آخر الأخبار

عودة قوية للحكومة السودانية وصفعة قاسية للدعم السريع

شارك

بعد 28 شهرا من مغادرة الحكومة السودانية العاصمة الخرطوم اضطرارا بسبب الحرب، إلى مدينة بورتسودان الواقعة على ساحل البحر الأحمر لمباشرة أعمالها منها، عقدت الحكومة السودانية أول اجتماع لها في العاصمة الخرطوم الثلاثاء الماضي 26 أغسطس/آب.

وهو كذلك أول اجتماع لحكومة مدنية بصلاحيات كاملة منذ استقالة عبدالله حمدوك رئيس وزراء الفترة الانتقالية في يناير/كانون الثاني 2022، والذي دخل لاحقا في حلف مع قائد مليشيا الدعم السريع؛ بهدف الإطاحة بالحكومة بقوة السلاح، والعودة مرة أخرى إلى السلطة.

وهي المحاولة التي انطلقت شرارتها 15 أبريل/نيسان 2023، والتي أشعلت الحرب التي ما تزال جذوتها متقدة حتى الآن، حيث فشل الحلف في تحقيق هدفه بالاستيلاء على الحكم.

ويأتي انعقاد اجتماع الثلاثاء باعتباره حدثا غير عادي، وذا مغزى مهم، فضلا عن أنه يأتي كذلك حاملا عدة دلالات ورسائل مباشرة، بعضها إلى الداخل وأكثرها إلى الخارج.

المغزى

هو مغزى جيوستراتيجي حيث تقع العاصمة الخرطوم في موضع القلب من السودان عند ملتقى النيلين: الأبيض، والأزرق وموقعها يمثل ملتقى طرق معبدة في أرض منبسطة تربطها بكل أنحاء البلاد شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا.

وهي بهذه الجغرافيا المميزة تمثل نقطة ارتكاز شديدة الأهمية للسيطرة سياسيا وعسكريا واقتصاديا على بقية أجزاء البلاد، ومن يسيطر عليها يسهل عليه فرض سيطرته على السودان كله.

وقد اختارها المستعمر البريطاني لتكون عاصمة للسودان بناء على هذه الميزة الجغرافية، وهذه الحقيقة هي ما دفعت مليشيا الدعم السريع إلى التركيز على السيطرة عليها، وظهر ذلك في تجميع قوتها الصلبة وعتادها العسكري النوعي فيها.

وهي بالإضافة لأهميتها الجغرافية مركز ثقل سكاني، حيث يقطنها حوالي 8 ملايين نسمة، يمثلون طيفا يتشكل من كل أنحاء السودان، حيث الثقل الاقتصادي، والتجاري، والثقافي، والعلمي، وحيث جودة الخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها من الخدمات الأخرى.

إعلان

وهي مهوى منتجات الولايات من السلع الزراعية والحيوانية، سواء للاستهلاك أو للتصنيع وفيها يقبع أكبر المطارات الدولية بالبلاد كلها.

هذه الأهمية ذات الأبعاد المتعددة للعاصمة الخرطوم هي التي دفعت حكومة (الأمل) برئاسة كامل إدريس إلى المسارعة إلى عقد أول اجتماع لها بعد ثلاثة أشهر فقط من تحريرها من قبضة مليشيا الدعم السريع التي أعملت فيها دمارا شاملا وممنهجا طال كل شيء.

وتنطوي هذه الخطوة من جانب الحكومة السودانية على مغزى مهم، خلاصته أنها قد أحكمت قبضتها على أهم المفاصل التي تتيح لها فرض السيطرة على البلاد بأسرها وممارسة صلاحياتها السيادية كاملة غير منقوصة، وأنه لا سبيل لمليشيا الدعم السريع لتهديد العاصمة، ناهيك عن استعادتها التي باتت من رابع المستحيلات، وأن الطريق إلى فك الحصار عن الفاشر وطرد المليشيا من مدن نيالا والجنينة وبقية مناطق دارفور أصبح وشيكا.

ويبدو أن هذه الحقيقة هي التي دفعت قيادة الدعم السريع إلى الإعلان عن تشكيل ما أسمته بالحكومة الموازية بعد شهرين فقط من فقدانها للعاصمة الخرطوم، وهي سلطة افتراضية لا مكان لها في الواقع، ولم تجد أي اعتراف بها لا على الصعيد الإقليمي، ولا على المستوى الدولي، حتى القوى الإقليمية الداعمة للمليشيا لم تشأ أن تعلن اعترافها بها، وهي إحدى مفارقات التعاطي الإقليمي مع الحرب في السودان!

الدلالات والرسائل

وهي دلالات ورسائل سياسية في المقام الأول، ورمزية في المقام الثاني، كما أنها ذات بعدين داخلي وخارجي، والبعد الرمزي يتمثل في استعادة رمز سيادة الدولة، حيث القصر الجمهوري، والقيادة العامة للجيش، ومؤسسات الحكم الوطنية وسلطاتها الثلاث، ورئاسات الأجهزة الأمنية والشرطية والعدلية.

أما الدلالات والرسائل المرسلة للداخل، فمفادها التأكيد على انتصار الجيش والقوات المساندة له على مليشيا الدعم السريع، وقرب انتهاء الحرب ونهاية حالة الطوارئ، وبداية تطبيع الحياة العامة وعودة الأمن والاستقرار للعاصمة.

ومن ثم تحفيز المواطنين الذين هجروها سواء كانوا نازحين بالداخل أو لاجئين بالخارج؛ بسبب المعارك وانتهاكات الدعم السريع، للعودة إلى بيوتهم واستئناف حياتهم مرة أخرى، والمشاركة في عمليات إعادة الإعمار وتجاوز تداعيات وآثار الحرب باعتبارها عبئا ومسؤولية وطنية ينبغي القيام بها على وجه السرعة.

وتقول إحصائيات برامج العودة الطوعية التي تنظمها الحكومة، وتشارك فيها منظمات تطوعية محلية إن حوالي مليوني نازح ولاجئ قد عادوا إلى العاصمة الخرطوم والولايات التي كانت تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع، وهو مؤشر للاستجابة الجيدة من قبل المواطنين وشعورهم بالاطمئنان، ورغبتهم في المشاركة في إعادة الإعمار.

وأما الرسائل التي أرادت حكومة الأمل بعقدها لهذا الاجتماع إرسالها إلى الخارج، فهي عديدة، لكن أهمها هي طمأنة الخارج بأن الأوضاع قد عادت إلى طبيعتها في العاصمة، وأنه يمكن للبعثات الدبلوماسية والمنظمات الأجنبية العودة إلى مقراتها واستئناف أعمالها بسلام، وأن السودان قد وضع قدميه على أول الطريق نحو التعافي من آثار الحرب.

إعلان

كذلك هي رسالة واضحة المعنى بأن تأييد فكرة الحكومة الموازية التي شكلتها مليشيا الدعم السريع لن تجدي فتيلا، ولا أثر لها على أرض الواقع، وأيضا رسالة إلى الأمم المتحدة تسبق مخاطبة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان، الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين في سبتمبر/أيلول المقبل، بأنه هو الممثل الشرعي للسودان.

وبالتالي التأكيد على قدرة الحكومة وأهليتها للقيام بمهامها المرجوة منها في اليوم التالي للحرب، وتأكيد مشروعية أعمالها ورؤيتها في كيفية إنهاء الحرب، واستعدادها لتحمل مسؤولياتها في إعادة الإعمار وقيادة الدولة السودانية في فترة الانتقال، وإخراجها من لجة الفوضى التي أحدثها تمرد الدعم السريع إلى بر الأمان، ووضع أساس متين لبناء نظام سياسي مدني ديمقراطي يتم تداول السلطة فيه سلميا، ويزدهر في كنفه نظام اقتصادي قوي يستغل الموارد الطبيعية الهائلة للدولة السودانية التي ما تزال مصنفة عالميا بأنها سلة غذاء العالم.

وهذا مضمون ما جاء في برنامج رئيس الوزراء كامل إدريس الذي أفصح عنه عقب أدائه القسَم نهاية مايو/أيار الماضي.

ومن خلال الانخراط الجدي الراهن للحكومة في عمليات تهيئة البيئة وإعادة تأهيل ما أفسدته مليشيا الدعم السريع، يتضح أنها تعتبر ذلك من قبيل التحدي الذي يجب التغلب عليه لاستكمال النصر العسكري في محاور القتال، وغسل يديها للتفرّغ لتحديات وأعباء وأثقال الحكم المقبلة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا