آخر الأخبار

لن يسلم حزب الله سلاحه.. لأن المطلوب رأسه

شارك

تناقش الحكومة اللبنانية في الخامس من سبتمبر/ أيلول الجاري، خطة الجيش المتعلقة بحصر السلاح بيده وبالتالي سحبه من جميع الأطراف، وفي مقدمتها حزب الله، بعد أن كانت الحكومة أقرت المبدأ في اجتماع لها الشهر الفائت.

إملاء خارجي

بعد مواجهة قاسية على حزب الله بلغت ذروتها في سبتمبر/ أيلول من العام المنصرم باغتيال صفه القيادي الأول، وقّع لبنان و"إسرائيل" في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه اتفاقاً لوقف إطلاق النار بوساطة أميركية ودولية. ورغم الالتزام اللبناني الكامل بالاتفاق فإن "إسرائيل" ما زالت تنتهكه بإبقائها على وجودها العسكري في خمسة مرتفعات إستراتيجية في الجنوب، واستمرار قصفها ما تدعي أنها مستودعات سلاح، واستهداف شخصيات ميدانية.

في يونيو/ حزيران الفائت، قدم سفير الولايات المتحدة لدى تركيا ومبعوثها الخاص لسوريا ولبنان، توماس برّاك للحكومة اللبنانية ورقة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، تضمنت مطالب واضحة بسحب سلاح حزب الله.

اللافت أن "ورقة براك" حددت سقفا زمنيا، هو آخر العام، ثم ربطت موافقة الحكومة اللبنانية بملفات من قبيل الدعم الخارجي، وإعادة الإعمار، فضلا عن الانسحاب "الإسرائيلي" وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين.

كما حملت نبرة المبعوث الأميركي تهديدات مبطنة من قبيل ضرورة الإسراع بالتجاوب مع الورقة، وإلا فإن "التغييرات في المنطقة سريعة، وقد تتجاوز لبنان"، ملوّحا بخيارات ومسارات تنتهك السيادة اللبنانية.

بعد أخذ ورد في الاتجاهين، أقر مجلس الوزراء اللبناني فكرة سحب السلاح "تجاوبا مع أهداف الورقة الأميركية"، وكلف الجيش بوضع خطة تطبيقية لتنفيذ المهمة قبل نهاية العام.

كان حزب الله قد أبدى مرونة إزاء نقاش الورقة الأميركية، لكن قرار الحكومة دفعه لموقف أكثر حدّة، حيث انسحب وزراء "الثنائي الشيعي" من الجلسة الحكومية؛ رفضا للقرار وتشكيكا بشرعيته، ثم أصدر الحزب بيانا عدّ القرار "خطيئة كبرى" ورضوخا لـ "إملاءات المبعوث الأميركي"، مؤكدا أنه سيتصرف "وكأنه غير موجود".

إعلان

لاحقا عبّر الحزب عن موقف واضح وحاسم برفض نزع سلاحه، الذي هو بمثابة "نزع الروح"، ملوحا بفكرة مقاومة التنفيذ، ومحذرا من أي صدام بين الجيش والحزب قد يشعل "حربا أهلية"، وصولا لتأكيد أمينه العام نعيم قاسم على أنه سيخوض "معركة كربلائية" إن لزم الأمر ضد "الخطة الأميركية- الإسرائيلية لنزع سلاحه".

ولتعزيز موقف الحزب، أكد حليفه رئيس البرلمان وزعيم حركة أمل نبيه بري انفتاحه على نقاش "مصير سلاح المقاومة"، متجنبا مصطلح سحب السلاح، ومستخدما مسمى "المقاومة"، ومؤكدا أن النقاش يأتي فقط تحت سقف الدستور؛ أي بحوار داخلي.

في المقابل، وعد براك الرئيس اللبناني جوزيف عون بأن تقدم "إسرائيل" اقتراحا مقابلا للخطة اللبنانية المنتظرة، بيد أنه قدم في لقاء إعلامي ما يشبه التبرير والإقرار بتجاوز "إسرائيل" منطق وحدود سايكس -بيكو وتحركها وضربها "أينما تريد وبالشكل الذي تريد".

كما أن نائبته مورغان أورتاغوس مارست ضغطا إضافيا على الحكومة اللبنانية بالتأكيد على أن "المرحلة الآن للأفعال لا الأقوال"، وتحميل بيروت مسؤولية المبادرة على أن تشجع واشنطن "إسرائيل" على اتخاذ خطوات مشابهة لاحقا.

التبعات

إذن، فقد رفع حزب الله سقفه من التحفظ على الفكرة إلى الرفض العملي، بمعنى الاستعداد لمواجهة أي خطة تتضمن سحب سلاحه، لا سيما وفق المعطيات القائمة؛ أي استمرار الانتهاكات "الإسرائيلية" وعدم انسحابها من الجنوب.

ولئن لم يهدد نعيم قاسم بشكل مباشر بالحرب الأهلية، لكنه لوّح بورقتها حين حذر من إمكانية تدحرج الأحداث نحوها، حيث اتهم الحكومة بـ "تنفيذ الأمر الإسرائيلي – الأميركي بإنهاء المقاومة، ولو أدى ذلك لحرب أهلية وفتنة داخلية". ومما يعزز مخاوف الصدام الداخلي ما نقل عن قائد الجيش العماد رودولف هيكل عن تفضيله الاستقالة "إذا كان هناك من يريد أن تسفك دماء اللبنانيين على يد الجيش".

يدرك حزب الله أن موضوع السلاح ليس سوى خطوة أولية على طريق مطلوب في آخرها رأسُه ووجوده، كمقاومة وكقوة سياسية محلية وكحليف لإيران، وكذلك كقوة "شيعية"، قال قاسم إنها تواجه اليوم "خطرا وجوديا". ذلك أن منطلق سحب السلاح تقدير يبني على نتائج المواجهة العسكرية بين الحزب و"إسرائيل"، وأن اللحظة الحالية بالتالي فرصة قد لا تعوض "لاستغلال ضعف الحزب".

ومن مؤشرات ذلك لديه أن الحديث كان أولا عن وجوده العسكري جنوب نهر الليطاني، وهو ما تجاوب معه وسلم ما طلبه منه الجيش، لكن المطالبات الأميركية و"الإسرائيلية" انتقلت سريعا لكامل سلاحه وعتاده في كامل الأراضي اللبنانية.

يضاف لما سبق أن كلا من أميركا و"إسرائيل" تضعان صمت حزب الله عن الرد على الانتهاكات والاغتيالات "الإسرائيلية"، ثم عدم انخراطه في حرب الـ 12 يوما بين إيران و"إسرائيل" كمعطيات إضافية على ضعفه وتراجعه.

ويبدو أن ذلك ما شجع واشنطن على ممارسة الضغوط على لبنان الملتزم بالاتفاق وليس "إسرائيل" التي تنتهكه، كما شجع أطرافا لبنانية لاستغلال الضغوط الخارجية لدفعه نحو تسليم سلاحه ترغيبا وترهيبا.

يأتي هذا الجدل اللبناني الداخلي في ظل تصاعد احتمالات تجدد المواجهة العسكرية بين الحزب/لبنان و"إسرائيل"، حيث تهدد الأخيرة بالتدخل العسكري المباشر إذا لم تسحب الحكومة اللبنانية السلاح. كما أن احتمالات التصعيد في المنطقة بعمومها، وتحديدا ضد إيران واليمن، ارتفعت مؤخرا بشكل ملحوظ بعد اغتيال رئيس حكومة صنعاء وعدد من وزرائه، وتصريحات الاحتلال حول حفاظ طهران على اليورانيوم المخصب.

إعلان

داخليا، في المقابل، حصر رئيس الحكومة نواف سلام خيارات بلاده في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية بتقديم شكوى لمجلس الأمن، بينما تستبشر أطراف لبنانية بالضغط الأميركي- الإسرائيلي ولا ترى بأسا في التماهي معه، والاستفادة منه لتحقيق مصالح داخلية من قبيل كسر قوة الحزب، وإعادة التوازن واستعادة هيبة الدولة.

مصير مشترك

من المفيد التذكير بأن العداء مع المشروع الصهيوني ليس مجرد موقف أخلاقي أو أيديولوجي، مع أهمية ذلك وأولويته ووجاهته، لكنه إلى ذلك تفكير إستراتيجي يبني على الحقائق التاريخية والوقائع المستجدة.

فالمنطقة اليوم أمام إسرائيل جديدة لا تعترف بالحدود، ولا تنتظر وجود تهديد، بل تسعى لوأد إمكانية نشوئه بمنطق القوة الغاشمة، كما تبجح نتنياهو الذي أعاد الحديث عن مشروع "إسرائيل الكبرى" (الذي يشمل لبنان قبل غيره)، والذي يبدأ بإنشاء مناطق آمنة وعازلة داخل حدود الدول.

يضاف لذلك أن إسرائيل تواجه اليوم المنطقة برمتها بمنطق الإخضاع والسيطرة، وكذلك التقسيم وإسقاط الأنظمة، ما يستدعي منطقا شاملا لمواجهتها. فإن لم يكن ثمة مشروع اليوم لمواجهة جماعية، فلا أقل من إدراك الاشتراك في التهديد وأوراق القوة والضعف، بمعنى أن أي ورقة قوة لأي طرف في المنطقة هي قوة للجميع، وأي ثغرة تستغلها إسرائيل ستضعف الجميع.

لقد كان واضحا أن جرأة إسرائيل على حزب الله أتت بعد تقدم عمليتها البرية في قطاع غزة، وأنها لم تستهدف إيران إلا بعد إضعاف الحزب، وأن تشديد الضربات على الحوثيين في اليمن أتى بعد الحرب على إيران، وأن استباحة سوريا لم تكن لتتم لو وجدت من يلجمها.

وهكذا، فإن سلاح حزب الله الموجه ضد الاحتلال هو قوة للبنان أولا، ثم للمنطقة ثانيا من فلسطين لسوريا لإيران. أما الادعاء بأن سحب السلاح مصلحة داخلية للبنان أو سوريا – وسحب البساط من تحت أرجل إيران – فهو ادعاء دون رصيد منطقي وفي معظم الأحيان تذاكٍ غير ذي صلة.

فالمطلب أميركي وإسرائيلي في أصله وحتى في توقيته، وبالتأكيد أن "إسرائيل" لا تسعى لذلك حبا في اللبنانيين أو السوريين، فضلا عن أن "تهديد الحزب لسوريا" بات من الماضي، وتفرد الحزب في لبنان بات صفحة مطوية إلى حد بعيد.

في الخلاصة، لن يسلم حزب الله سلاحه لأنه يراه ضمانة لبقائه ووجوده، سياسيا وعسكريا، وأيضا وطنيا ومذهبيا، بينما يبدو منفتحا على مسارات حوار داخلية تحت شعار "الإستراتيجية الدفاعية".

لكن ضغوط المنافسين والخصوم واندفاعهم لاستغلال "الفرصة التاريخية" قد يترك "ظهره للجدار" وبدون خيارات كثيرة، ما سيعزز فكرة الانفجار تجاه الاحتلال بديلا للصراع الداخلي، لا سيما بعد الزيارة الداعمة لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، وهو أمر سيعزز شرعية سلاحه وليس العكس، فضلا عن أنه سيساهم مع عوامل أخرى في تحديد مصير المنطقة برمتها لعقود قادمة.

ختاما، تفرض استباحة الاحتلال للمنطقة على الجميع إجراء مراجعات وإعادة تقييم ورسم خطط. والحزب، بهذا المعنى مدعو لإجراء مراجعات حقيقية لبعض سياساته الإقليمية، وخصوصا الملف السوري، لكن ذلك لا يبرر استقواء خصومه بالضغوط الإسرائيلية والأميركية عليه والتماهي معها، فذلك غباء إستراتيجي بمقدار ما هو خطيئة أخلاقية وجريمة وطنية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا