في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
رغم مرور ما يقارب عامين على حرب غزة، وما خلفته من أزمات داخلية في إسرائيل وضغوط دولية، لم تنجح المعارضة حتى الآن في بناء بديل سياسي قادر على إسقاط حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
آخر محاولات التنسيق جاءت من رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان ، الذي دعا زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد إلى لقاء عاجل لرؤساء أحزاب المعارضة الصهيونية مع رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت ، ورئيس هيئة الأركان الأسبق غادي آيزنكوت ، لصياغة تصور لحكومة بديلة.
وطلب ليبرمان استبعاد كل من زعيم معسكر الدولة بيني غانتس وزعيم حزب الديمقراطيين يائير غولان والأحزاب العربية.
لكن هذه المبادرة تكشف بوضوح مأزق المعارضة، الذي تمثل بالتشرذم الأيديولوجي، الانقسامات الشخصية، وإقصاء مكونات أساسية كالأحزاب العربية.
وقد أفرزت انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2022 ائتلاف نتنياهو المكون من 68 مقعدا في الكنيست، ويضم:
في المقابل، تمثلت المعارضة الإسرائيلية بـ52 مقعدا في الكنيست، وتضم كلا من:
لم تنجح مكونات المعارضة منذ ما يقارب عامين رغم الحروب والأزمات الداخلية الحرجة في الوصول لبديل يمثل خطرا على ائتلاف نتنياهو المستقر.
وزادت قوة نتنياهو حين انضم غانتس إلى حكومة الحرب بعد عملية طوفان الأقصى ، ثم تراجعت حكومته لاحقا إلى حكومة أقلية بعد خروج شاس و يهوديت هتوارة ، ومع ذلك فشلت أحزاب المعارضة في إسقاطها.
ورغم حالة الضعف في ائتلاف نتنياهو فقد ألقى بيني غانتس في يوم السبت 23 أغسطس/آب الماضي طوق نجاة جديدا لنتنياهو تحت اسم "حكومة فداء الرهائن"، وقال بحسب يديعوت أحرونوت "لا أريد إنقاذ نتنياهو، بل إنقاذ الرهائن".
وكان ردّ زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان لاذعا -بحسب موقع والا- ووصفه بأنه "شخص منهك، خائف، مرعوب، يتوسل لإنقاذ حياته، ويتنقل بين أكثر القضايا حساسية، والليكود لا يعير له اهتماما، وهو مثير للشفقة".
ويكشف الواقع الحالي حالة التشظي والانقسام في صفوف المعارضة التي لم تتوقف عن الاستقطاب الشديد بين مكوناتها، وظهر التوتر بين لبيد ويائير غولان بوضوح حين اعتبر معسكر لبيد أن تحركات غولان "تفيد نتنياهو أكثر مما تضعفه".
وجاء ذلك، بعد أن دعا غولان لاندماج لاحق بينه وبين لبيد وأحزاب المعارضة في المعركة الانتخابية المقبلة، بحسب ما نشرته قناة كان.
في المقابل يعيش غانتس واقعا سوداويا داخليا، حيث وصفه الكاتب يوفال كارني في مقال تحليلي في يديعوت أحرونوت "بأنه يتخبط في الضباب".
يزداد يائير غولان زعيم الديمقراطيين في الوقت نفسه بروزا في فضاء المعارضة، مما يضع غانتس في موقف هش ومعزول، دون قدرة على فرض قيادة موحدة أو إستراتيجية سياسية واضحة، للوسط أو اليسار، حيث كشف آخر استطلاع للرأي نشرته معاريف الجمعة 29 أغسطس/آب بأنه لن يتجاوز نسبة الحسم.
وتساءلت الكاتبة في صحيفة هآرتس رافيت هيخت "بأن هناك أمرا غريبا ومقلقا في الكراهية المحمومة بين اليسار وبيني غانتس، الذي يبدو أنه مكروه حقا، من جانبه، يُعادي غانتس حركات الاحتجاج ويحمّلها مسؤولية فشله في إسقاط نتنياهو، وهكذا، بدلا من التجمع والتركيز على إسقاط حكومة الفظائع، يتبادل أتباع غانتس والمتظاهرون الاتهامات، في إطار هوايتهم المفضلة المتمثلة في العبث بالألغام حتى تفجيرها".
وفي سياق تنافسي ركزت دعوة ليبرمان الأخيرة على "الأحزاب الصهيونية فقط"، بحسب موقع والا، مما يعني إقصاء الأحزاب العربية بشكل مبدئي، وتجاهلا مقصودا لزعيمي الوسط المعارض غانتس وغولان.
واعتبر المختص في الشأن الإسرائيلي نائل عبد الهادي في حديثه لـ"الجزيرة نت" أن مقترح غانتس ثم دعوة ليبرمان، يمثلان تعميقا للشرخ داخل المعارضة؛ إذ لا يعكسان رغبة في تشكيل بديل شامل يعبر عن التنوع ويعالج الأزمات، بل استسلاما لمنطق نخبوي ضيق، يغادر المداخل الجماعية ويبحث عن تحالفات احتكارية، تعزز الانقسامات بدلا من تجاوزها.
يتجلى مأزق الهوية السياسية للمعارضة في إسرائيل في غياب رؤية سياسية واضحة، وبات النقاش محصورا في مهاجمة نتنياهو بسبب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول وقضايا الفساد.
وفي ظل هذا الفراغ، يبدو أن الأحزاب المتطرفة الدينية منها والقومية قد استغلت هذه الظروف للانسجام مع نتنياهو بشكل كامل في حروبه في المنطقة وتوجهاته اليمينية المتطرفة التي باتت العنوان للمجتمع الإسرائيلي.
من جهته، اعتبر المختص في الشأن الإسرائيلي نهرو جمهور في حديثه لـ"الجزيرة نت" أن أزمة الهوية السياسية هي مأزق الديمقراطية للإسرائيليين، وتتميز بالإقصاء البنيوي، فالديمقراطية في إسرائيل هي ديمقراطية إثنية، والمشاركة العربية هي شكلية ضمن أدوار معينة محددة، لأجل توظيفهم في تعزيز صورة ما يزعم أنه واحة الديمقراطية.
ويتابع أن الثقافة السياسية المسيطرة على إسرائيل، هي ثقافة اليمين ضمن الرؤية التي رسمها نتنياهو ضمن عمله السياسي منذ 3 عقود سواء كان في الحكم أو على كرسي المعارضة.
وأضاف أن إسرائيل منذ عام 1948 حتى عام 1967 كانت تُحكم بحزب واحد حزب "مباي" الذي قاده بن غوريون ، وبعدها دخلت فئات اجتماعية وسكانية جديدة على إسرائيل وشُكلت أحزاب تمثل الفئات ومصالح التجمعات السكانية وليس مصلحة إسرائيل بمفهوم الدولة؛ بهذا المعنى أصبح هناك تنافس بين هذه الأحزاب، يصل حد الاقتتال أحيانا.
وبالتالي وبحسب قول مؤلف علم الاجتماع الإسرائيلي باروخ كيمرلينج، فإن إسرائيل ولِتتجاوز كل هذه التناقضات عليها دائما أن تخلق تناقضا دائما وصراعا مع الثقافة السياسية الفلسطينية، وعين هذا التناقض هو المواجهة مع الفلسطيني أينما وجد، وهذا لا يرتبط بحزب معين ولا ببقعة جغرافية معينة بل مع الفكرة ضد كل الوجود الفلسطيني.
منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اتفقت المعارضة الإسرائيلية إلى حد بعيد مع ائتلاف نتنياهو على أهداف الحرب العامة ولم تختلف معه في الإبادة الجماعة وقتل المدنيين بالجملة، وكانت الاختلافات على إدارة هذه الملفات وأساليبها فقط.
أمام مشهد الضعف والتشظي والتنافس بين أقطاب المعارضة الإسرائيلية الحالية والتنافس بينها على الزعامة وما ينعكس على تباين الخطاب الداخلي باتت قوة بنيامين نتنياهو السياسية تُستمد بشكل أساسي من هشاشة خصومه، وليس من إنجازات ملموسة كانت عسكرية أو دبلوماسية، بحسب وصف رئيس تحرير صحيفة هآرتس، ألوف بين، في مقال نشرته الغارديان البريطانية في 20 مايو/أيار.
فقد استغل بنيامين نتنياهو أثمن ما يملك في سعيه الناجح ليصبح رئيس وزراء إسرائيل الأطول خدمة وهي "المعارضة غير الفعالة، وظل يؤجج خصومه، مُحافظا على بقائه، بينما تُركوا عاجزين وغير مؤثرين، ورغم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أدى إلى أطول حرب وأكثرها دموية وتدميرا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فشلت المعارضة في تشكيل تهديد سياسي لنتنياهو".
وأضاف أن المعارضة تعاني من تناقض جوهري، فبينما توحدت قاعدة نتنياهو حول أيديولوجية مشتركة تُعلي من شأن حقوق اليهود وإقامة دولة إسرائيل الكبرى، ينقسم الجانب الآخر بين طموحات مختلفة، بل ومتنافسة.