في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
دمشق- تتصاعد التوترات في شمال شرق سوريا مع تلويح أنقرة بعملية عسكرية جديدة تستهدف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إن فشلت مفاوضات اندماجها مع الحكومة السورية قبل ديسمبر/كانون الأول 2025.
وكشفت تصريحات منسوبة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع -نشرتها صحيفة "ملليت" التركية- عن تعقيدات المشهد الأمني والسياسي في المنطقة، حيث تتقاطع مصالح تركيا وسوريا والأكراد ضمن توازنات إقليمية ودولية دقيقة، فأنقرة تنظر إلى قسد، المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، على أنها تهديد مباشر لأمنها القومي، لا سيما بعد تعثر اتفاق مارس/آذار الماضي وتباطؤ المفاوضات السياسية.
وأشار الشرع إلى أن أجنحة داخل قسد و حزب العمال الكردستاني أعاقت مسار التسوية، وهو ما يتزامن مع الرواية التركية التي ترى في هذه القوى نزعة انفصالية تغلف بمطالب فدرالية، وفي الوقت ذاته، شدد الشرع على أن المجتمع السوري غير مهيأ لطرح النظام الفدرالي للنقاش، بما يعكس حساسية الملف الكردي في الداخل السوري.
ويرى مراقبون أن التهديد العسكري التركي يثير العديد من التساؤلات حول دوافعه الحقيقية، وهل يأتي كأداة ضغط لتسريع المفاوضات ودفع قسد نحو تقديم تنازلات؟ أم أنه جزء من رؤية أوسع تسعى من خلالها أنقرة لإعادة تشكيل المشهد السياسي السوري بعد سقوط نظام الأسد؟
وتشير بعض التسريبات إلى وجود محاولات لإقناع تركيا بتأجيل العملية عبر وساطات دولية، قد تكون روسية أو أميركية، مما يضيف بعدا جديدا من التعقيد إلى معادلة الشمال الشرقي السوري.
ويرى المحلل السياسي التركي عمر أوزكيزيلجيك، استنادا إلى لقاء مباشر جمعه مع الرئيس السوري الشرع ضمن وفد صحفي غربي، أن تصريحات الأخير خلال اللقاء لم تحتو على تفاصيل دقيقة حول قضايا حساسة مثل مستقبل قسد والفدرالية، لكنه أكد أن اتفاق مارس/آذار يمثل فرصة تاريخية لتحقيق تقدم سياسي في سوريا.
وأوضح أوزكيزيلجيك للجزيرة نت أن تركيا تسعى لحل سلمي عبر نفوذها لدفع قسد للاندماج مع دمشق، لكنها لن تتردد في شن عملية عسكرية محدودة إذا فشلت الجهود السياسية وذلك لإضعاف هيمنة قسد وإجبارها على تقديم تنازلات تسهم في استقرار سوريا.
وأشار المحلل السياسي التركي إلى أن الفدرالية تنظر إليها في الشرق الأوسط كمرادف للانفصال، خاصة في سوريا التي تعاني من انقسامات اجتماعية وسياسية.
وأكد أن المجتمع السوري يحتاج إلى استقرار مركزي وتطور تعليمي واقتصادي قبل مناقشة مفاهيم مثل اللامركزية أو الفدرالية. كما عبر عن قلقه من تدهور العلاقات العربية الكردية، مشيرا إلى أن سيطرة حزب كردي على مناطق ذات أغلبية عربية بأسلوب استبدادي يهدد الاستقرار.
وحذر أوزكيزيلجيك من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى صدامات، داعيا إلى حوار شامل يعزز العلاقات الكردية العربية والكردية التركية ويؤسس لأخوة إقليمية مستدامة.
مع تصاعد التوترات بين قسد والعشائر العربية في شمال شرق سوريا، يقدم الباحث المتخصص في الشؤون التركية والإقليمية محمود علوش رؤية شاملة حول التحديات التي تواجه مشروع قسد، مع التركيز على الرفض الشعبي للفدرالية والتأثيرات الخارجية على المفاوضات.
ويؤكد علوش -في حديث للجزيرة نت- أن الفدرالية مرفوضة لدى غالبية السوريين، وأن اللامركزية الإدارية هي السقف الأقصى المقبول لتنظيم العلاقة بين دمشق ومناطق مثل شمال شرق سوريا أو السويداء .
وأوضح أن مناطق سيطرة قسد تضم أكثر من 70% من العرب الذين يعارضون مشروعها المرتبط بحزب العمال الكردستاني، محذرا من أن إصرار قسد على الحكم الذاتي قد يؤدي إلى توترات حادة مع العشائر العربية، خاصة بعد تصاعد الاحتكاكات مؤخرا.
وأشار إلى أن العشائر تخشى محاولات قسد لتقويض سلطتها، مما يعقد العلاقات العربية الكردية. وأكد أن نجاح الشرع في دفع قسد للالتزام باتفاق الاندماج يعتمد على الموقف الأميركي، مشيرا إلى أن واشنطن لم تمارس ضغطا كافيا على قسد حتى الآن.
كما ربط علوش بين ملف قسد والمفاوضات السورية الإسرائيلية، معتبرا أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى واشنطن ولقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، إلى جانب زيارة الشرع إلى نيويورك، ستكونان حاسمتين في تحديد المسار، مضيفا أن تركيا تعد اللاعب الإقليمي الأبرز بعد الولايات المتحدة ، خاصة مع قلقها من محاولات إسرائيل تعزيز حضورها في المنطقة عبر علاقتها مع قسد.
وأوضح علوش أن ملف قوات قسد مسألة أمن قومي لتركيا، وأن تصريحات الشرع تعكس إدراكا لهذه الأهمية. ورأى أن التهديد العسكري ورقة ضغط لدفع قسد لتقديم تنازلات، لكنه استبعد رغبة الشرع أو تركيا في اللجوء إلى العملية العسكرية إلا كخيار أخير.
ويرى الباحث التركي مرتضى كوماك أوغلو، الخبير في العلاقات الدولية، أن التهديدات التركية تعكس مزيجا من الدوافع الأمنية والسياسية. فمن ناحية، تسعى تركيا لحماية حدودها من تهديدات حزب العمال الكردستاني عبر قسد، ومن ناحية أخرى، تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي السوري.
وأضاف أوغلو للجزيرة نت أن نجاح المفاوضات يتطلب وساطة دولية، خاصة من روسيا والولايات المتحدة، لضمان اندماج قسد ضمن الدولة السورية، مما يحد من التوترات ويعزز الاستقرار الإقليمي.
وفي المقابل، كشف مصدر عسكري في قسد -فضل عدم الكشف عن هويته- للجزيرة نت عن تفاهم مبدئي تم التوصل إليه في اجتماع عقد قبل يومين بين قيادة قسد والحكومة السورية، يقضي بدمج قسد مع الجيش السوري قبل نهاية 2025، موضحا أن المرحلة الأولى ستشمل دير الزور كتجربة، مع بقاء الرقة والحسكة تحت سيطرة قسد مؤقتا.