آخر الأخبار

بعد تكرار هجوم المسيرات: هل تعود الحرب مرة أخرى في الخرطوم؟

شارك
مصدر الصورة

تفاجأ سكان العاصمة السودانية الخرطوم صباح الثلاثاء التاسع من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي بهجوم عبر طائرات مسيرة انتحارية استهدفت مواقع عسكرية ومدنية في عدة مناطق في العاصمة السودانية الخرطوم وذلك بعد أشهر من الهدوء.

ولاحقا تبنى تحالف تأسيس المكون من قوات الدعم السريع وفصائل أخرى من بينها الحركة الشعبية لتحرير السودان فصيل عبد العزيز الحلو الهجوم قائلة إنه جاء رداً على هجمات من قبل الجيش السوداني على مرافق حيوية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في كردفان ودارفور.

يأتي الهجوم في وقت اشتدت فيه وتيرة العمليات العسكرية بين الجيش السوداني والفصائل المتحالفة معه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى في محاور القتال في شمال كردفان بعد حالة من الهدوء النسبي في المنطقة التي تفصل العاصمة الخرطوم عن إقليم دارفور.

مخاوف كبيرة من عودة الحرب

الهجوم بالمسيرات أيقظ مخاوف كبيرة لدى سكان الخرطوم من احتمال عودة الحرب وأصوات المدافع والبنادق، حيث كان آخر هجوم على العاصمة من قبل الدعم السريع في مايو/أيار الماضي.

وأبدى أحمد عبد الله، وهو أحد سكان الخرطوم، خلال حديثه لبي بي سي قلقه الشديد من احتمالية عودة الحرب إلى المنطقة التي يعيش فيها مع أسرته.

وقال: "اليوم سمعت أصوات انفجارات قوية ورأيت الدخان يتصاعد في السماء بعد الهجوم بواسطة المسيرات التي سمعتها تمر فوقنا... ظللنا في أمان طوال الأشهر الماضية".

وأضاف عبد الله، الذي يعمل مهندساً في مجال الكمبيوتر: "أخشى أن تعود الحرب مرة أخرى إلى الخرطوم. لم نصدق أنها توقفت وعدنا بعد سنتين من النزوح، ولا أريد أن تتكرر التجربة القاسية".

المخاوف التي أبداها مهندس الكمبيوتر من عودة الحرب إلى الخرطوم لم تكن بسبب هجوم المسيرات فقط، بل أيضاً مما يدور من معارك على الأرض بين الجيش وقوات الدعم السريع في منطقة رهيد النوبة بولاية شمال كردفان، التي تبعد نحو 150 كيلومتراً غرب العاصمة.

وفي مايو/أيار الماضي، تمكن الجيش من استعادة السيطرة على كامل العاصمة بمدنها الثلاث: الخرطوم وأم درمان وبحري، بعد معارك أجبرت قوات الدعم السريع على الانسحاب والتراجع إلى ولاية شمال كردفان.

مصدر الصورة

أسلحة جديدة وتكتيكات غير مسبوقة

فعلياً، وعلى الأرض، تدور معارك توصف بالعنيفة بين الطرفين في أجزاء واسعة من ولاية شمال كردفان.

وقالت مصادر عسكرية مطلعة إن الأطراف المتحاربة استخدمت الطيران المسيَّر بكثافة غير مسبوقة في المعارك الأخيرة، خصوصاً الجيش السوداني، الذي شن هجمات على مواقع تمركز قوات الدعم السريع في منطقتي بارا وكازقيل باستخدام مسيَّرات حديثة على مدار ثلاثة أيام.

وأضافت المصادر: "للمرة الأولى منذ فترة طويلة يستخدم الجيش طائرات مسيَّرة حديثة في المعارك، وقد استهدفت مواقع عدة للدعم السريع، أعقبها هجوم بري من القوات البرية... هذا التكتيك غاب عن الجيش لفترة طويلة".

وقد شهدت المنطقة معارك عنيفة خلال الأشهر القليلة الماضية، تمكّنت خلالها قوات الدعم السريع من تحقيق مكاسب ميدانية، بينها السيطرة على مناطق استراتيجية مثل الرهد، وأم صميمة، والخوي، واقتربت من مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، التي لا تزال تحت سيطرة الجيش.

تقاتل إلى جانب الجيش القوات المشتركة، وهي فصائل مسلحة من إقليم دارفور، إضافة إلى قوات درع السودان بقيادة القائد المنشق عن قوات الدعم السريع، أبو عاقلة كيكل، وكتيبة البراء بن مالك، وهي قوة قتالية محسوبة على التيار الإسلامي.

في هذا السياق، يرى الخبير العسكري، اللواء المتقاعد أمين مجذوب، أن الجيش عازم هذه المرة على استعادة كل المناطق التي وقعت تحت سيطرة الدعم السريع في إقليم كردفان، بعد سلسلة من الانتكاسات في هذا المحور.

وأوضح مجذوب أن الهدف الاستراتيجي من معارك كردفان هو فك الحصار المفروض على مدينة الفاشر في دارفور.

وأضاف: "من خلال متابعتي الميدانية، أرى أن الجيش يركّز على استهداف القوة الأساسية للدعم السريع في كردفان عبر استخدام المسيَّرات، وهو تكتيك يهدف إلى إجبار الدعم السريع على سحب قواته من دارفور والفاشر لتعزيز مواقعه في كردفان".

وكانت قوات الدعم السريع قد فرضت حصاراً مشدداً على مدينة الفاشر منذ أكثر من عام، ونفذت سلسلة هجمات داخل المدينة، وتمكّنت من التوغّل في الأحياء السكنية والسيطرة على مواقع حيوية، مثل مقر قيادة الشرطة وسوق بورصة المحاصيل الرئيسي، واقتربت من مقر الفرقة السادسة، وهي القاعدة العسكرية الأهم للجيش في شمال دارفور.

مصدر الصورة

مغامرة غير محسوبة العواقب

من جانبه، وصف الخبير العسكري والأمني، اللواء المتقاعد عبد الله أبو قرون، تحركات الجيش الأخيرة في كردفان بأنها "مغامرة محفوفة بالمخاطر" قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

وقال في تصريح لبي بي سي: "الجيش ألقى بكل ثقله في معارك كردفان بعد أن أعاد تنظيم صفوفه، ويطمح الآن إلى كسر شوكة قوات الدعم السريع هناك".

وحذر من أن خسارة الجيش لهذه المعارك، كما حدث سابقاً، ستكون بمثابة انتكاسة كبرى.

وأضاف: "رغم الدفع بكامل الإمكانيات في محور جنوب كردفان، فإنني، بحكم خبرتي العسكرية في تلك المناطق، أؤكد أن الدعم السريع يمتلك قدرة عالية على المناورة والحركة السريعة، نظراً لانحدار غالبية مقاتليه من هذه المناطق".

وتابع: "إذا نجح الدعم السريع في تحقيق انتصارات في كازقيل وأم صميمة، فإنه لن يتوقف عند هذا الحد، بل قد يسعى للسيطرة الكاملة على مدينة الأبيض، وربما يعيد التفكير في العودة إلى العاصمة الخرطوم التي أُجبر على الخروج منها قبل أشهر".

مواقع استراتيجية

تشير خارطة المعارك إلى أن الجيش وقوات الدعم السريع يتقاسمان السيطرة على مناطق شمال وغرب كردفان.

فالدعم السريع يهيمن على المناطق الغربية الأقرب إلى إقليم دارفور، مثل الرهد، والخوي، وأم صميمة، إضافة إلى سيطرته على مناطق شمالية غربية مثل مدينة بارا، التي يمر بها طريق الصادرات الحيوي الرابط بين أم درمان ومدينة الأبيض.

في المقابل، يسيطر الجيش على مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، التي تُعد من أهم المدن في الإقليم، وتضم مقر القيادة العسكرية الرئيسي للجيش، بالإضافة إلى مطار عسكري كبير.

وأصبحت الأبيض خلال الفترة الأخيرة ملاذاً لآلاف النازحين الفارين من المعارك في مختلف مناطق كردفان. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد سكان المدينة تجاوز مليوناً ونصف المليون نسمة.

كما يسيطر الجيش على مدن أخرى مهمة في الأجزاء الشرقية من شمال كردفان، مثل أم روابة وتندلتي، الواقعتين قرب الحدود بين ولايتي شمال كردفان والنيل الأبيض.

مصدر الصورة

حرب استنزاف

يرى اللواء أمين مجذوب أن التكتيكات الجديدة للجيش قد تمهد الطريق لتحقيق انتصارات إضافية، قائلاً: "في المعارك السابقة، كان هناك ضعف في التنسيق بين الجيش والفصائل المتحالفة معه، مما أدى إلى حالات من الارتباك. أما الآن، فيبدو أن هناك انسجاماً واضحاً، وهو ما أسفر عن استعادة بعض المناطق. أعتقد أن الجيش سيواصل تحقيق مكاسب ميدانية، خاصة بعد حصوله على أسلحة متطورة".

وأضاف: "أعتقد أن الجيش سيتمكن من تحقيق الانتصارات في كردفان ومن ثم فك الحصار عن الفاشر، ولن تتمكن قوات الدعم السريع من العودة إلى الخرطوم، بل ستنكمش في مناطق نفوذها بجنوب دارفور".

أما اللواء عبد الله أبو قرون، فيصف معارك كردفان بأنها "حرب استنزاف للطرفين"، ويوضح: "في معظم المعارك السابقة، لم نشهد هذا العدد الكبير من القتلى والضحايا من الجانبين... الجيش، والقوات المشتركة، وكتائب البراء فقدوا عدداً كبيراً من القادة والجنود، وكذلك الأمر بالنسبة لقوات الدعم السريع، لأن المعارك تدور في مساحات مكشوفة وعلى خطوط تماس مباشر".

ويضيف أبو قرون، الذي سبق أن خدم قائداً عسكرياً في كردفان: "الدعم السريع يتمتع بميزة الإمداد المستمر من مناطق جنوب كردفان، عن طريق الحركة الشعبية لتحرير السودان، ما يعزز موقفه في حال استمر القتال لفترة طويلة".

وكانت قوات الدعم السريع، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قد تحالفت في أغسطس/آب الماضي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – فصيل عبد العزيز الحلو، وهي واحدة من أكبر الفصائل المسلحة في جنوب كردفان، المتاخمة لدولة جنوب السودان.

ويُعد هذا التحالف – إلى جانب أطراف أخرى – النواة الأساسية لحكومة موازية تسعى إلى منافسة الحكومة السودانية الخاضعة لسيطرة الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا