في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
على مدى الشهور الماضية، حققت القيادة السورية الجديدة اختراقات خارجية عديدة، سواء في علاقاتها ببيئتها العربية أو بعلاقاتها مع القوى الغربية، وموازنة ذلك بالعلاقة مع روسيا. لكنها تواجه داخليا قوى ترفض الاندماج في مؤسسات الدولة الناشئة، وترفض تسليم سلاحها، والقبول بسيطرة الدولة على مناطقها.
ومنذ انهيار نظام بشار الأسد وانتصار الثورة في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 -وهو حدث تاريخي وُصف بـ"الاستقلال الثاني"- ساد شعور بالتفاؤل والابتهاج بين السوريين الذين وجدوا في الدولة الناشئة فرصة لبناء كيان وطني جديد يليق بتضحياتهم.
ورغم الانتقادات السابقة لسلوك هيئة "تحرير الشام" في إدارة الشمال السوري المحرر، فإن الخطاب الجديد للهيئة -التي تولت مقاليد الحكم في دمشق – بعث الطمأنينة لدى معظم السوريين، الذين تطلعوا إلى دولة موحدة عادلة، منفتحة على العالم، وساعية إلى التنمية والرفاه.
وتناولت ورقة "تقدير موقف" نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان " سوريا الجديدة.. انفراجات الخارج واستعصاءات الداخل " الملفات التي نجح الحكم السوري الجديد في التعامل معها، والأسباب التي أفضت إلى هذا النجاح. وفي المقابل، تناولت الورقة الملفات العالقة التي أخفق الحكم الجديد في التعامل معها، أو تسبب في تفاقمها. وتساءلت إلى أي حد يمكن للسوريين الشعور بأن بلادهم تسير في الطريق الصحيح؟
خلال الأشهر الثمانية الأولى، تركزت نجاحات الحكم الجديد في ميدان السياسة الخارجية:
العلاقات الإقليمية:
العلاقات الدولية:
مكاسب اقتصادية وتعاون عسكري:
رُفعت العقوبات جزئيا، مما سمح ببدء مشاريع استثمارية عربية ودولية، ومنها: استثمارات سعودية وقطرية ضخمة، صفقة كويتية لشراء شركة اتصالات سورية، عقد قطري لتزويد سوريا بالغاز عبر تركيا، اتفاقية فرنسية لإدارة مرفأ اللاذقية، تعاون عسكري وأمني بدأ يتجدد مع روسيا، كما زودت تركيا الجيش السوري الجديد بدعم لوجستي وتدريبي.
الموقف الأميركي والإسرائيلي:
رغم هذا الانفتاح، ظل الموقف الأميركي من سوريا الجديدة ملتبسا. فالإدارة الأميركية منقسمة بين مؤيد للانفتاح وحريص على حماية إسرائيل. وقد أدى ذلك إلى إبقاء جزء من العقوبات، وتجديد "قانون قيصر" والسكوت عن التدخلات الإسرائيلية في الجنوب، بما في ذلك قصف الجيش السوري في دمشق والسويداء. كما لم تضغط واشنطن بشكل جاد على ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) للتفاهم مع دمشق.
لم تنجح الدولة الجديدة بعد في استعادة وحدتها الداخلية. فقد ورثت بلدا ممزقا بفعل سياسات النظام السابق والحرب الطويلة.
في أغسطس/آب الجاري، نظّمت الإدارة الذاتية في مدينة الحسكة -الواقعة تحت سيطرة قسد- مؤتمرا تحت شعار "وحدة الموقف لمكونات شمال شرقي سوريا" حضره نحو 400 مشارك يمثلون الأقليات الكردية والدرزية والعلوية.
وخلال هذا المؤتمر، برزت خطابات دينية وسياسية طالبت بدستور جديد يكرس دولة لا مركزية، ويعيد توزيع السلطة على أساس قومي وطائفي. وكان بمثابة تحالف أقليات ضد حكم دمشق المركزي، متناقضا مع الدستور الانتقالي الذي أكد المواطنة ووحدة الدولة والجيش.
ورغم غياب إجماع فعلي بين الأقليات على هذه المطالب، فقد كشف هذا المؤتمر عن وجود رؤيتين متناقضتين لمستقبل سوريا: رؤية مركزية وطنية تقودها الدولة الجديدة، ورؤية لا مركزية انفصالية تدعمها قسد وبعض القيادات الطائفية.
أولت القيادة السورية اهتماما كبيرا بالسياسة الخارجية أكثر من الداخل، وهو ما نتج عن:
لكن هذا التركيز أضعف التماسك الداخلي، حيث لم تعمل القيادة على إشراك الطيف الواسع من قوى الثورة والمعارضة في الحكم. فـ"مؤتمر الحوار الوطني" لم يدم سوى يوم واحد، والحكومة الانتقالية لم تضم سوى حلفاء الهيئة.
والواضح، بعد مرور 8 شهور على التغيير السوري الكبير، أن حصاد الجهود السياسية على الصعيد الخارجي لم يكن تماما بحجم الآمال التي عُلّقت عليها. فقد نجحت سوريا في رفع بعض من العقوبات، وليس كلها.
كما أن المردود الاقتصادي من المساعدات والاستثمارات العربية -وإن بدا مُبشّرا- فليس ثمة ما يؤكد أن دعما عربيا أو دوليا مباشرا قد قُدّم للدولة السورية ذاتها.
أما بخصوص إعادة توحيد البلاد وتعزيز سيادة الدولة، الأمر الذي كان من المنتظر أن تقوم فيه الولايات المتحدة والقوى الأوروبية بالدور الأكبر، فلم تزل دمشق تنتظر المساعدة الضرورية. ولم ترفع واشنطن ولا باريس مظلة الحماية عن قسد، ولا استطاعت القوى الغربية إيقاف إسرائيل عن التدخل في الشأن السوري الداخلي، أو الانسحاب من المناطق التي توغلت فيها منذ ديسمبر/كانون الأول 2024.
ويبدو أن القيادة السورية الجديدة هي الأخرى لم تساعد نفسها كما يجب، ولا بذلت ما يكفي من الجهد لحشد مختلف تيارات الشعب السوري خلفها، ولا سيما في الشهور الأولى التالية على انتصار الثورة وإطاحة النظام السابق.
فقد سارعت القيادة إلى تطهير مؤسسات الدولة السابقة وبناء أجهزة دولة وقوات مسلحة جديدة، ولكنها لم تعمل على توسيع قاعدة الحكم لتشمل القطاع الأوسع من قوى الثورة وتياراتها بما في ذلك مكونات المعارضة السابقة، لا على مستوى مسؤولي الدولة الجديدة، ولا عبر مؤتمر الحوار الوطني الذي لم يستمر سوى ليوم واحد، ولا من خلال تشكيل الحكومة الانتقالية.
بعد 8 أشهر، تقف سوريا أمام مسارين خطيرين: