في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تحولت العملية الجوية التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي في العاصمة القطرية الدوحة يوم 9 سبتمبر/أيلول الجاري إلى واحدة من أكبر الفضائح الأمنية والسياسية التي تواجهها إسرائيل منذ سنوات، بعدما كان الهدف اغتيال قادة بارزين من حركة حماس، لتُسفر الغارة عن سقوط ضحايا مدنيين، بينهم نجل القيادي خليل الحية، من دون تحقيق أي من الأهداف المعلنة.
صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية كشفت أن العملية كانت ثمرة عمل استخباراتي طويل نفذته وحدة الاغتيالات السرية "نيللي"، وهي تشكيل مشترك من جهاز الأمن العام (الشاباك) وجهاز الاستخبارات الخارجية ( الموساد) جرى تأسيسه بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023.
ومهمتها الأساسية تعقّب قادة حماس داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها وتنفيذ عمليات تصفية دقيقة. إلا أن ما كان يُفترض أن يكون "عملية نوعية" انقلب إلى إخفاق استخباراتي مدوٍّ، بعدما اتضح أن القادة المستهدفين لم يكونوا في المبنى المرصود لحظة الغارة، وأن المعلومات التي بُنيت عليها العملية كانت منقوصة أو مضلِّلة.
القناة 12 الإسرائيلية قدّمت تفسيرًا إضافيًا، إذ أشارت إلى أن تحذيرًا وصل في اللحظة الأخيرة دفع القادة إلى مغادرة المكان قبل وقت قصير من القصف. والأكثر لفتًا للانتباه أن "نيللي" فشلت في رصد إلغاء اجتماع كان مقررًا في الدوحة بين قادة من حماس ومسؤول قطري بارز ضمن جهود الوساطة لإطلاق سراح رهائن ووقف الحرب في غزة، وهو ما يكشف ثغرة في منظومة الرصد والمتابعة الاستخباراتية.
صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية كانت قد نشرت مطلع عام 2023 تقريرًا يؤكد أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أعطى تعليمات صريحة للأجهزة الأمنية بوضع قوائم اغتيالات تستهدف قيادات حماس "في أي مكان في العالم". وذكرت أن أسماء قادة مقيمين في قطر وتركيا كانت مطروحة بالفعل على الطاولة، غير أن تحذيرات من دبلوماسيين ومسؤولين أمنيين داخل إسرائيل شددت على أن أي هجوم في هاتين الدولتين سيشعل أزمة دبلوماسية معقدة ويعرقل المفاوضات حول ملف الرهائن. لذلك جرى التراجع مؤقتًا. لكن بعد مرور عامين، بدا أن هذه الخطوط الحمراء لم تعد قائمة، لتنفذ إسرائيل عمليتها في الدوحة، قبل أن تتحول إلى انتكاسة سياسية وأمنية كبيرة.
غضب الرب
العملية الفاشلة أحيت في الأذهان ذكريات عملية "غضب الرب" التي أطلقتها غولدا مائير عقب هجوم ميونيخ عام 1972، وأسندت تنفيذها إلى وحدة "كيدون"، فرع الاغتيالات التابع للموساد. تلك العملية استمرت لعقدين كاملين، واستهدفت قادة فلسطينيين في عواصم أوروبية وعربية، لكنها تعرّضت لفضيحة مبكرة عُرفت بـ"فضيحة ليلهامر" في النرويج عام 1973، حين قتل عملاء الموساد مواطنًا مغربيًا بالخطأ لأنه كان يشبه القيادي الفلسطيني حسن سلامة. الفارق اليوم أن خطأ "نيللي" وقع في لحظة مبكرة جدًا، وتحت أعين الإعلام العالمي، وفي قلب دولة تقوم بدور الوسيط الأساسي في النزاع، ما ضاعف من حجم التداعيات.
ردود الفعل الدولية جاءت حادة وسريعة. مجلس الأمن الدولي أصدر بيانًا بالإجماع أدان فيه الغارة على قطر، وهو موقف نادر يضع إسرائيل في مواجهة عزلة دبلوماسية متزايدة. وفي الداخل الإسرائيلي، استغل زعيم المعارضة يائير لابيد الفشل لشن هجوم لاذع على حكومة نتنياهو، متهمًا إياها بزعزعة الثقة الدولية بمكانة إسرائيل ووصفها بأنها "مزيج قاتل من اللامسؤولية والهواة والغطرسة"، وداعيًا إلى تغييرها قبل فوات الأوان.
تحرك عربي وإسلامي
وعقد كبار الدبلوماسيين من الدول العربية والإسلامية، يوم الأحد، اجتماعا في قطر قبيل قمة طارئة دُعي إليها لبحث الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف قادة من حركة حماس في الدوحة في وقت سابق من الأسبوع الماضي.
وأكد وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية أن أمن قطر هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي والإسلامي كما شددوا على وحدة الصف في مواجهة الإعتداءت.
واعتبر الوزراء خلال الاجتماع التحضيري للقمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، أن "الإعتداء الإسرائيلي على دولة قطر يمثل خرقا للقانون الدولي وتصعيدا يهدد الأمن والإستقرار العربي والإقليمي والدولي، وهو مؤشر يستهدف ضرب الأمن العربي والإسلامي المشترك وزعزعة إستقرار المنطقة".
وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية إن انعقاد القمة يعكس التضامن العربي والإسلامي الواسع مع الدوحة، ويؤكد رفض هذه الدول القاطع لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل.
التداعيات لم تتوقف عند هذا الحد، إذ يشير محللون إلى أن ما حدث في الدوحة مثّل خسارة مضاعفة لإسرائيل؛ فمن جهة خسرت فرصة تحقيق إنجاز عسكري أو استخباراتي ضد خصومها، ومن جهة أخرى خسرت رأسمالها السياسي لدى القوى الدولية، بما فيها الولايات المتحدة التي تواجه حرجًا في تبرير هذه العملية لحلفائها الخليجيين. كما أن الفشل عمّق الانقسام الداخلي بين مؤسسات الأمن الإسرائيلية التي تبادلت الاتهامات بشأن المسؤولية عن "الثغرة" التي كشفت هشاشة في جمع المعلومات وتحليلها.