آخر الأخبار

جدل في الكويت بعد إغلاق صحيفة وقناة "الصباح" بعد إسقاط جنسية مالكها

شارك
مصدر الصورة

أثار قرار وزارة الإعلام الكويتية بإلغاء ترخيص صحيفة "الصباح" وقناة "الصباح" الفضائية جدلاً في الأوساط الإعلامية والقانونية في الكويت. القرار جاء بعد أيام من صدور مرسوم أميري يقضي بسحب الجنسية الكويتية من الدكتور بركات هديبان الرشيدي، رئيس تحرير الصحيفة ومالك القناة، الأمر الذي دفع كثيرين إلى الربط المباشر بين الحدثين.

الإطار القانوني: شرط الجنسية كعنصر أساسي للترخيص

يقول د. محمد الفيلي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت، إن شرط الجنسية الكويتية هو من العناصر الجوهرية للحصول على ترخيص لإصدار صحيفة أو إطلاق قناة فضائية، وذلك بموجب قانون المطبوعات والنشر وقانون الإعلام المرئي والمسموع. وبالتالي، فإن زوال الجنسية عن المالك يعني تلقائياً زوال أحد شروط الترخيص، مما يجعل الترخيص ذاته معدوم الأساس القانوني.

وفي حديث لبي بي سي عربي، أكد د. الفيلي أن القرار هو قرار إداري، والأصل في القرارات الإدارية أنها "غير مسَبَّبة" (أي مذكورة الأسباب لتبرير اتخاذها). وأشار إلى أن قرارات إلغاء التراخيص قابلة للاستئناف أمام القضاء، غير أن وضع "الصباح" يختلف لزوال أحد شروط الترخيص، مما يقلل كثيراً من احتمالات نجاح الطعن، وفق تقديره.

مصدر الصورة

موقف وزارة الإعلام: الغياب عن التفسير العلني

قرار سحب الترخيص من الوسيلتين الإعلاميتين اللتين يملكهما د. بركات هديبان الرشيدي صدر عن وزارة الإعلام الكويتية، ولكن من دون ذكر أي معلومات توضح أسباب الإلغاء، ما فتح الباب أمام التأويلات.

المحامية الكويتية نيفين معرفي أوضحت في مقابلة مع بي بي سي عربي أن الوزارة، في الحالات الاعتيادية، تلجأ إلى القضاء لإلغاء تراخيص المؤسسات الإعلامية عند وجود مخالفات سياسية أو مهنية. لكن في هذه القضية، فإن سحب الجنسية من المالك يُرجّح أن يكون السبب المباشر لإلغاء الترخيصين.

مصدر الصورة

مصير المؤسسة والعاملين

يوضح د. الفيلي أن الترخيص الإعلامي لا يُباع، وإنما يستوجب على أي طرف جديد تقديم طلب للحصول على ترخيص مستقل، سواء استخدم اسم "الصباح" أو اسماً تجارياً آخر. أما المؤسسة التجارية المالكة للصحيفة والقناة، فإذا كانت تابعة قانونياً للشخص الذي فقد جنسيته، فإنها تخضع لإجراءات التصفية وما يتبعها من تسديد ديون والتزامات تجاه العاملين.

في السياق نفسه، توضح المحامية الكويتية نيفين معرفي أن حقوق العاملين في الصحيفة والقناة الفضائية تقع على عاتق الشركة المالكة للوسيلتين الإعلاميتين. ويمكن للعاملين، بحسب رأيها القانوني، أن يرفعوا دعاوى قضائية للمطالبة بمستحقاتهم، كما حدث في قنوات وصحف أخرى أوقفت سابقاً في الكويت.

إمكانات التظلّم

تؤكد معرفي أن المالك يستطيع تقديم تظلّم أمام وزارة الداخلية بخصوص قرار سحب الجنسية لكن البت النهائي يعود إلى القضاء واللجان المختصة، وتضيف أن بإمكانه أيضاً الطعن في قرار سحب الترخيص لأنه لم يُنذر أو يُخطر مسبقا.

لكن د. الفيلي يعتبر أن العلاقة المباشرة بين الجنسية والترخيص تجعل إعادة الوضع السابق أمراً معقّداً، ذلك أن الإطار القانوني لقانون المطبوعات والنشر، وقانون الإعلام المرئي والمسموع، وكذلك قانون الإعلام الإلكتروني في الكويت، ينصّ على أن من بين الشروط الأساسية للحصول على ترخيص امتلاك وسيلة إعلامية: أن يكون طالب الترخيص كويتي الجنسية. لذلك، فإن زوال الجنسية الكويتية يُسقط أحد أركان الترخيص، وبالتالي يصبح وجود المؤسسة الإعلامية غير قانوني، ما يجعل قرار الإلغاء منطقيا من الناحية التشريعية، حسب رأيه.

سحب ترخيص "الصباح" ليس سابقة في الكويت

ما جرى مع صحيفة الصباح وقناة الصباح الفضائية ليس الأول من نوعه في الكويت، إذ سبق وحصل ذلك عام 2014، حين ألغت وزارة الإعلام ترخيص صحيفة "عالم اليوم" وقناة "اليوم" الفضائية، بسبب فقدانهما أحد الشروط الواجب توافرها بالترخيص بعد سحب الجنسية الكويتية من أحد الملّاك.

في السنوات الماضية حصلت أيضاً حالات سحب تراخيص لمؤسسات إعلامية، ولكن لأسباب مختلفة. ففي حزيران/ يونيو عام 2020، سُحب ترخيص 90 صحيفة إلكترونية على خلفية ارتكاب مخالفات تتعلق بالقوانين الإعلامية.

وفي عام 2015، ألغت وزارة الإعلام الكويتية، ترخيص جريدة "الوطن" وعدد من المطبوعات التابعة لها، بعد صدور قرار لوزارة التجارة بحل الشركات المالكة لتلك الوسائل الإعلامية، بسبب لوائح رأس المال إثر تعرضها لخسائر.

أصوات تحذّر من موجة سحب الجنسية

تحدثت بي بي سي عربي إلى أكاديمي وناشط كويتي فضّل عدم الإفصاح عن هويته، واعتبر أن قضية صحيفة "الصباح" ليست سوى جزء صغير من المشكلة الأكبر، وهي تبعات سحب الجنسية، التي وصفها بأنها بمثابة " إعدام مدني" يفقد فيه المواطن جميع حقوقه، من العلاج والراتب وحتى السفر. ويضيف أن بذلك يصبح حال المقيم في الكويت أفضل بأشواط من الذي سُحبت منه جنسيته، بحسب تعبيره.

وأشار إلى أن هذه السياسة توسّعت بشكل كبير منذ حلّ مجلس الأمّة وتعليق الدستور في مايو/ أيار عام 2024.

واعتبر الناشط والأكاديمي الكويتي أن أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح "تبنّى" مشروعاً أساسياً يتمثّل في ما يُسمّى "تنقية الهوية الوطنية من الشوائب"، رغم أن عدداً كبيراً ممّن حصلوا على الجنسية سابقاً نالوها بقرارات من الأسرة الحاكمة.

مصدر الصورة

وأوضح الناشط والأكاديمي الكويتي أن مسألة سحب الجنسية الكويتية لا ترتبط بالأصوات المعارضة، ذلك أنها طالت حتى موالين للأسرة الحاكمة، مشيرا إلى أن سحب الجنسية بدأ بشكل محدود بعد ما سمي بالـ"الربيع العربي"، إذ سُحبت الجنسية الكويتية حينها من بعض السياسيين مثل صاحب صحيفة "العالم اليوم" وبعض أعضاء مجلس الأمة. وأشار إلى أن سحب الجنسية حينها اقتصر على أعداد قليلة، وأن المحكمة أعادت للبعض الجنسية الكويتية. لكن الأمر أخذ منحى تصاعديا وغير مسبوق بعد حل مجلس الأمّة وتعليق الدستور، وفق قوله.

مصدر الصورة

وصف الناشط والأكاديمي الكويتي ما يحدث في الكويت من سحب الجنسية بأنه "سلاح دمار شامل"، مشيراً إلى أن عشرات الآلاف فقدوا جنسياتهم، بينهم آلاف زوجات كويتيات، كما شملت الحالات المتوفين، ما أدى إلى سحب الجنسية عن أفراد عائلاتهم بشكل تبعي.

وحذّر الناشط والأكاديمي الكويتي من خطورة ما يُحكى في الأوساط الكويتية حاليا عن التوجّه نحو فرض البصمة الوراثية على جميع الكويتيين، واصفا ذلك بـ "الكارثة الأخلاقية والمجتمعية". وختم بالتحذير من أن استمرار هذا الوضع قد يقود إلى انفجار اجتماعي.

في المحصّلة، تكشف قضية "الصباح" والتي كانت تُعتبر وسيلة إعلامية "موالية"، عن الطبيعة الحسّاسة للملكية الإعلامية في الكويت، حيث تمثّل الجنسية شرطاً تأسيسياً لبقاء الترخيص.

سحبها يعني، تلقائياً، إلغاء الترخيص من دون الحاجة لذكر أسباب إضافية. وبينما يبقى العاملون في انتظار تسويات مالية وحقوقية، يغيب عن المشهد الإعلامي في الكويت صحيفة وقناة بارزتان، في انتظار ما إذا كان مستثمر "كويتي " جديد سيعيد إحياء "الصباح" في إطار قانوني جديد، أو حتى تحت اسم تجاري جديد.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا