آخر الأخبار

ترامب يحذر وإسرائيل تكابر.. حرب غزة بين دعم أميركي وقلق خفي

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

إسرائيل تستعد لبدء عملية احتلال مدينة غزة

تعيش الحرب الدائرة في غزة لحظة مفصلية تكشف حجم التباين في المواقف الأميركية والإسرائيلية.

ففي الوقت الذي يعلن فيه الجيش الإسرائيلي استدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط، ويستعد لاحتلال مدينة غزة عبر عمليات عسكرية واسعة النطاق، يخرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحات توصف بالمتناقضة: من جهة، يُنقل عنه أنه منح الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب في القطاع بقوة، ومن جهة أخرى يؤكد في مقابلة صحفية أن استمرار العمليات العسكرية يلطخ سمعة إسرائيل ويضعف مكانتها داخل الكونغرس وعلى الساحة الدولية.

هذا التناقض يطرح أسئلة عميقة: هل يعكس انقساماً داخل السياسة الأميركية تجاه الحرب؟ أم أنه مجرد توظيف سياسي إسرائيلي لخطاب واشنطن لخدمة أهداف داخلية؟

بين هذين الخطين، تبرز شهادات وتحليلات أكاديمية وسياسية تكشف عن قلق أميركي متزايد من مسار الحرب، مقابل إصرار إسرائيلي على الدعم الخارجي لتثبيت خيار الحسم العسكري.

نتنياهو والضوء الأخضر

حاول نتنياهو في الأيام الأخيرة أن يصوّر نفسه كمن تلقى دعماً مطلقاً من ترامب، عبر ما وصفه بضوء أخضر لمواصلة الحرب في غزة حتى نهايتها.

هذا الخطاب، بحسب مراقبين، لا ينفصل عن حاجة نتنياهو لتعزيز صورته أمام الداخل الإسرائيلي، حيث يواجه ضغوطاً شعبية وسياسية متزايدة، فضلاً عن المأزق العسكري في القطاع.

نتنياهو قال علناً إن ترامب دعاه إلى تجاهل “الصفقات الجزئية” والمضي نحو الحسم العسكري الكامل، وهو ما يتناقض مع تصريحات الرئيس الأميركي التي شددت على أن استمرار الحرب يضر بإسرائيل أكثر مما يفيدها.

هنا يظهر البُعد الدعائي لخطاب نتنياهو، الذي يسعى إلى تسييس العلاقة مع واشنطن وتطويعها لخدمة بقائه السياسي.

ترامب.. دعم مشروط ورسائل متناقضة

في مقابلة مع موقع ديلي كولر، أكد ترامب أن إسرائيل “ربما كسبت الحرب عسكرياً، لكنها لا تفوز في عالم العلاقات العامة”.

وأضاف أن استمرار العمليات يضعف صورة إسرائيل ويجعلها تخسر الدعم حتى داخل الكونغرس الأميركي، حيث بدأت أصوات بارزة تنتقد استمرار إرسال السلاح وتدعو إلى وقف الحرب.

هذا الموقف، وإن بدا متناقضاً مع ما نقله نتنياهو، يعكس واقعية سياسية لدى ترامب، الذي يرى أن الحروب الطويلة في غزة لا تمنح إسرائيل انتصاراً مستداماً، بل تستنزفها وتشوّه صورتها.

غير أن ترامب، بطبيعته، يبالغ أحياناً في تصريحاته ويظهر بمظهر غير المنضبط دبلوماسياً، ما يتيح لنتنياهو فرصة تأويلها واستثمارها داخلياً.

المؤسسة الأميركية.. تحذيرات مبكرة من الفخ الغزّاوي

أوضح الدكتور إحسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة موري ستايت، خلال حديثه إلى “التاسعة” على سكاي نيوز عربية أن المؤسسات الأميركية – وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وأجهزة الدولة العميقة – كانت منذ البداية متوجسة من خيار اجتياح غزة.

الخطيب قال إن التقييم الأميركي كان واضحاً: دخول غزة سيحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة، ويوقعها في فخ نصبه قائد حركة حماس يحيى السنوار، حيث ستُتهم بقتل مدنيين، وتتورط في استنزاف طويل الأمد. لذلك نصح الأميركيون إسرائيل بالاقتصار على عمليات خاصة محدودة، لكن حكومة نتنياهو تجاهلت تلك النصائح، ماضية في خيارها العسكري الشامل.

أشار الخطيب أيضاً إلى أن الرئيس السابق جو بايدن نفسه توجه إلى إسرائيل في محاولة لإقناعها بعدم الانجرار إلى حرب شاملة، أو على الأقل عدم ارتكاب إبادة واسعة النطاق. لكنه اصطدم بحكومة وُصفت بأنها “الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل”، والتي لم تكترث للتحذيرات الأميركية.

هذا يوضح التباين داخل واشنطن: المؤسسة ترى أن الحرب خطأ استراتيجياً، لكن النظام السياسي الأميركي يبقى ملزماً بدعم إسرائيل، بحكم التحالف التاريخي واللوبيات المؤثرة، وفي مقدمتها اللوبي اليهودي.

تحولات داخلية في أميركا

لفت الخطيب خلال مداخلته إلى وجود تحول لافت في المزاج السياسي الأميركي تجاه إسرائيل، ليس فقط في أوساط الديمقراطيين، بل أيضاً داخل الحزب الجمهوري.

أشار إلى أصوات بارزة مثل الإعلامي تاكر كارلسون، الذي انتقد اللوبي الإسرائيلي، وإلى تيارات شبابية جمهورية غير راضية عن إنفاق الأموال على الحروب.

هذه التحولات تعكس بداية تراجع في "الشيك على بياض" الذي اعتادت إسرائيل الحصول عليه من واشنطن. ورغم أن الدعم الأميركي لم يتوقف، إلا أن بروز أصوات في الكونغرس تطالب بوقف إرسال السلاح يمثل تحولاً نوعياً لم تشهده الساحة الأميركية منذ عقود.

نتنياهو بين الأزمة الداخلية والغطاء الخارجي

في ظل الانقسام العميق داخل إسرائيل، الذي سبق هجوم 7 أكتوبر وشمل قضايا مثل طبيعة الدولة والمحكمة العليا والدين، وجد نتنياهو في الحرب فرصة لتغيير النقاش الداخلي، وتحويل الأزمة السياسية إلى معركة وجودية.

لكن هذا الخيار يجعله في مواجهة ضغوط متزايدة: كلفة بشرية كبيرة، مسؤوليات قانونية كقوة احتلال تجاه أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، واحتمال الانجرار إلى حرب عصابات طويلة الأمد. لذلك يسعى نتنياهو إلى استخدام خطاب الدعم الأميركي كغطاء لاستمرار المعركة، رغم أن الواقع على الأرض يختلف عما يروّجه.

ترامب بين الدعم والحرص على صورته

ورغم الانتقادات التي وجهها ترامب لنتنياهو، إلا أنه يحرص على عدم الظهور بمظهر من يمنع إسرائيل من الانتصار. فهو يخشى أن يُتهم بأنه أنقذ حماس أو أوقف الجيش الإسرائيلي قبل تحقيق أهدافه. لذلك يتخذ خطاباً مزدوجاً: يعترف بضرر الحرب على إسرائيل، لكنه لا يمارس ضغطاً مباشراً قد يُحسب عليه سياسياً.

أوضح الخطيب في حديثه أن ترامب لا يريد أن يُسجَّل في الصحف أن “نتنياهو كان على وشك الانتصار لكن ترامب منعه”. هذا الحساب السياسي الضيق يفسر كثيراً من التناقضات في خطابه.

تآكل المكانة الأميركية

الحرب في غزة لم تضر بصورة إسرائيل فقط، بل انعكست أيضاً على مكانة الولايات المتحدة، الخطيب أكد أن سمعة أميركا تأثرت في العالمين العربي والإسلامي، بل وحتى داخل المجتمع الأميركي.

ومع ذلك، تبقى واشنطن القوة الكبرى التي لا يمكن تجاوزها، فهي ما زالت تملك الاقتصاد الأكبر والنفوذ الأوسع.

لكن ما تغيّر هو أن أصواتاً داخلية أميركية باتت تتحدث علناً عن تأثير اللوبي اليهودي على السياسة الأميركية، بل إن بعض الأصوات اليهودية الليبرالية نفسها صارت تدعو إلى “إنقاذ إسرائيل من نفسها”، معتبرة أن سياسات نتنياهو تقودها إلى تدمير ذاتي.

حرب طويلة الأمد؟

حذر مسؤولون في إدارة بايدن منذ البداية من أن حكومة نتنياهو لا تسعى إلى سلام، بل إلى حرب لسنوات. وهو ما ينسجم مع تقديرات "الدولة العميقة" التي رأت أن غزة لن تكون نزهة، بل ستتحول إلى حرب استنزاف طويلة، بما تحمله من تبعات قانونية وإنسانية.

هذه التقديرات، وإن لم تمنع إسرائيل من المضي في خططها، تكشف عن إدراك أميركي مسبق لمآلات الحرب، وهو ما يجعل تصريحات ترامب الأخيرة أقرب إلى تعبير عن هذه الرؤية، وإن جاءت بأسلوبه الخاص والمباشر.

بين نتنياهو الذي يسعى لتوظيف خطاب الدعم الأميركي كغطاء لخياراته العسكرية، وترامب الذي يبعث برسائل متناقضة بين المجاملة والنقد، يقف الموقف الأميركي من حرب غزة عند مفترق حساس. فالمؤسسة ترى أن الحرب كارثة استراتيجية لإسرائيل، لكن السياسة الانتخابية واللوبيات تفرض استمرار الدعم.

النتيجة أن خطاب واشنطن يبدو مزدوجاً: دعم لإسرائيل من حيث المبدأ، وتحذير من الاستنزاف من حيث المضمون. أما نتنياهو، فيستغل كل كلمة ليظهر وكأنه يملك الغطاء الأميركي الكامل، بينما الواقع يكشف عن قلق أميركي متزايد، وتحول داخلي تدريجي قد يعيد رسم حدود الدعم الأميركي في المستقبل.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا