الخرطوم- لأول مرة منذ بدء القتال في السودان ، قبل أكثر من 28 شهرا، تبنت قوات الدعم السريع هجوما استخدمت فيه طائرات مسيرة واستهدف منشآت حيوية وعسكرية في العاصمة الخرطوم . في خطوة عدّها مراقبون محاولة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية وتوجيه رسائل الى الداخل والخارج.
وظلت قوات الدعم السريع خلال العامين السابقين تنفى استخدامها طيرانا مسيرا. ويكرر المتحدثون باسمها عبر وسائل الإعلام أنهم لا يملكون مثل هذا السلاح، وأن طرفا ثالثا يستخدمه ضد أهداف مدنية وعسكرية لإلصاق التهم بهم وربطهم بقوى إقليمية بزعم أنها توفره لهم.
وأعلن تحالف السودان التأسيسي (تأسيس)، الذي يقوده قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي )، ويضم جماعات مسلحة وفصائل سياسية، مسؤوليته عن استهدفت مواقع عسكرية ولوجستية ومحطات كهرباء في مدن ولاية الخرطوم الثلاث.
وقال المتحدث باسم تحالف "تأسيس"، علاء الدين نقد، في بيان الثلاثاء، إن "السلاح الجوي نفذ ضربات جوية على أهداف عسكرية في الخرطوم ومدن أخرى، ردا على الاستهداف للمستشفيات والمنشآت المدنية في دارفور و كردفان ، بما في ذلك مدينة نيالا ".
وقالت وزارة الطاقة السودانية، أمس الأربعاء، إن 3 مواقع تعرضت لهجمات بالطيران المسير للدعم السريع شملت "محطة كهرباء المرخيات التحويلية" بأم درمان، ما أدى لانقطاع التيار الكهربائي عن بعض أجزاء المدينة، ومركز التحكم في "مصفاة الخرطوم لتكرير النفط"، وخزانات الوقود المغذية لمحطة "قري" للكهرباء في شمال الخرطوم بحري.
وتفقّد رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان ، محطة المرخيات التحويلية للكهرباء إثر استهدافها، ونقل إعلام مجلس السيادة عن البرهان قوله "إن استهداف المنشآت المدنية والخدمية عمل جبان يستهدف المواطنين الأبرياء، وسيقابَل ذلك بمزيد من الإعمار والبناء".
وأتى هذا الهجوم بعد نحو 3 أشهر من توقف قوات الدعم السريع عن قصف محطات توزيع ونقل الكهرباء، حيث ألحق قصفها المتكرر للمحطات أضرارا تُعتبر مكملة لحملة النهب التي طالت محوّلات الكهرباء في المدن التي سيطرت عليها.
وقال رئيس لجنة تهيئة بيئة عودة المواطنين إلى الخرطوم، عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، الاثنين الماضي، إن خسائر قطاع الكهرباء بالولاية بلغت 468 مليون دولار، وإن العاصمة بحاجة إلى 14 ألف محوّل حتى تصل الكهرباء إلى المواطنين.
وجاءت هجمات الدعم السريع بالطيران المسير بعد تكثيف الجيش السوداني عملياته العسكرية في ولايات كردفان غربي البلاد بهدف استعادة السيطرة على مدن مهمة في ولايتي شمالي كردفان وغربها وفك الحصار عن مدينتي كادقلي والدلنج في جنوبي كردفان وبابنوسة في غربي كردفان والفاشر حاضرة إقليم دارفور.
ويرى الباحث والمحلل السياسي فيصل عبد الكريم أن اعتراف قوات الدعم السريع لأول مرة منذ بدء الحرب في البلاد جاء باسم تحالف "تأسيس" وليس باسمها، وبعد إعلانها تشكيل سلطة موازية في نيالا، للتأكيد على أنها صارت لها حكومة ولديها مقدرات عسكرية وطيران يمكن أن يغير المعادلة ويخلق توازن ردع.
ويوضح الباحث في حديث للجزيرة نت أن استهداف الخرطوم بالمسيرات جاء بالتزامن مع جهود لإعادة الحياة في العاصمة السودانية، وترتيبات لتشغيل مطار الخرطوم الدولي قريبا، مما زاد من وتيرة عودة النازحين واللاجئين.
وبرأيه، يريد التحالف الجديد أن يوجّه رسالة بأنه لن يسمح بعودة الحياة للخرطوم إلا بتوقف قصف الجيش "عاصمته نيالا".
كما يسعى تحالف "تأسيس" كما يقول الباحث إلى التقدّم كواجهة سياسية وفرض نفسه في أية معادلة سياسية ونيل مقعد في طاولة الحوار السوداني السوداني وأي عملية سياسية بعد الحرب، لأن قوات الدعم السريع تصنَّف جماعة عسكرية لا مستقبل سياسيا لها.
وفي السياق ذاته يقول المحلل السياسي سيبويه يوسف للجزيرة نت، إنه لأول مرة يتبنى تحالف "تأسيس" عملا عسكريا منذ إنشائه في فبراير/شباط الماضي، كما يريد تأكيد أن لديه حكومة من حقها أن تملك أسلحة وطيرانا في مواجهة الجيش والحكومة القائمة في بورتسودان.
ووفقا للمحلل، فإن التحالف يسعى إلى تثبيت نفسه كيانا سياسيا عبر حكومته في نيالا، وقوة عسكرية موحدة تضم الدعم السريع والحركة الشعبية- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو وفصائل عسكرية أخرى، وتنفذ عمليات مشتركة كما يحدث حول كادقلي والدلنج بجنوب كردفان.
وفي المقابل يرى الخبير العسكري ونائب رئيس هيئة أركان الجيش السابق محمد بشير سليمان، أن تحالف "تأسيس" يحاول تقديم نفسه كسلطة موازية للحكومة السودانية التي يعترف بها المجتمع الدولي ويتعامل معها، وأن لديه قوة عسكرية موازية للجيش السوداني كذلك.
وحسب حديث الخبير سليمان للجزيرة نت فإن المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة والمنظمات القارّية والإقليمية رفضت الاعتراف بالحكومة الموازية في نيالا، لأن الجميع يدركون أن التحالف الوليد هو الوجه الجديد للدعم السريع وأن تواري "حميدتي" وراء قناع جديد لن يغير من حقيقته.
وتكشف تقارير عسكرية أن قوات الدعم السريع بدأت استخدام المسيرات منذ يونيو/حزيران 2023، مُكثفة بها هجومها في معارك عدة بالخرطوم، في حين استخدمها الجيش منتصف يوليو/تموز 2023.
وتستخدم الدعم السريع المسيرات الانقضاضية (الانتحارية) وهي تقليد لطائرات إيرانية، وصينية الطراز مزودة بمحرك يعمل بالبنزين المخلوط بالزيت، كما أنها دون كاميرات ويتم التحكم بها عن بُعد ولا يمكن تغيير مسارها بعد إطلاقها.
وأعلنت وزارة الدفاع في وقت سابق أن الدعم السريع امتلك لاحقا "طائرات مسيرة إستراتيجية" أُطلقت من دول مجاورة وأخرى من وراء البحر الأحمر، واستهدفت مدينة بورتسوان وأهداف مدنية وعسكرية في مدن بشرق البلاد وشمالها.