في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الخرطوم- قلّل -وزراء خارجية وسفراء سابقون للسودان في الولايات المتحدة تحدثوا للجزيرة نت- من تأثير العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية -الجمعة- على وزير المالية السوداني الدكتور جبريل إبراهيم، وكتيبة البراء بن مالك التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني ، بعد اتهامها بالضلوع في زعزعة الاستقرار وتقويض السلام في البلاد.
وقال وزير الخارجية السابق -السفير علي يوسف الشريف- للجزيرة نت، إن العقوبات التي فرضتها الوزارة الأميركية هي "عمل دعائي لا أكثر، ولا معنى لها، ولن يكون لها أي تأثير على الوزير أو على الكتيبة"، وأفاد بأن ما يقوم به كل من إبراهيم في وزارة المالية، وكتيبة البراء في ميدان القتال، "يضعهما في قلب وعقل كل إنسان سوداني" حسب تعبيره.
وأكد القائم بالأعمال الأسبق في سفارة السودان ب واشنطن -السفير الخضر هارون- في حديثه للجزيرة نت أن "العقوبات تمثل تدبيرا مقصودا للتخويف، والعمل على إعادة المليشيا المنهزمة وحلفائها إلى الساحة السياسية وتسليمهم السلطة"، وجزم بأن "هذا التهديد لن يغيّر شيئا، بل ينبغي أن يحفّز على مواصلة تحرير البلاد من الارتهان لغير السودانيين".
لكن مندوب السودان الأسبق لدى الأمم المتحدة في نيويورك -السفير عبد المحمود عبد الحليم- أفاد للجزيرة نت بأن العقوبات المفروضة على وزير المالية لن تسمح له بالسفر إلى واشنطن للمشاركة في اجتماعات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي ، كما أن لها أثرا معنويا سلبيا على الدول التي تتعاون مع حكومة السودان.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيانها، إن العقوبات تستهدف "فاعلين إسلاميين سودانيين، للحد من النفوذ الإسلامي في السودان"، متهمة وزير المالية والكتيبة بـ "عرقلة جهود وقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب، وتعزيز علاقاتهما مع إيران ، وتلقي دعم فني منها".
وأشار البيان إلى أن الوزير والكتيبة تم تصنيفهما من الأشخاص الذين يزعزعون استقرار السودان ويقوّضون التحول الديمقراطي.
وأكد الدكتور محمد زكريا -أمين الإعلام والناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة السودانية التي يرأسها الدكتور جبريل إبراهيم بجانب توليه منصب وزير المالية- في بيان رسمي، أن "الحركة ليست امتدادا لأي مشروع عقائدي"، وأن ادعاء عرقلتها للانتقال الديمقراطي "باطل، ويفتقر إلى السند القانوني أو الواقعي".
وقال في حديثه للجزيرة نت إن "العقوبات الأحادية ليست ذات قيمة، وتمثل إجراء جائرا لا ينسجم مع قواعد العدالة أو مبادئ القانون الدولي "، مشيرا إلى أنها "تمثل دعما صريحا لمليشيا إجرامية، سبق أن وصفت وزارة الخارجية الأميركية أفعالها بأنها ترقى إلى جرائم حرب، وأدانتها منظمات الأمم المتحدة والمنظمات العالمية والإقليمية، كما تمثل محاولة يائسة لإنقاذ المليشيا التي باتت على حافة الانهيار"، حسب قوله.
يرى يوسف الشريف أن "فرض العقوبات في هذا التوقيت تحديدا يُعد أكبر دليل على ما ظللنا نؤكده لمن يمثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، بأنهم يمارسون الكيل بمكيالين، ويفتقرون إلى النزاهة والصدق".
وأضاف أنهم "يعملون من أجل مصالحهم الذاتية، ولا يكترثون لما يدّعون أنهم ينافحون من أجله من قضايا السلام والاستقرار في السودان، والوقوف إلى جانب الشعب السوداني".
ووصف السفير الدكتور جبريل إبراهيم بـ"المناضل الجسور"، مشيرا إلى أنه ظل يدير ملف الاقتصاد السوداني خلال العامين ونيف الماضيين بجدارة وصدق وإخلاص ووطنية، حسب وصفه، وعن كتيبة البراء قال إنها "ظلت تقاتل من أجل الشعب السوداني بعد أن قررت الانضمام إلى جيشه، لتصبح جزءا من المقاومة الشعبية في مواجهة التدمير والانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع".
ورأى أن العقوبات عبارة عن "قرار سياسي مدفوع بمواقف ساذجة"، وتساءل "كيف تفرض الولايات المتحدة عقوبات على من يدافعون عن بلادهم بصدق وإخلاص، بينما من يرتكبون القتل والتهجير بحق الفلسطينيين ويمارسون الإبادة الجماعية ضدهم لا يلقون إلا الدعم والمساندة وتزويدهم بالأسلحة الفتاكة".
قارن السفير عبد المحمود عبد الحليم بين دور واشنطن في الاتفاق الذي تم بين الكونغو الديمقراطية و رواندا واعتبر أنه قائم على أساس "السلام مقابل المعادن"، وبين موقفها في السودان الذي "أصبح ملعبا للتنافس بين القوى الإقليمية"، مشيرا إلى تعليق اجتماع الرباعية في واشنطن.
وقال عبد الحليم "من الواضح أن حسم أمرهم جاء بشروط أطراف الرباعية، التي أفلحت في نقل المعركة لتكون ضد الإسلاميين، بإسناد إقليمي وأميركي، وليس ضد حركة متمردة"، حسب تعبيره.
وأضاف أن "خطورة الزج ببُعد الإسلاميين تكمن في أنه يحمل معه ظلال الحرب ضد حماس وإيران في المنطقة، فقد تحوّل الحديث عن القوات المسلحة من مؤسسة وطنية إلى الحديث عن أطراف متحاربة"، موضحا أنه "اختفت فقرة هامة كانت مصر تصرّ عليها في كافة المنابر، وهي ضرورة المحافظة على المؤسسات الوطنية، وكانت تعني بها القوات المسلحة".
اعتبر السفير الخضر هارون أن "أمن السودان لا يُعد شأنا إستراتيجيا بالنسبة للولايات المتحدة، إلا من باب واحد، وهو أمن واستقرار حلفائها في المنطقة، وفي مقدمتهم أمن إسرائيل، وربما مؤخرا أمن الملاحة في البحر الأحمر ".
وأوضح الخضر أن "ضعف الاهتمام يتجسّد في إسناد ملف الحرب في السودان إلى أحد أعوان الرئيس الأميركي المنحدر من أصول عربية" في إشارة للمستشار في الإدارة الأميركية مسعد بولس ، الذي تولى ملف الشؤون العربية في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وأفاد أن بيان الرباعية يُعد أبلغ دليل على قلة الاهتمام الأميركي "إذ أوكلت واشنطن الأمر إلى الحلفاء الثلاثة في المنطقة لتدبيره، والاستجابة لمخاوفهم بالسماح لهم بتحديد مستقبل السودان"، معتبرا أنه "أمر جارح للكبرياء الوطني وفيه استخفاف لا يُخفى".
وأضاف أن ذلك يأتي في وقت "يحقق فيه الجيش انتصارات مهمة، تزداد معها مخاوف بعض الأطراف في المنطقة، فتأتي العقوبات الاقتصادية الأميركية، وتُجدَّد عقوبات سابقة من مجلس الأمن الدولي، في تدبير مقصود للتخويف، وإعادة المليشيا المنهزمة وحلفائها إلى المشهد، وتسليمهم السلطة".
ونوّه إلى ضرورة إعادة النظر في بناء تحالفات قائمة على مصالح حقيقية، "تُبقي السيادة للسودانيين على بلادهم، مستقلة بحق وحرة"، حسب تعبيره.
يرى المستشار الإعلامي السابق للسفارة السودانية في واشنطن، والمحلل السياسي مكي المغربي، أن مناقشة شرعية وعدالة هذه العقوبات هو "نقاش مكرر بلا جدوى، لأن آلية اختيار وانتقاء العقوبات الأميركية، بل حتى توقيت إصدارها، هي آلية سياسية بامتياز".
وقال "للجزيرة نت" إنه "من المقلق أن العقوبات جاءت في موسم عربدة إسرائيلية في الأجواء العربية، ومطالب ملحّة من المليشيا وراعيها الإقليمي لإنقاذ موقفها العسكري بأي طريقة، وخلاف ذلك، فإن العقوبات تفضي إلى نقيض المطلوب منها".
واعتبر المغربي أن الحديث عن استهداف أميركا لسيادة الشعوب وإدارة الصراعات "غير مفيد"، مبررا بأنه "معلوم أن ذلك جزء أساسي من سياسة الولايات المتحدة".
وقال إن "المفيد هو نقاش رد الفعل والتأثير، والواقع يقول إنه كلما زاد عدد المعاقَبين في نظام ما، ازداد موقف النظام تشددا تجاه العقوبات، واكتسب مناعة ضد التفاعل معها، بل يصل الأمر إلى درجة يصبح فيها المعاقَبون هم من يحددون طبيعة رد الفعل، ويقلّ دور الآخرين".