في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في مناطق غير مكشوفة من القارة الأوروبية، توجد مراكز احتجاز نائية لا يعرف الإعلام كثيرا عنها ولا تدخل في نطاق التقارير الحكومية، إذ يقيم فيها آلاف المهاجرين في ظروف تشبه السجون أكثر من كونها أماكن للإيواء.
وخلف الأسوار والأسلاك الشائكة، تتقاطع السياسات الأمنية مع مصائر أشخاص فرّوا من المخاطر، لتطرح تساؤلات حول الشفافية، وحماية حقوق الإنسان ، وحدود ما تحاول أوروبا إخفاءه عن العالم.
لا تسمي القوانين الأوروبية مراكز احتجاز المهاجرين سجونا، لكنها عمليا تُجردهم من الحرية لفترات قد تطول أو تقصر، وتُقيِّد الوصول إلى المحامين وإلى المعلومات الأساسية المتعلقة بملفاتهم.
وقد أظهر تقرير 2025 للوكالة الأوروبية للجوء "إي يو إيه إيه" (EUAA) أن إجراءات اللجوء في دول الاتحاد باتت أكثر تشددا مع دخول ميثاق الهجرة واللجوء مرحلة التطبيق، بما يشمل توسيع أدوات الاحتجاز الإدارية غير المعلن عنها في النظام القانوني العادي.
ويقدّم التقرير بانوراما لآليات الاستقبال والإجراءات ومناطق التوتر الحقوقي عامي 2024 و2025، وينبه على الحاجة الماسة في الحصول على ضمانات عملية تسمح للاجئ الطعن على قرار الرفض والوصول للمشورة القانونية داخل مرافق الاحتجاز. وفي المقابل، تمضي مؤسسات الاتحاد نحو تشريعات تغلب منطق الإبعاد على حساب الحماية.
وفي 11 مارس/آذار 2025، كشفت وكالة رويترز عن مقترح يسمح بإقامة مراكز لاحتجاز المهاجرين المرفوضة طلباتهم بانتظار الترحيل ، مع قابلية إبقاء من يُعتبر خطرا على الأمن قيد الاحتجاز لفترات قد تمتد لعامين، وهو ما انتقدته منظمات حقوقية بوصفه وصفة لتطويل الاحتجاز وتهشيم معايير الإنصاف.
وبحسب تقرير رويترز، فإن قرار الرفض يُمكن أن يتحول بسرعة إلى احتجاز ممتد يتخلله ضغطٌ لقبول "العودة الطوعية" أو الترحيل إلى دول قد لا تكون آمنة بما يكفي.
ومن زاوية حقوقية، حذرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) من أن فكرة "الرفض المتكرر" ستُوسّع دوافع وأمد الاحتجاز على أسس فضفاضة، وتُقلّص خيارات المغادرة الطوعية الحقيقية، وتُنشئ نظام عقوبات مستمرا لعدم التعاون مع إجراءات الترحيل، مما يمكن اعتباره دليلا على غياب ضمانات المحاكمة العادلة.
وتتجلّى هشاشة مفهوم "العودة الطوعية" حين يكون الشخص محتجزًا في منشأة مغلقة، من دون خدمات قانونية، وتحت تهديد دائم بالترحيل. فقد وثّق تحقيق صادر عن منظمة المراقبة الحكومية في 13 يناير/كانون الثاني 2025، تمويل الاتحاد الأوروبي مشروعات "العودة الطوعية" في بلغاريا، والتي تستهدف فعليًا أشخاصًا في وضع احتجازي، مما يثير تساؤلات حول حقيقة طوعية العودة.
أما على الصعيد النفسي والاجتماعي، فيتضاعف العبء مع غياب المعلومة، وطول الإجراءات، والخوف من الإبعاد، رغم الاحتجاز، إلى دول تعيش نزاعات أو اضطرابات.
وتشير تقارير منظمة "أمنستي" والوكالة الأوروبية لشؤون اللجوء، خلال العام نفسه، إلى الحاجة الملحة لوضع معايير شفافة داخل مراكز الاحتجاز تشمل لوائح واضحة لحقوق المحتجزين، وقنوات مستقلة لتلقي الشكاوى، وضمانًا فعليًا لحق التواصل القانوني والعائلي.
وفي خلفية المشهد، تُظهر بيانات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) -في 10 يوليو/تموز 2025- انخفاضا بنسبة 20% في العبور غير النظامي خلال النصف الأول من العام، وهو ما يضعف حجة "الضغط الاستثنائي" المستمر، ويدعو إلى مراجعة مدى تناسب القيود مع الواقع وإلى التساؤل -من الناحية السياسية والأخلاقية والقانونية- عن المبرر لتوسيع صلاحيات الاحتجاز في ظل تراجع أعداد المهاجرين بشكل كبير.
تشكل مراكز احتجاز المهاجرين شبكة معقدة في أوروبا، حيث لا توجد خريطة رسمية شاملة توضح مواقعها، غير أن خليطا من تقارير رسمية ورصد رقابي واستقصاءات صحفية ساعدت في رسم صورة تقريبية للواقع الذي يصورها كمعسكرات احتجاز مؤقتة.
ويقدم تقرير الوكالة الأوروبية للجوء تقييما محدثا لطريقة استقبال المهاجرين والإجراءات المتبعة، موضحا كيفية إدارة هذه المراكز، مع التركيز على التفاوت بين دول الاتحاد، خصوصا دول الأطراف التي تشهد تدفقا كبيرا للمهاجرين.
ويبرز التقرير اعتماد سياسات "التقييم السريع" و"الإجراءات الحدودية" التي تُبقي محتجزين حتى البت في طلباتهم، غالبا في مرافق نائية تقل فيها الرقابة الإعلامية والبرلمانية، مما يزيد احتمال حدوث انتهاكات للحقوق الأساسية، بما في ذلك صعوبات الوصول إلى محامين، ومحدودية الخدمات الصحية، وصعوبات التواصل مع العالم الخارجي.
ومن جهة أخرى، شهد البرلمان الأوروبي هذا العام جدالا محتدما حول مقترحات المفوضية لتحويل قرارات الإبعاد إلى إطار موحد، وإمكانية إنشاء مراكز خارج الاتحاد لاحتجاز المرفوضين بانتظار الترحيل.
وقد أظهرت التغطية الإعلامية المواكبة انقساما واضحا، فالبعض يرى في ذلك "استعادة للسيطرة" وآخرون يحذرون من "مخاطر الاحتجاز المطوّل" الذي يتناقض مع خيار "العودة الطوعية".
وأظهرت جلسات اللجان البرلمانية دعمًا للأصوات المنتقدة، مستندة إلى ملفات لجنة مناهضة التعذيب والوكالة الأوروبية للجوء، مطالبةً بزيارات مفاجئة للمراكز ونشر إحصاءات مفصلة عن مدة الاحتجاز ونتائج الطعون.
وتُعد بلغاريا نموذجا واضحا بهذا الصدد، وخلال زيارة لجنة مناهضة التعذيب التابعة لمجلس أوروبا في يونيو/حزيران 2025، جرى تقييم أوضاع مراكز مثل بوسمانتسي وليوبيميتس، إضافة إلى مرافق تابعة لشرطة الحدود، بما فيها إلهوفو وسفيلنغراد.
وأشار تقرير إلى أن الظروف في هذه المراكز "مساوية أو أسوأ" مقارنة بما وثق عام 2018، على صعيد المواد الغذائية، والأنشطة، والرعاية الصحية، والمعلومات القانونية، ووسائل الاتصال مع الخارج.
تشكل مراكز احتجاز المهاجرين في اليونان، وعلى رأسها مركز ساموس في بحر إيجه، نموذجا واقعيا لمعسكرات احتجاز المهاجرين تحت لافتة "إجراءات حدودية".
وتكمن أهمية ساموس في توضيح تلاقي البنية التحتية المغلقة مع مسار الإجراءات المسرّعة، فالمركز عبارة عن منشأة مسيجة، مزودة بنقاط تفتيش متعددة، وجداول حضور إلزامية، وتبعية إدارية تتبدل بين سلطات اللجوء والشرطة.
وعلى الورق، يصنَّف ساموس كمرفق استقبال وإجراء حدودي. أما في الواقع، فهو يشبه السجن: غرف مكتظة، ساعات خروج محدودة، رقابة دائمة. وعندما يأخذ ملف الشخص مسار "الرفض السريع" تتحول الأسوار إلى أداة ضغط غير مباشرة لإجباره على توقيع ما يُعرف بـ"العودة الطوعية" وفق ما وثّقه تحقيق منظمة المراقبة الحكومية.
وكشفت شهادات ميدانية جمعتها منظمة العفو إلى توتر دائم لدى المحتجز، واضطرابات في النوم، وزيادة حالات الاكتئاب بين الذين لا يعرفون مدة بقائهم أو وجهة مصيرهم النهائي. ويعيش المحتجزون في "زمن مفتوح" حيث لا يوجد قرار نهائي أو أفق واضح، مما يمثل شكلاً من أشكال العقوبة النفسية غير المعلنة.
وقد وجهت المنظمة، في مارس/آذار 2025، نداء علنيا إلى المفوضية الأوروبية ، مفصّلة فيه سلسلة انتهاكات سجلت في ساموس، شملت قيودا صارمة على الحركة تشبه نظام السجون وفي ظروف سكن وخدمات دون المستوى المطلوب، مع صعوبات في الوصول إلى المحامين، وفي ظل نمط إداري يجعل الاعتراضات القانونية شبه مستحيلة ضمن المهل القانونية.
وكان جوهر التحذير مباشرا "لا تجعلوا من ساموس قالبا تنفيذيا" يُستنسخ في مراكز أخرى ضمن ميثاق الهجرة الأوروبي.
وفي الوقت الذي يُبرر فيه المسؤولون اليونانيون الطابع المسيطر للمركز بالحفاظ على النظام والأمن، تؤكد "أمنستي" أن احترام الكرامة الإنسانية يظل المعيار الأساسي لمصداقية أي نظام لجوء، وأن تجاهل هذا البعد يضعف مصداقية السياسات الأوروبية على الصعيد الدولي.
وتتجه سياسة الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء مراكز احتجاز للمهاجرين خارج الاتحاد، وهو ما ما يعني إمكانية تصدير نموذج "مراكز الاحتجاز المغلقة" إلى بلدان تفتقر إلى الشفافية في الرقابة، الأمر الذي يطرح تساؤلات أخلاقية وسياسية على مستوى الاتحاد مثل: من يضمن الالتزام بالمعايير حين يُنقل الاحتجاز بعيدًا عن إشراف القضاء الأوروبي والإعلام؟
ونهاية المطاف، تبقى مراكز احتجاز المهاجرين مسرحًا للتحديات الحقوقية والسياسية، حيث تتناقض مصالح الاتحاد الأوروبي مع حقوق الأفراد.
وتوضح بعض الزيارات الرقابية والتقارير الميدانية أن الانتهاكات لا تقتصر على الإجراءات الإدارية فقط، بل تشمل أيضًا ظروف الإقامة والخدمات الأساسية.
ويظل الاطلاع المستمر على بيانات موثوقة -من قِبل لجنة مناهضة التعذيب التابعة لمجلس أوروبا والوكالة الأوروبية للجوء- ضروريا لتقييم فعالية السياسات، وتحليل تأثير الاحتجاز المطوّل على اللاجئين، وتقديم توصيات عملية لتحسين الظروف وضمان حقوق المحتجزين.