آخر الأخبار

بين ضغط نتنياهو وحذر زامير.. احتلال غزة "مقامرة" مكتملة الأركان

شارك

يبدو المشهد العسكري الإسرائيلي شديد الغرابة هذه الأيام، إذ إن العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري فائقة الارتباك، وخصوصا عشية تصعيد حملة "عربات جدعون 2" التي أقرت لاحتلال مدينة غزة. فالجيش الإسرائيلي أعلن رسميا بدء الحملة الجديدة بممارسة ضغط عسكري واسع على أحياء الصبرة والزيتون ومدينة جباليا، حتى قبل عرض الخطة على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- للمصادقة عليها. ويكثر مسؤولون عسكريون حاليون وسابقون من إبداء التخوفات من احتمال فشل الحملة الجديدة بسبب تكرارها لمبادئ العمل التي انطلقت منها الحملات السابقة.

وفي ضوء الاستعدادات لاحتلال مدينة غزة، أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد إيفي ديفرين بيانًا قال فيه "لن ننتظر. لقد بدأنا العمليات التمهيدية والمراحل الأولى من الهجوم على مدينة غزة، وقوات الجيش الإسرائيلي تسيطر بالفعل على مشارف المدينة. قوات الفرقة 99 تعمل على الأرض في حي الزيتون، وقد تحققت بالفعل إنجازات في هذا القتال".

ومعروف أن حملة "عربات جدعون 2″ ستتم على مرحلتين، الأولى إجلاء جميع سكان غزة، والثانية احتلالها و"تطهيرها" فوق الأرض وتحتها وجعلها مثل رفح وبيت حانون. وكل هذا قبل أن تعرض الخطة على الكابينت، وضمن اعتقاد بأن المصادقة تغدو شكلية، إذا ما كان هناك رفض جدي لمقترح الوساطة الأخير الذي قبلت به حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) بشأن الصفقة الجزئية.

وبحسب "معاريف" يعمل الجيش الإسرائيلي حاليًا على تطويق مدينة غزة، حيث بدأت الفرقة 162 بالتطويق من الشمال، كما تعمل الفرقة 99 على تطويق المدينة في منطقة حي الزيتون. ومطلوب من الجيش الإسرائيلي التصرف بطريقة تُلحق أفدح الضرر بأصول حماس: القيادة والسيطرة، والبنية التحتية القتالية، والأنفاق، والأهم من ذلك عزل المقاومين وإجبارهم على الانشغال بالدفاع. ولتحقيق هذه الغاية يجب أن يكون الجيش الإسرائيلي ديناميكيا في الفضاء، لا ثابتًا، بل متحركًا.

6 فرق

سينشر جيش الدفاع الإسرائيلي ست فرق في غزة، حيث ستنفذ مناورة في مدينة غزة، بالإضافة إلى عمليات في بقية أنحاء القطاع. ووفقًا للخطة العسكرية، سيبدأ جيش الدفاع الإسرائيلي العملية بتطويق المدينة، وذلك بعد تخفيف حدة عمليات المدفعية والقوات الجوية والبحرية. عندها فقط، ستُنفذ المناورة البرية. يُعدّ نشاط الفرقة 99 الحالي في حي الزيتون جزءًا من العمليات التحضيرية للعملية، حيث يُحسّن جيش الدفاع الإسرائيلي مواقعه لوقف التقدم في الجزء الجنوبي من المدينة.

مصدر الصورة جنود إسرائيليون مقابل المباني المدمرة في شمالي قطاع غزة ويقفون على نقطة مراقبة على الجانب الإسرائيلي من الحدود (غيتي)

واستبق إعلان بدء حملة "عربات جدعون 2" ما كان معلنا أنه بعد اكتمال خطط احتلال غزة عسكريا ستعرض الخطة على الحكومة للمصادقة عليها أثناء انتظار استدعاء 60 ألفا من القوات الاحتياطية. يضاف إلى ذلك واقع تمديد الخدمة الاحتياطية لـ70 ألف جندي آخر موجودين حاليا في صفوف الجيش. وتحسبا لتطورات أخرى منحت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الحكومة تفويضا باستدعاء مئات آلاف آخرين من القوات الاحتياطية. ونظرًا لاحتمال إطالة أمد العملية، يستعد الجيش في ذروة المناورة لتفعيل ما بين 110 و130 ألف جندي احتياطي معًا في غزة.

إعلان

ولم يسبق لأي عملية عسكرية في تاريخ إسرائيل أن شهدت مثل هذا الضغط من جانب المستوى السياسي، حيث التدخلات الواسعة من جانب وزير الدفاع إسرائيل كاتس والوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش وكذلك من رئيس الحكومة نفسه.

