شهدت مطارات أوروبية أمس السبت سلسلة هجمات إلكترونية عطلت الأنظمة وأثارت قلقًا واسعًا بشأن أمن البنى التحتية الحساسة.
وعلى الرغم من أن التحقيقات لا تزال جارية، فإن هذه الحوادث ذكّرت العالم بأن الهجمات السيبرانية لم تعد تقتصر على سرقة بيانات شخصية أو مالية، بل باتت تهدد خدمات أساسية كالنقل، والطاقة، والاتصالات.
وفي هذا السياق، تستعرض "العربية.نت" أبرز ثلاث هجمات سيبرانية هزّت العالم خلال العقد الأخير، إلى جانب أمثلة حديثة تؤكد أن الحروب المستقبلية قد تُحسم عبر لوحة مفاتيح لا عبر الدبابات.
في مايو عام 2017، اجتاح فيروس الفدية المعروف باسم "وانا كراي" أجهزة الكمبيوتر في أكثر من 200 ألف موقع موزعة على 150 دولة. واستغل المهاجمون ثغرة في أنظمة "ويندوز" وشنّوا هجومًا عطّل قطاعات واسعة مثل الرعاية الصحية والنقل والمصارف والاتصالات.
وفي بريطانيا، شُلّت عشرات المستشفيات والعيادات التابعة لهيئة الخدمات الصحية، ما أدى إلى إلغاء آلاف العمليات الجراحية والمواعيد الطبية.
فيما قدرت الخسائر المالية حينها بما يتراوح بين أربعة وثمانية مليارات دولار، فيما حمّلت واشنطن ولندن المسؤولية لمجموعة "لازاروس" الكورية الشمالية.
إلى ذلك، صنف اختراق "ياهو" بين عامي 2013 و2014 كأكبر عملية تسريب للمعلومات في التاريخ ضمن عالم البيانات. إذ تعرضت للخطر نحو 3 مليارات حساب في الاختراق الأول ثم 500 مليون حساب في الاختراق الثاني، لكن الأمر لم يُكشف للرأي العام إلا بعد سنوات.
وإثر الاختراق، وجد ملايين المستخدمين أنفسهم عرضة لانتحال الهوية والاحتيال الإلكتروني، فيما خسرت الشركة ثقة جمهورها وتعرضت لدعاوى قضائية وتسويات بمئات الملايين من الدولارات.
كما أثر الاختراق مباشرة على قيمة "ياهو" التجارية، حيث خفضت "فيرايزون" سعر الاستحواذ على "ياهو" بمقدار 350 مليون دولار. ونسبت التحقيقات الأميركية الجريمة إلى قراصنة مرتبطين بجهاز الأمن الفيدرالي الروسي.
أما في ديسمبر 2015، فشهدت أوكرانيا أول هجوم إلكتروني معروف أدى إلى إطفاء شبكة كهرباء وطنية.
وتسبب هذا الهجوم الذي يُعتقد أن مجموعة "ساند وورم" الروسية تقف خلفه، بانقطاع التيار عن مئات الآلاف من المواطنين. وللمرة الأولى أدرك العالم أن البنى التحتية للطاقة يمكن أن تكون هدفًا مباشرًا للحروب الرقمية، وهو ما فتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراعات غير التقليدية.
إلا أن الهجمات لم تتوقف عند هذا الحد. ففي عام 2021 تعرّضت شركة "كولونيال بايبلاين" الأميركية لهجوم فدية شلّ إمدادات الوقود على الساحل الشرقي، فيما استغل قراصنة في عام 2023 ثغرة في برنامج "موف إت" لنقل الملفات وسرقوا كميات ضخمة من بيانات الشركات والحكومات.
وقد أثبتت هذه العمليات أن التهديدات ليست عابرة بل تتطور بوتيرة متسارعة، وأن الحرب في الفضاء السيبراني باتت جزءًا لا يتجزأ من الصراع الجيوسياسي والاقتصادي.
أما الدرس الذي يستخلصه المتخصصون من كل هذه الوقائع أن الأمن السيبراني لم يعد ترفًا أو خيارًا ثانويًا.
فسواء كان الأمر يتعلق بتعطيل رحلات جوية في أوروبا أو بإطفاء شبكة كهرباء في أوكرانيا أو بسرقة بيانات مليارات الحسابات، فإن القاسم المشترك هو هشاشة النظام العالمي في مواجهة هذه المخاطر.
ولهذا يطالب الخبراء بتعزيز التعاون الدولي لمكافحة الجرائم الإلكترونية، وبالاستثمار في الذكاء الاصطناعي لرصد الهجمات مبكرًا، إضافة إلى رفع وعي الأفراد والمؤسسات بكيفية حماية بياناتهم.
والآن، لا تبدو الهجمات التي ضربت مطارات أوروبية أمس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المواجهات الرقمية. ومن "وانا كراي" إلى "كولونيال بايبلاين"، يثبت التاريخ القريب أن الحروب الإلكترونية أصبحت سلاحًا استراتيجيًا في أيدي الدول والجماعات، وأن حماية الفضاء الرقمي لم تعد مجرد إجراء وقائي، بل قضية بقاء تخص المجتمعات والاقتصادات على حد سواء.