آخر الأخبار

الحرب على غزة.. ومقتلة السلام

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

بالإبادة الجماعية ومجازر الاحتلال الإسرائيلي في غزة ، التي أدت لاستشهاد وإصابة أكثر من 100 ألف فلسطيني في القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تكون إسرائيل قد ألغت فعليًّا كل المواثيق الدولية، وأسقطت كل حلول السلام، بما في ذلك حل الدولتين ، الذي كان من شأنه أن يمنح نوعًا من الاستقرار في المنطقة.

فالحرب الحالية لم تكن مجرّد عدوان عسكري، بل مثّلت نقطة تحوّل إستراتيجية، إذ تجاوز فيها الاحتلال كل القواعد الإنسانية والدبلوماسية، وتراجعت فكرة "السلام العادل" لصالح منطق القوة والإلغاء التام للآخر.

فعليًّا، تسبّبت الحرب في إلغاء عملي للمواثيق والقوانين الدولية، وشكّلت انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، من خلال استخدام التجويع كسلاح حرب، وهو محظور تمامًا (اتفاقية جنيف ال4، المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول) إضافة إلى استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية (مستشفيات، مدارس، مخيمات لاجئين)، ورفض تطبيق قرارات محكمة العدل الدولية (2024) التي طالبت بوقف الإبادة الجماعية، كما تم استخدام "الفيتو" الأميركي بشكل متكرّر لتعطيل قرارات وقف إطلاق النار أو حماية المدنيين.

لم يعد قابلًا للتطبيق

لم يعد الحديث عن إقامة دولة فلسطينية قابلاً للتطبيق ميدانيًا بعد التدمير الواسع للبنية التحتية في غزة، والتوسع الاستيطاني غير المسبوق في الضفة الغربية و القدس .

أما تصريحات القادة الإسرائيليين -بما فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – فقد أصبحت علنية في رفض إقامة أي دولة فلسطينية مستقلة، فيما الإدارة الأميركية، وعلى الرغم من تصريحاتها العلنية بدعم حل الدولتين، لم تقدّم أي آلية عملية لتطبيقه أو فرض جدول زمني، كما تم أيضًا إقصاء جميع المبادرات الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها المبادرة العربية للسلام (2002).

إعلان

كل هذه الاعتداءات والمجازر والتدمير، راهن الاحتلال من ورائها على تخلي الشعب الفلسطيني عن حقوقه، لكن التشريد والتهجير القسري لا يعنيان بأي حال من الأحوال تخلي الشعب الفلسطيني المشرّد عن حقوقه، فقد أثبتت التجربة، على امتداد قرن من الزمان، إصرار الشعب الفلسطيني على مواصلة النضال والمطالبة بحقوقه.

فرغم مرور أكثر من 77 عامًا على نكبة الشعب الفلسطيني، وتوالي موجات التهجير، وآخرها ما يحدث في غزة منذ 2023، لم يتنازل الفلسطينيون يومًا عن حقهم في العودة، ولم يتخلوا عن المطالبة بحقوقهم المشروعة.

وقد أثبتت التجربة التاريخية أن التهجير والحرب والحصار لم ولن تُطفئ الوعي الجمعي الفلسطيني، وأن اللاجئ الفلسطيني -أينما وُجد- ظل حاملًا لقضيته سياسيًّا وثقافيًّا وشعبيًّا، فيما لم تنجح محاولات التذويب في المجتمعات المضيفة في إنهاء هويته الوطنية.

فالفلسطيني في لبنان أو الأردن أو سوريا أو أوروبا، يعلّم أبناءه عن بلدته الأصلية، ويحتفظ بمفتاح منزله، ويروي لهم حكاية العودة.

الشتات وحركات التحرّر

لم يكن الشتات الفلسطيني حالة سكون أو غياب، بل كان جزءًا فاعلًا في المشروع الوطني الفلسطيني، بل وقياديًا في مراحل حاسمة.

ورغم التشريد واللجوء والمعاناة الطويلة، لم يكن الشتات الفلسطيني عبئًا على قضيته، بل كان في طليعة حركة التحرّر الوطني، مشاركًا في رسم ملامح النضال، ومؤطّرًا له فكريًّا وسياسيًّا، وقدّم تضحيات هائلة من أجل حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

فالشتات لم يغب عن التضحية، إذ قدّم عشرات آلاف الشهداء من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن، فيما كان الإبداع الثقافي والإعلامي والسياسي الفلسطيني في المنافي أداةً مركزية في الحفاظ على الرواية الوطنية في وجه محاولات الطمس والتزوير.

لقد أثبت التاريخ أن حركات التحرّر، مهما طال أمدها، ومهما عظمت تضحياتها، فإنها تنتصر في نهاية المطاف، فالشعوب لا تموت، والحق لا يُمحى بالقوة، والإرادة الجماعية تفرض نفسها، ولو بعد حين.

وليس النضال الفلسطيني استثناءً، بل هو امتداد لتجارب الشعوب الحرة التي واجهت الاستعمار والاستبداد بصدور عارية وعزائم لا تلين.

فالثورة الفيتنامية التي كسرت جبروت الإمبراطورية الأميركية، و الثورة الجزائرية التي طردت الاحتلال الفرنسي بعد 132 عامًا من الاستعمار، كلاهما يؤكدان أن النصر للشعوب، لا للمحتل.

وإذا انتصرت فيتنام والجزائر وغيرهما، فإن فلسطين -بتاريخها العريق وعدالة قضيتها وعمق انتماء شعبها- لن تكون استثناءً، فمن يقاتل من أجل أرضه وكرامته وحقه لا يُهزَم، حتى وإن تآمر عليه القريب والبعيد.

حركة تضامن دولية

ولا يمكن تجاهل ما خلّفته الحرب الحالية من حركة تضامن دولية يصعب على الاحتلال تجاوزها. فقد أدّت الجرائم المروّعة إلى يقظة ضمير عالمي غير مسبوقة. فبدلًا من أن تُخمد هذه الفظائع صوت الحق الفلسطيني، أطلقت موجة عارمة من التضامن الشعبي والدولي، يصعب على الاحتلال إسكاتها أو الالتفاف عليها.

فقد امتلأت شوارع العواصم العالمية بالمظاهرات المليونية، وارتفعت أصوات المثقفين والطلاب والحقوقيين والسياسيين الشرفاء في مختلف أنحاء العالم، دفاعًا عن الحق الفلسطيني، ورفضًا للعدوان، وفضحًا لجرائم الإبادة.

إعلان

من داخل الجامعات الأميركية والبريطانية، إلى برلمانات أميركا اللاتينية، ومن لجان حقوق الإنسان، إلى قرارات المحاكم الدولية، أصبح صوت فلسطين حاضرًا بقوة، وأسقط الرواية الصهيونية التي لطالما حاولت دولة الاحتلال ترويجها لعقود.

لقد خلقت هذه الجرائم شرخًا عميقًا في صورة "الضحية الدائمة" التي حاول الاحتلال ترويجها، وجعلت العالم يرى -بوضوح- من هو الجلاد ومن هو الضحية الحقيقية.

وبهذا، يمكن القول إن الاحتلال خسر أهم أدواته: الشرعية الأخلاقية الزائفة، والرواية الإعلامية المضلِّلة.

السلام على الطاولة

عمليا، لقد قبلت ممثلية الشعب الفلسطيني بحل الدولتين، رغم أنه ينتزع الكثير من حقوقه التاريخية، وكما قالها الرئيس محمود عباس (أبو مازن) "رضينا بالهمّ، والهمّ ما رضي فينا".

فالمبادرة العربية لا تزال مطروحة على الطاولة، رغم الرفض الإسرائيلي الدائم لمعظم بنودها، ما يعني أن "إسرائيل" تُصرّ على هضم جميع الحقوق الفلسطينية، بل والعربية أيضًا، وتختار طريق الحرب بدلًا من طريق السلام.

وهذا ليس مجرد حديث إعلامي، بل واقع تنفّذه إسرائيل على الأرض، فمحاولة اغتيال الوفد الفلسطيني المفاوِض في قطر أثناء اجتماعه لمناقشة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، تُعدّ دليلًا صارخًا على أن الاحتلال يسعى لاستمرار الحرب ورفض وقفها، بل ويمضي في توسيعها لتشمل المحيط العربي والإسلامي.

ويواصل الاحتلال سقوطه في هاوية التصعيد والدمار، حتى مع أولئك الذين سعوا إلى تحقيق السلام وإطلاق سراح الأسرى.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا