سياسيين مُختارين، والمشاركة في أعمال أمنية تُفيد إسرائيل، ووقف أنشطة الأونروا ".

إعلان

وبالتالي، ترى الناشطة الفرنسية أن هذه الشروط مرتبطة حصرا بالأجندة الإسرائيلية، ولا تشير بأي حال من الأحوال إلى الإجراءات السياسية الإسرائيلية أو الإبادة الجماعية المستمرة.

مصدر الصورة متظاهرة تحمل لافتة كتب عليها "أوقفوا تسليح إسرائيل، ماكرون متواطئ" (الجزيرة)

ضغوط من كل الجهات

وقد تسارعت التصريحات والمواقف في الأيام الماضية حول الصيغة النهائية للإعلان داخل قصر الإليزيه وسط ضغوط سياسية داخلية وتنسيق دبلوماسي مع شركاء أوروبيين، من أبرزهم إسبانيا وسلوفينيا وأيرلندا، التي سبقت فرنسا في الاعتراف.

وأوضح الكاتب والمحلل السياسي جان بيير بيران أن اليسار الفرنسي يعتقد أن "قرار ماكرون جاء متأخرا، ومن الخطأ ربطه بالرد على ما يحدث في غزة، لأنه كان ينبغي اتخاذه بغض النظر عما يحدث".

وأضاف "بالنسبة لجزء من الوسط واليمين والماكرونيين، فهم يدعمون موقف الرئيس بالطبع، أما اليمين المتطرف ، فلا يزال يعارضه بشدة لأنه مؤيد لنتنياهو".

وبشكل عام، لا يعتقد بيران -في حديث للجزيرة نت- أن مسألة الاعتراف ستكون موضع نقاش عقيم داخل الأحزاب السياسية لأنه قرار اتخذه الرئيس ماكرون، مشيرا إلى أن ما قد يحفز المعارضة بالفعل هو المشاكل والأزمات الداخلية التي تمر بها البلاد حاليا وليست السياسة الخارجية.

ويرى المحلل السياسي أن العلاقات بين باريس وتل أبيب متوترة مسبقا بعد توجيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتهامات بمعاداة السامية للدبلوماسية الفرنسية ورئيس الجمهورية، في ظل استعداد الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قرارات بشأن فرض قيود على اتفاقية التعاون مع إسرائيل.

وقد هددت وزارة الخارجية الإسرائيلية بالرد بإغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، كما أشارت مجلة "بوليتيكو" الأميركية إلى خيارات حكومة الاحتلال بتسريع ضم الضفة الغربية والتعدي على أراضٍ فرنسية داخل إسرائيل مثل مزار إليونا المسيحي.

وفي هذا السياق، ترى جيرالدين هورنبرغ أن الدبلوماسية الفرنسية اقتصرت على إدانات بسيطة لأفراد مجهولين لمدة عامين تقريبا، واستدعت السفير الإسرائيلي في باريس مرة واحدة فقط بعد اعتقال اثنين من رجال الدرك الفرنسيين في القدس الشرقية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

لذا، تعتقد الناشطة أن ما يحدث هو عبارة عن لعبة دبلوماسية بين فرنسا وإسرائيل، موضحة ذلك بالقول "في الواقع، لا يسعنا إلا أن نلاحظ دعم فرنسا للدولة الإسرائيلية، وتسليم الأسلحة، والغياب التام للإدانة للإبادة الجماعية المستمرة في غزة، والتطهير العرقي في الضفة الغربية، وهجمات الجيش الإسرائيلي على جيرانه".

جدلية رفع العلم الفلسطيني

وبينما اعترفت كل من بريطانيا وكندا وأستراليا يوم الأحد رسميا بدولة فلسطين، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي دعوات الاعتراف "تهديدا لوجود إسرائيل"، مطالبا بمواجهة الأمم المتحدة وكل الجبهات الأخرى لدحض ما وصفها بـ"الدعاية الكاذبة" ضد إسرائيل.

وفي فرنسا، أمر وزير الداخلية برونو ريتيلو جميع المحافظين بمنع رفع العلم الفلسطيني غدا في البلديات، وهو اليوم الذي من المتوقع أن تقوم فيه العديد من البلديات بذلك من أجل الاحتفال بهذا الاعتراف، معتبرا ذلك "اعتداء على مبدأ حياد الخدمة العامة".

إعلان

وتعليقا على ذلك، وصفت رئيسة منظمة "أوروفلسطين" الناشطة أوليفيا زيمور قرار ريتيلو بـ"المدهش وغير المقبول"، مضيفة أنه "يعارض بذلك قرار الرئيس ماكرون، وهو شكل من أشكال المعارضة، وكأنه يريد القول إننا سنعترف بفلسطين لكن يجب ألا نُعلن ذلك، إنه أمر مخجل بالفعل".

وتابعت زيمور في حديث للجزيرة نت "سيحقق الاعتراف شيئا واحدا على الأقل وهو عدم منع الفرنسيين من رفع العلم الفلسطيني بعد منعهم في المرات السابقة تحت طائلة الغرامة".

ومن منظور القانوني الفرنسي، لا تمنع البلاد وضع الأعلام على نوافذ المنازل، أيّا كان البلد بما في ذلك فلسطين، ولا يمكن للشرطة إجبار أي أحد على إزالته إلا بقرار أو تصويت من إدارة المجمع السكني يفيد بأن هذا العلم يسيء إلى جمالية واجهة المبنى.

وقد أكد عدد من البلديات عدم الرضوخ لقرار الوزير المنتهية ولايته، حيث من المقرر أن يرفع رئيس بلدية مدينة سان دوني ضواحي باريس العلم الفلسطيني غدا الاثنين في الساعة السادسة مساء، فضلا عن إضاءة مقر البلدية والنوافير القريبة منه بألوان فلسطين، في حين سيرفرف علم الأمم المتحدة فوق مبناها الرئيسي.

بالإضافة إلى ذلك، دعا السكرتير الأول للحزب الاشتراكي أوليفييه فور رؤساء البلديات إلى رفع علم فلسطين، وأعلن رئيس بلدية كورباي/إيسون توزيع ألف علم على سكان المنطقة ليضعوها على نوافذ منازلهم بالتزامن مع رفع العلم الفلسطيني في مبنى البلدية.

مصدر الصورة معهد العالم العربي نظم ندوة فتحت النقاش حول الاعتراف الفرنسي بفلسطين (الجزيرة)

بداية لنقاش أوسع

وفي خلفية مشهد الاعتراف الفرنسي المنتظر، تقف قضايا أعمق من الموقف الدبلوماسي بما في ذلك فرض العقوبات وتجميد صفقات السلاح ودعم عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وغيرها.

وفي هذا الإطار، تعتقد رئيسة منظمة "أوروفلسطين" أن الاعتراف لن يكون بديلا لفرض العقوبات على إسرائيل ولن يوقف الإبادة الجماعية لأن قطع العلاقات التجارية والرياضية والثقافية سيكون أكثر فعالية، وهو ما لا يحدث اليوم في فرنسا حيث يتواصل التعامل التجاري بما في ذلك مع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، وإرسال الأسلحة.

وتعليقا على النقاش الحالي حول تعليق عضوية إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، أشارت زيمور إلى استبعاد الفيفا جنوب أفريقيا في عام 1976 بسبب نظام الفصل العنصري "الذي يعد أرحم بكثير من الإبادة التي يتعرض لها أهالي غزة".

من جانبها، أكدت الناشطة في جمعية "الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام" هورنبرغ أن الاعتراف يجب أن يُصاحب بفرض عقوبات على إسرائيل وحصار شامل وإنهاء اتفاقية الشراكة والامتثال لمطالب مذكرات التوقيف الصادرة بحق نتنياهو وسموتريتش، بالإضافة إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقا لرأي الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر يوم 18 سبتمبر/أيلول 2024.

ويمثل الاعتراف المرتقب الاثنين ـوإن تأخر كثيراـ لحظة فارقة في مسار طويل من الإنكار والتأجيل والتجاهل. وحين تعلن فرنسا بثقلها الدبلوماسي والتاريخي عن "دولة فلسطين"، ستُكتب كلمة جديدة في دفتر العلاقات الدولية قد تعيد التوازن لصوت ظل مهمشا لعقود، لفلسطين التي تحتاج إلى من يرافقها في طريقها العادل نحو إنهاء الاحتلال.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا