واشنطن- يقول جون ميرشايمر، أستاذ العلاقات الدولية الشهير بجامعة شيكاغو، إن تصور أي سياسي لطريقة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية تنبع أساسا من رؤيته أسباب اندلاعها الرئيسية.
ولا يخفي الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلقاء اللوم على الجانب الأوكراني والدعم الأميركي والأوروبي في إشعال الصراع وصولا للغزو الروسي لأوكرانيا. من هنا تنبع رؤيته لكيفية إنهاء الحرب، التي تقربه من رؤية موسكو، وهو ما بدا ظاهرا منذ قمة ألاسكا ، ودفعه إلى القيام بدور الوسيط بعد التخلي عن علاقة التحالف مع كييف.
وكان ترامب قال، إنه لا يبحث عن اتفاق سلام يستمر عامين فقط، بل إنه يريد شيئا يدوم، مما يعني صفقة توفر إطارا موثوقا به للطرفين بعدم استئناف الحرب بعد أن تتاح لهما الفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة التسلح.
تخطى إجمالي المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى كييف على مدار ثلاث سنوات ونصف السنة من الحرب أكثر من 130 مليار دولار، إضافة إلى مساعدات بالمعلومات الاستخبارية والتدريب العسكري للجيش الأوكراني.
وتعهدت واشنطن منذ اليوم الأول للهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 بتبني إستراتيجية ثلاثية الأبعاد تقوم على تقديم أكبر دعم ممكن لكييف، وإعادة انتشار عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين في الدول المجاورة لها، مع التأكيد على عدم التورط في الصراع بصورة مباشرة.
إلا أن الموقف الأميركي المتحالف مع كييف تغير جذريا بوصول ترامب مرة ثانية للحكم في يناير/كانون الثاني الماضي، الذي يكرر مقولة إنه "لو كان رئيسا ما كانت الحرب لتندلع بين روسيا وأوكرانيا". ويلقي باللوم على دعم واشنطن كييف، وأشار إلى أنها مهدت الطريق للحرب الحالية وسمحت باستمرارها حتى الآن.
ومع تعهد ترامب بالعمل على إنهاء الحرب، اتخذت الحكومة الأميركية مواقف مغايرة في عدة اتجاهات أدت إلى عقد قمة ألاسكا يوم الجمعة الماضي بينه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين .
وسط الانتكاسات التي لحقت بأوكرانيا عقب هذه القمة، والتي كانت أهم معالمها موافقة ترامب على الطرح الروسي بضرورة التوصل لاتفاق تسوية نهائية وتجاهل الدعوة لوقف إطلاق النار، إلا أن الأوكرانيين وجدوا بصيص أمل في الاقتراح الأميركي بتوفير ضمانات أمنية لكييف تهدف إلى ردع العدوان الروسي في المستقبل في أي اتفاق سلام محتمل.
ولطالما دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وداعموه الأوروبيون إلى وقف إطلاق النار بدلا من تسوية نهائية، إذ يقول هؤلاء الحلفاء، إن كييف لا يمكنها التفاوض مع استمرار الهجمات الروسية، وهم قلقون من صفقة متسرعة.
وشارك في قمة واشنطن أمس الاثنين، الأمين العام ل حلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، والرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب، وحاولوا إبطاء تسرع وحماسة ترامب للوصول لاتفاق لا يكترث بالحقوق المشروعة لأوكرانيا.
وعقب انتهاء مفاوضات أمس، قال ترامب في منشور على منصته تروث سوشيال، إن أوروبا يمكن أن تقدم ضمانات أمنية لأوكرانيا بالتنسيق الأميركي، وإنه ناقش هذه الضمانات في اجتماعه بزيلينسكي والقادة الأوروبيين.
وشدد الرئيس الأوكراني من جانبه على أن بلاده بحاجة إلى ضمانات أمنية كجزء من أي اتفاق لوقف إطلاق النار مع روسيا لمنع بوتين من إعادة غزو بلاده.
سارع القادة الأوربيون إلى القدوم لواشنطن لمساندة زيلينكسي في زيارته البيت الأبيض، خاصة بعدما أكد ترامب قبل أمس الأول، أن موضوع شبه جزيرة القرم منتهٍ، وأن أوكرانيا لن تصبح عضوا في الناتو مما يلزم أعضاء الحلف الآخرين بالدفاع عن كييف إذا تعرضت للغزو، ولم ترفض الإدارات الأميركية السابقة هذه الرغبة، لكن ترامب كان صارما في رفضه.
وعكست قمة ألاسكا رغبة الرئيس الأميركي في القيام بدور الوسيط بين طرفي القتال بدلا من دور الحليف الذي تبنته واشنطن منذ بدء الحرب.
وعقب انتهاء مباحثات البيت الأبيض أمس، لخص الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب نتائجها في 3 نقاط:
ويبدو أن الهيكل الدقيق لهذه الضمانات غير واضح بما فيها ما إذا كان سيتطلب من الدول الأوروبية وضع 1000 من جنودها قوات حفظ سلام داخل الأراضي الأوكرانية. ولا ترغب واشنطن في إرسال جنود أميركيين إلى كييف، كما أن روسيا من جانبها ترفض أي ترتيبات مشابهة للمادة الخامسة بميثاق الناتو المتعلقة بالدفاع المشترك، وترفض أن يكون للحلف أي دور في هذه الترتيبات.
وقال مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف ، إن بوتين وافق في قمة ألاسكا على السماح للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا كجزء من صفقة نهائية لإنهاء الحرب المستمرة منذ 3 سنوات ونصف السنة.
وأضاف في حديث لشبكة "سي إن إن" أنها "كانت المرة الأولى التي نسمع فيها الروس يوافقون على ذلك"، ووصف الموافقة بأنها "تغير قواعد اللعبة".
وحين سأل أحد المراسلين أمس ترامب عمّا إذا كان سيستبعد القوات الأميركية كجزء من ضمان أمني لردع موسكو، أجاب "سيكون هناك كثير من المساعدة. إن أوروبا هي خط الدفاع الأول، لكننا سنساعدهم أيضا. الأوروبيون يريدون توفير الحماية. إنهم يشعرون بقوة حيال ذلك، وسنساعدهم في ذلك".
ولم يقدم ترامب أي تفاصيل عن الدور الأميركي، إلا أن الجانبين، الأوكراني والأوروبي، رحبا بقوة بهذه الخطوة.