لم تعد العلاقة بين الصحفيين والجمهور خطا مستقيما قائما على التلقي فقط، فمع صعود الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية بات الجمهور شريكا، وناقدا، وداعما، وأحيانا خصما.
وقد كشفت دراسات أكاديمية حديثة أن هذه العلاقة أكثر تنوعا وتعقيدا مما كان يُتصور، وأنها تتراوح بين التعاون والانسحاب وحتى تصل إلى المواجهة.
فقد أوضحت دراسة بمجلة الصحافة والاتصال الجماهيري الأميركية الفصلية (Journalism & Mass Communication Quarterly) أن العلاقة بين الصحفيين والجمهور يمكن تحديدها في 11 نمطا وتلخيصها في 4 مجموعات رئيسية هي:
وقد أكد الباحثون -في الدراسة التي نشر نتائجها موقع "نيمان لاب"- أن الصحفي لا يلتزم بنمط واحد دائم، بل يتنقل بين هذه الأشكال وفق الظروف والسياق التحريري.
وقد أبرزت بحوث أخرى أن الجمهور لا يبحث عن الشفافية فقط، بل يريد أن يرى توازنا أيديولوجيا داخل المؤسسات الإعلامية.
وبحسب دراسة في مجلة بحوث الاتصال (Communication Research) -وهي مجلة أكاديمية أميركية محكمة تصدر كل شهرين وتغطي مجال دراسات الاتصال- وُجد أن الكشف عن التوجهات السياسية لغرف الأخبار عزز الثقة فقط عندما بدت الغرفة متوازنة بين محافظين وليبراليين. أما إذا هيمن تيار واحد، فقد يتراجع مستوى الثقة، بل يتجه الجمهور لتجنب الوسيلة الإعلامية. ويرى "نيمان لاب" أن هذا يعني أن المؤسسات الإعلامية التي تراهن على الشفافية وحدها لن تنجح ما لم تقرنها بتوازن حقيقي في التمثيل السياسي.
بحسب "نيمان لاب" فإن من أبرز التحديات التي تواجه الصحافة الرقمية مسألة الاشتراكات المدفوعة، حيث كشفت دراسة في مجلة بحوث الصحافة الرقمية (Digital Journalism) أجريت على مستخدمي الإعلام في النمسا أن:
لصحفيون والمؤسسات الإعلامية بحاجة إلى إعادة تعريف علاقتهم بالجمهور باستمرار، وإجراء موازنة بين الشفافية والتوازن، وبين الابتكار الاقتصادي والحفاظ على المصداقية.
بواسطة نيمان لاب
وخلصت الدراسة إلى أن عقلية "المجانية" لا تزال مسيطرة على الجمهور، مما يفرض على المؤسسات البحث عن نماذج وصول مبتكرة بدلا من الاعتماد فقط على اشتراكات مباشرة.
وأظهرت دراسة أخرى أن نسبة ملحوظة من الباحثين الأكاديميين في الولايات المتحدة باتوا ينسحبون من التغطية الإعلامية.
وبحسب "نيمان لاب" فإن أسباب الانسحاب شملت التبسيط المخل في وسائل الإعلام، وفقدان السيطرة على السرد، والعناوين المثيرة. وكان أكثر المتضررين من مجالات الصحة والسياسة والبيئة، وهي قطاعات حساسة وحيوية.
ويرى "نيمان لاب" أن الانسحاب يعكس أزمة معرفية حقيقية، فكلما ابتعد الباحثون صارت مهمة الصحفيين أصعب في الوصول إلى مصادر دقيقة وموثوقة.
وختم الموقع أن هذه الدراسات تكشف أن العلاقة بين الصحافة والجمهور لم تعد بسيطة أو خطية. إنها شبكة من 11 نمطًا تمتد بين الدعم والهجوم، وبين التفاعل والانسحاب. وفي الوقت نفسه، تتضح تحديات عميقة تتعلق بالثقة السياسية، والتمويل الرقمي، والحق في النفاذ إلى المعلومات، وحتى علاقة الصحافة بالعلم والمعرفة.
وأوضح أن الدرس الأبرز أن الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بحاجة إلى إعادة تعريف علاقتهم بالجمهور باستمرار، وإجراء موازنة بين الشفافية والتوازن، وبين الابتكار الاقتصادي والحفاظ على المصداقية. فالمستقبل الإعلامي لن يتحدد فقط بما تنتجه غرف الأخبار، بل أيضا بكيفية إدارة هذا التفاعل المتشابك مع جمهور متعدد الأوجه.