وسع الجيش الإسرائيلي عملياته البرية في مدينة غزة، التي تتعرض لقصف متواصل، الثلاثاء، في إطار هدف إسرائيل المعلن للسيطرة الكاملة على كبرى مدن القطاع التي تعتبرها آخر معاقل حماس، فيما دعت الأمم المتحدة إلى وقف "المذبحة".
يأتي ذلك في وقت اتهمت فيه لجنة تحقيق دولية مستقلة تابعة للأمم المتحدة، إسرائيل، بارتكاب "إبادة جماعية" في القطاع الفلسطيني خلال الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وهي المرة الأولى التي تخلص فيها لجنة كهذه إلى أن إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية"، وهو ما نفته إسرائيل.
وتعرّضت مدينة غزة، وهي الأكبر في القطاع، لقصف عنيف ومكثف، بحسب ما أفاد شهود عيان.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي، للصحفيين: "ما بدأناه الليلة الماضية هو الخطوة الأساسية نحو مدينة غزة"، مشيراً إلى أن الجيش يقدّر وجود ألفين إلى ثلاثة آلاف مقاتل من حماس في المدينة.
يأتي ذلك، بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بدء "مرحلة حاسمة" من الحرب في غزة.
وفي اليمن، شن الجيش الإسرائيلي غارات على ميناء الحديدة.
في غضون ذلك، يعيش آلاف السكان والنازحين المتبقين في مدينة غزة حالة من التخبط والرعب والخوف، مع اشتداد وتيرة القصف الإسرائيلي وصعوبة إيجاد ملاذ آمن، بحسب ما أفاد مراسل بي بي سي.
ويتنقل كثير من الأهالي من حي إلى آخر ومن شارع إلى آخر بحثاً عن الأمان وسط غياب أي ممرات إنسانية أو مناطق آمنة داخل القطاع، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي يطالبهم بالنزوح جنوباً، لكن العديد منهم يعجزون عن تحمل تكاليف الانتقال في ظل توقف مصادر الدخل وانعدام المساعدات، بحسب ما ذكره مراسلنا.
وقال مراسل بي بي سي، نقلاً عن بعض السكان قولهم إنهم لم يعودوا يرون فرقاً بين شمال وجنوب القطاع، مؤكدين أن خطر الموت "واحد في كل مكان".
كما حذر عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، من دفع أكثر من مليون فلسطيني إلى مساحة لا تتجاوز 35 كيلومتراً مربعاً وهو ما اعتبره تكديساً لنحو مليوني إنسان في بقعة صغيرة، أي ما يعادل 70 ألف شخص في الكيلومتر المربع الواحد، مؤكداً أن "هذا أمر مستحيل".
وأفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن موجات النزوح القسري من مدينة غزة تستنزف موارد الأسر وتقطع آخر شرايين الحياة لديها، محذراً من تفاقم خطر الجوع، خصوصاً بين الأطفال، في ظل استمرار الحصار وعدم توافر ممرات إنسانية.
وأشار البرنامج إلى أن تكلفة النقل إلى الجنوب وصلت إلى 1600 دولار للفرد في بعض الحالات، ما يدفع كثيرين إلى البقاء في مناطقهم رغم الخطر الشديد، بسبب عدم قدرتهم على تحمّل هذه التكاليف الباهظة.
وقدّر الجيش الإسرائيلي مغادرة ما يزيد على 370 ألف شخص مدينة غزة منذ بدء العمليات العسكرية، مع تسارع وتيرة الإخلاء المستمرة، في حين قدّرت مصادر أن ما يزيد على 600 ألف فلسطيني لا يزالون داخل المدينة.
قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن غزة "تحترق"، مشيراً إلى أن الجيش "يضرب البنى التحتية للإرهاب بقبضة من حديد، ويقاتل الجنود بشجاعة لتهيئة الظروف أمام إطلاق سراح الرهائن وهزيمة حماس"، وأضاف: "لن نتوقف ولن نتراجع حتى ننجز مهمتنا".
كما حذّر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حركة حماس، من مغبة استخدام الرهائن "دروعاً بشرية".
وأثار توسيع إسرائيل عملياتها البرية في مدينة غزة موجة من التنديد الدولي.
وقال ترامب لصحفيين ردا على سؤال بشأن الهجوم، "سننتظر ونرى ما سيجري، لأنني سمعت بأن حماس تحاول اللجوء إلى الأسلوب القديم للدروع البشرية، وإذا قاموا بذلك، سيكونون في ورطة كبيرة".
في حين اعتبر الاتحاد الأوروبي أن توسيع العملية سيسبب "مزيداً من الدمار والموت والنزوح.. ويعرض حياة الرهائن للخطر".
وأدانت الخارجية البريطانية الخطوة الإسرائيلية ووصفتها بأنها "متهوّرة ومروّعة"، بينما اعتبرتها برلين أيضاً خطوة "في الاتجاه الخاطئ تماماً".
ومن جانبها، قالت حماس إن توسيع العملية ليس إلا "فصلاً جديداً من فصول حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الممنهج بحق أهلنا في غزة".
وفي المقابل، طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية ومقرها رام الله، بـ"تدخل دولي استثنائي وعاجل" لحماية المدنيين في مدينة غزة.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، لوكالتي فرانس برس ورويترز للأنباء: "العالم كله يصرخ من أجل السلام. الفلسطينيون والإسرائيليون يصرخون من أجل السلام".
وأضاف "من الواضح تماماً أن هذه المذبحة لابد أن تتوقف".
وتشهد أقسام الطوارئ في المستشفيات المتبقية في مدينة غزة "ازدحاماً شديداً"، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي وتصاعد أعداد المصابين، وفق وزارة الصحة في القطاع التي أشارت إلى وجود "عجز شديد في وحدات الدم ومكوناته، ما يعيق تنفيذ التدخلات الطارئة لإنقاذ المصابين بجراح خطيرة ومهددة للحياة".
وقالت الوزارة إن الطواقم الطبية "تعمل ضمن أرصدة مستنزفة أصلاً من الأدوية الأساسية والمستهلكات الطبية المنقذة للحياة"، محذّرة من "انهيار وشيك" للقدرة على الاستجابة للحالات الحرجة.
خلصت لجنة تحقيق دولية مستقلة معنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة إلى أن إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية" هدفها "القضاء على الفلسطينيين".
واتهمت اللجنة، إسرائيل، بارتكاب أربعة من أصل خمسة أفعال تُشكل جريمة إبادة جماعية.
وقالت في تقرير نُشر الثلاثاء، إن هناك "أسساً معقولة" للاستنتاج بأن إسرائيل نفّذت أفعالاً تُطابق تعريف الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948، وتشمل "قتل واستهداف المدنيين وإلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأعضاء الجماعة وإساءة معاملة المعتقلين بشدة والتهجير القسري وتدمير البيئة"، إضافة إلى فرض ظروف معيشية صعبة وإجراءات تهدف إلى منع الإنجاب.
ورفضت الخارجية الإسرائيلية "هذا التقرير المنحاز والخاطئ"، داعية إلى "حلّ لجنة التحقيق هذه فوراً"، واتهمت فريق إعداده بالعمل "كوكلاء لحماس"، وبأنهم "معروفون بموافقهم العلنية المعادية للسامية".
وأكد تورك وجود أدلة متزايدة تشير إلى "إبادة" في غزة، مع توسيع إسرائيل عمليتها البرية في القطاع.
من جهة أخرى، قال الجيش الإسرائيلي إنه شن غارات استهدفت "بنى تحتية عسكرية لنظام الحوثي الإرهابي" في ميناء الحديدة في اليمن، متهماً الحوثيين باستخدامه لـ "نقل وسائل قتالية تابعة للنظام الإيراني والتي يستخدمها لتنفيذ مخططات إرهابية ضد دولة إسرائيل وحلفائها".
وقال المتحدث باسم الجيش، أفيخاي أدرعي، عبر منصة إكس، إن الغارات جاءت "في ضوء اعتداءات متكررة يقودها" الحوثيون تشمل إطلاق مسيرات وصواريخ أرض أرض نحو إسرائيل، علماً بأن الجيش دعا إلى إخلاء الميناء قبل استهدافه.
في المقابل، قال الحوثيون إن دفاعاته الجوية "تصدت" لطائرات إسرائيلية تشن ضربات على اليمن، لافتاً إلى أن دفاعاته "سببت حالة إرباك كبيرة لطائرات العدو وأجبرت بعض التشكيلات القتالية منها على مغادرة الأجواء قبل تنفيذ عدوانها وإفشال دخولها للعمق ...".
ولاحقاً، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراضه صاروخاً أُطلق من اليمن، مما تسبب في تفعيل صفارات الإنذار في مناطق مختلفة في إسرائيل.