فقد أمر نتنياهو الجيش مساء أمس الأربعاء بتقليص الجدول الزمني للسيطرة على مدينة غزة في إطار ما وصفه بـ"الضغط النووي" الذي يمارسه على حماس. ويرى كثيرون أن نتنياهو يبقي قرار احتلال غزة قريبا من صدره، ويثير من حوله ستارا دخانيا كثيفا يزعج كثيرين خصوصا من يرون أنه قد يكون نال تشجيعا من إدارة ترامب على ذلك.

حذر وحرج

ولم يرق للكثيرين في المستوى السياسي التوجهُ الحذر الذي تبناه رئيس الأركان الجنرال إيال زامير ، الذي خطط لعملية تمتد حتى 4 أشهر. فالقيادة السياسية تريد نتائج أسرع خصوصا في ظل الضغوط الدولية والداخلية المتزايدة. ويبدو حرج هذه القيادة على وجه الخصوص بعد رد حماس الإيجابي على مقترح ويتكوف المعدل. وهذا ما يخلق تنافسا بين إبرام الصفقة شبه الجاهزة أو الدخول في حملة لا أحد يضمن نتائجها. إذ عندما طُلب من الجيش تقييم حجم خسائره في احتلال مدينة غزة، عرض فقط عدد قتلاه عند الدخول السابق للمدينة: 100 جندي وضابط قُتلوا.

وكانت عدة مصادر إسرائيلية قد أشارت إلى أن حكومة نتنياهو تعمل من أجل أن تجري المفاوضات لإبرام صفقة شاملة في ظل الحملة العسكرية على غزة وتحت نيرانها. ويعتقد معلقون إسرائيليون أن هذا التوجه أقرب إلى لعبة بوكر تجري فيها مقامرة على كل شيء. وهذا ما يقلق المسؤولين الأمنيين والعسكريين الذين يعتبرون أن توسيع الحرب "مقامرة كبيرة" ومكلفة، وأن "فرصة استسلام حماس أو تسليم الرهائن طواعيةً معدومة".

مصدر الصورة زامير (وسط) خطط لعملية تمتد لأربعة أشهر ( الأناضول)

وطبيعي أن حسابات الحقل ليست دوما كحسابات البيدر، لذلك هناك من يشير إلى عملية المقاومة يوم الأربعاء في خان يونس وإلى ما أعلنه الجيش متأخرا عن عملية مشابهة في بيت حانون. وكتب المعلق العسكري لـ"معاريف" آفي أشكنازي أن الهجوم المباغت في خان يونس بمعجزة لم ينته بكارثة، لكن الكابوس الحقيقي ينتظر الجيش في غزة. ولاحظ أن عملية خان يونس مثيرة للقلق على وجه الخصوص، لأنها تكشف فشلا استخباريا واضحا من جانب الجيش و الشاباك . فخان يونس تم احتلالها و"تطهيرها" ثلاث مرات ومع ذلك بقيت فيها أنفاق ومقاومون.

الكابوس

وقال مصدر أمني إسرائيلي "هكذا تبدو حرب العصابات. جيش كبيرٌ يتمركز في خلية ميدانية بينما يتحرك الإرهابيون عبر الأنفاق. يخرجون وينفذون هجومًا ثم يفرون، أحيانًا يكون هناك إرهابي واحد أو اثنان، وقد تخرج أيضا مجموعة كبرى من الإرهابيين الذين فقدوا الاتصال بالعالم الخارجي من نفق، وتنفذ هجومًا مثل هذا اليوم". وأضاف "سأخبركم سرًا، هذه ليست المحاولة الأولى للعمل بهذه الطريقة، وربما لن تكون الأخيرة". نعم، هذا بالضبط كابوس المؤسسة الأمنية. إن التحدي في خان يونس أو رفح أو بيت حانون ضئيل مقارنةً بتحدي العمل في مدينة غزة.

وبشكل متناقض اعترف الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بأن "حماس لم تعد تعمل كجيش إرهابي كما كانت في الماضي، بل باتت تعمل بمنطق حرب عصابات، وقد يستمر هذا الوضع طويلًا. هذه هي طبيعة حرب العصابات. مركز حماس الرئيسي يقع في مدينة غزة، وسنُرسخ النموذج الذي اتبعناه خارج المدينة أيضا. سنضرب البنية التحتية فوق الأرض وتحتها حتى تتحقق أهداف العملية. حماس لن تستسلم، ولن تحكم غزة في اليوم التالي، هذا هو المؤشر الرئيسي. لن نتمكن من التعايش مع حكم حماس في اليوم التالي".

إعلان

وفي مقابلة مع إذاعة "إف إم 103" تحدث الخبير في الشأن الفلسطيني المقدم ألون أيفياتار محللا قبول حماس بمقترح ويتكوف المعدل واستعدادها لمواجهة إسرائيل، وقال "تلقينا يوم الأربعاء رسالة من حماس في حادثة خان يونس، لو نجحت من وجهة نظرهم لكنا في وضع مختلف. نشهد من حدث إلى آخر تزايدًا في الجرأة. فيما يتعلق بدخول مدينة غزة، حماس لا تريد دخول الجيش الإسرائيلي، لكنها ليست خائفة، مهما كلف الأمر. لقد مرروا الكرة إلى إسرائيل، إذا قررت إسرائيل دخول مدينة غزة، فحماس تنتظر ذلك".

حرب عصابات

وأضاف "لقد تلقت الحركة ضربة موجعة، وهي تعمل حاليا وفق نمط مختلف. تطورت من جيش صغير إلى حرب عصابات خالصة، وتعمل بمنطق حرب عصابات. بفضل وحداتها داخل الأنفاق، تتمكن من تسليح نفسها، والسيطرة على المتفجرات، ومن وجهة نظرها، إذا قررت إسرائيل دخول قطاع غزة، فستحرص على محاصرته بطريقة تُنهك إسرائيل. ستتخبط إسرائيل في دمائها، ومن وجهة نظرها القطاع مجرد وحل غزّي، وإذا دخلت إسرائيل فستدفع الثمن".

مصدر الصورة لواء خان يونس في القسام يشن حرب استنزاف على الجيش الإسرائيلي (قناة الأقصى)

من جانبه، حذر نبي الغضب الجنرال إسحاق بريك من احتلال غزة، مرجحا أن تنتهي حملة "عربات جدعون 2" بالفشل، وهو يشير إلى أن هذا أيضا رأي رئيس الأركان الذي عبر عنه قبل أسابيع في جلسة الحكومة. وتوقع زامير حينها أن تنتهي الحملة الجديدة مع خسائر فادحة في صفوف قواته، ومقتل الأسرى الإسرائيليين في الأنفاق.

ولاحظ الجنرال بريك أنه "بينما يُدرك رئيس الأركان العواقب الوخيمة والفشل المتوقع لاحتلال غزة، فإنه مُستعدّ للشروع في عملية يعلم عواقبها الوخيمة مسبقًا. سيُسفر قرار مجلس الوزراء بشن هجوم على غزة عن سقوط المزيد من القتلى والجرحى من الجنود والرهائن، قرابين على مذبح بقاء الحكومة".

واعتبر بريك أن خطة رئيس الأركان لاحتلال غزة، والتي أقرها وزير الدفاع، هي خطة قد تُسبب كارثة للجيش الإسرائيلي والدولة. فإخلاء مليون نسمة ليس بالأمر الهين، كما أن جزءا من السكان قد يرفض الرحيل مما يعقد المهمة.

ويرى أن تطويق المدينة خدعة ووهم لأن "مقاتلي حماس ليسوا فوق الأرض، بل في مئات الكيلومترات من الأنفاق تحت الأرض، حيث يمكنهم التحرك بحرية. مع دخول الجيش الإسرائيلي غزة، ستتمكن حماس من الزحف إلى مناطق أخرى من القطاع، وبالتالي لن تكون هناك قدرة على تطويقها. لا شك في أن حماس ستترك مقاتلين في المدينة يزرعون المتفجرات ويطلقون النار على الجنود ويتسببون في خسائر فادحة، كما صرّح رئيس الأركان في نقاش مجلس الوزراء قبل بضعة أسابيع".

نموت ببطء

أما الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الجنرال جيورا آيلاند، فقال في مقابلة إذاعية إنه متأكد "هذه الحكومة تقودنا إلى كارثة.. نحن نموت ببطء". وحول تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة، التي دعا فيها إلى التعجيل بتدمير حماس، قال "يُغير رأيه من حين لآخر، وينتظر ليرى نتيجة المباراة، ثم يُقرر أي فريق سينضم إليه. عادةً ما يكون الفريق الفائز".

وأوضح الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش "إسرائيل في وضع حرج للغاية. ربما يكون التوصل إلى اتفاق مستحيلاً". و"إذا استحال التوصل إلى اتفاق، فعلينا اللجوء إلى خيار آخر. الواقع في غزة مُناسب لحماس وسيئ لنا".

مصدر الصورة تأييد ترامب التعجيل بتدمير حماس لم يؤخذ على محمل الجد في إسرائيل (الفرنسية)

وطبعا، من الواضح أن الحديث يدور حتى الآن عن الجانب السياسي العسكري المحلي من دون إشارة إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدولية. ويحذر كثيرون من أن احتلال غزة قد يقود إلى كارثة اقتصادية على إسرائيل، فضلا عن توسيع أشكال المقاطعة الدولية لها. وسوف تخرج منها إسرائيل دولة منهكة من كل النواحي. لذلك لا ينتظر كثيرون قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي لأن الأمر واضح: إما اتفاق وإما حرب مهلكة.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا