في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
غزة- شكل الاستهداف المباشر للبنية التعليمية من جامعات ومدارس ومراكز تعليمية في قطاع غزة عنوانا رئيسيا لحرب الإبادة المتواصلة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو عامين، مما أدى إلى تعطيل المسيرة التعليمية وحرمان عشرات آلاف الطلاب من حقهم الأساسي في التعليم.
ومع تواصل العدوان، لم تعد المدارس مجرد مؤسسات تعليمية، بل تحولت إلى مراكز إيواء للنازحين، فيما تضررت الجامعات بشكل جسيم من القصف والتدمير، وفقدت مختبراتها وقاعاتها ومرافقها الأكاديمية.
وانعكس هذا الواقع الصعب بشكل مباشر على طلبة الجامعات وطلبة الثانوية العامة (التوجيهي)، الذين يواجهون ظروفا قاسية في ظل انقطاع التعليم وغياب البيئة المناسبة للتحصيل العلمي.
وفي مواجهة هذه التحديات، برزت مبادرات ومساحات تعليمية بديلة تسعى إلى تقديم الدعم الأكاديمي والخدمات التعليمية للطلبة، في محاولة للحفاظ على استمرارية التعليم وتمكينهم من استكمال مسيرتهم رغم قسوة الظروف.
وخلف جدران هذه المساحات التعليمية، تُروى قصص ملهمة لطلاب كانوا على وشك فقدان فرصتهم في مستقبل أفضل. فبعد أن دمرت الحرب منازلهم وأحلامهم، وجدوا فيها ملاذا آمنا لمواصلة دراساتهم وتقديم امتحاناتهم ومقاومة الصعاب، ليبرهنوا أن الإرادة والعزيمة أقوى من آلة الحرب.
وانتشرت في محافظات غزة العديد من المساحات التعليمية التي توفر خدماتها للطلاب، سواء الجامعيين أو طلبة الثانوية العامة.
وتحولت هذه المساحات إلى متنفس علمي ومجتمعي يضمن استمرارية التعليم، ويمنح الطلبة بيئة تساعدهم على التحصيل الدراسي وتقديم الامتحانات، رغم كل ما يحيط بهم من ظروف قاسية.
وفي النصيرات بالمنطقة الوسطى، جاءت فكرة إنشاء فرع للكلية الجامعية للعلوم التطبيقية بعد استهداف مقراتها في غزة بكل مرافقها ومقدراتها.
وبسبب استمرار الحرب وصعوبة تواصل الطلاب إلكترونيا، بدأ البحث عن أماكن بديلة يستطيعون من خلالها الحصول على خدمة تعليمية متكاملة، فتم توفير قاعة تبلغ مساحتها 250 مترا مربعا، مهيأة بالكامل بالأثاث ومجهزة بكافة الخدمات من أجهزة حاسوب وشبكة كهرباء دائمة وخط إنترنت فايبر بسرعة 200 ميغابايت، إضافة إلى موظفين لتقديم الخدمة للطلاب ومساعدتهم لوجستيا وفنيا.
وبذلك أصبحت وسيلة تواصل مناسبة بين الكلية وطلابها، كما فتحت أبوابها لطلبة الجامعات الأخرى وطلاب المدارس، وخاصة الثانوية العامة، للدراسة وتقديم الامتحانات الإلكترونية مجانا.
وفي هذا السياق، أكد مصدر إداري في الكلية للجزيرة نت أن دور هذه المساحة التعليمية لم يقتصر على خدمة طلاب الكلية فقط، بل تحولت بسرعة إلى مركز تعليمي مجتمعي وأصبحت وجهة لطلاب الجامعات الأخرى التي دُمرت مبانيها، حيث وجدوا مساحة هادئة ومجهزة للمذاكرة والبحث.
وقال المصدر إن الصعوبات كانت كبيرة وهائلة جدا، وفي ظل ظروف الحرب ونقص الموارد يكمن التحدي في الاستجابة السريعة والعمل الدؤوب. وفي وقت قياسي، ومن خلال عملية شملت تأمين الأثاث والمعدات التعليمية وتوفير الخدمات الأساسية لضمان سير العملية التعليمية دون انقطاع، "استطعنا تحقيق ما نريد".
إن توفير هذه المساحة التعليمية البديلة ليس حدثا عابر، بل خطوة تحمل رمزية عميقة؛ فهي -بالنسبة للطلاب- تمثل التمسك بالحياة والتعليم في وجه آلة الحرب التي تهدف إلى نشر الجهل واليأس، وهي رسالة واضحة للعالم بأن الشعب الفلسطيني يرفض الاستسلام.
ففي الجنوب، حيث مدينة القرارة المدمرة، سعت إدارة مدرسة الفينيق الثانوية ومن فوق الركام إلى توفير مساحة تعليمية آمنة وهادئة لطلبة الثانوية العامة (التوجيهي) لتقديم الاختبارات، مجهزة بخدمة إنترنت فايبر وخدمات دعم فني في مجال الشبكات والإنترنت لمتابعة أي خلل في تطبيق الاختبارات، إلى جانب التنسيق مع "جمعية الإنسان التنموية" لتوفير وجبات إفطار يومية للطلبة دون أي مقابل مادي.
وأوضح مدير المدرسة هاني الآغا أن المساحة التعليمية لديهم تستوعب 140 طالبا وطالبة من الفرعين العلمي والأدبي، وقال إن "الإقبال يفوق قدرتنا على الاستيعاب، والسبب وراء ذلك يعود إلى حاجة الطلبة إلى بيئة تعليمية هادئة ومكان مجهز بكل وسائل الدعم والتكنولوجيا لتقديم الاختبارات".
وأضاف في حديثه للجزيرة نت "لقد التزمنا بإجراءات ومعايير الأمان والمراقبة التي حددتها الوزارة وأعلنت عنها، والمتعلقة بتطبيق برنامج الاختبار الإلكتروني".
وكانت وزارة التربية والتعليم العالي، أطلقت في 6 سبتمبر/أيلول الجاري، امتحانات الثانوية العامة لطلاب قطاع غزة من مواليد 2006 الذين فقدوا حقهم في التقدم للامتحانات في موعدها قبل عامين بسبب الحرب على غزة، وتقدم نحو 27 ألف طالب وطالبة من مختلف مديريات القطاع لهذه الامتحانات إلكترونيا عبر برنامج "ويس سكول" (Wise School).
وعبر مساحة تعليمية أخرى في مواصي خان يونس ، برز "كافيه مكان" للخدمات التعليمية الخاص بالطالبات فقط، والذي يقدم مزايا عديدة أهمها توفير إنترنت سريع، ومصدر طاقة عبر الخلايا الشمسية، ومراوح لتلطيف الجو في ظل ارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى مشروبات باردة وساخنة بأسعار مناسبة تراعي الظروف الاقتصادية.
وأشار مديره عبد الله الأسطل للجزيرة نت أن الإقبال عليه كبير، نظرا لكونه المساحة الوحيدة من نوعها في المنطقة التي تحتضن عددا كبيرا من النازحين، وتتوفر فيها خدمات دعم تعليمية وتقنية تمكن الطالبات الجامعيات من متابعة محاضراتهن وتقديم اختباراتهن، وكذلك مساعدة طالبات الثانوية العامة على تقديم اختباراتهن النهائية.
وقد أبدى طالب الثانوية العامة عبد الرحمن أبو نبهان إعجابه الكبير بالخدمات التي تقدمها هذه المساحات التعليمية، مبينا أهميتها في توفير بيئة هادئة مستقرة لتقديم امتحانات الثانوية العامة مجانا، ومساعدتهم على مواصلة دراستهم في أجواء مريحة وآمنة.
وبين في حديثه للجزيرة نت أن هذه المبادرات منحت الطلبة شعورا بالاهتمام والدعم النفسي، الأمر الذي ساعدهم على تجاوز ضغوطات الحرب والتفكير بمستقبلهم بعزيمة أكبر.
فيما أشادت الطالبة الجامعية أسيل محمد منصور بالخدمات التي تقدمها مثل هذه المساحات التعليمية للطلاب، مؤكدة أنها ساعدتهم على تعويض ما فاتهم من محاضرات، ومكنتهم من الدراسة وتقديم امتحاناتهم في أجواء مريحة وآمنة، بعيدا عن انقطاع الكهرباء وضعف الإنترنت في منازلهم.
وقالت للجزيرة نت إن هذه المبادرات أعادت الأمل للطلبة، ومنحتهم فرصة حقيقية للاستمرار في مسيرتهم الأكاديمية رغم كل الصعوبات.