لندن- أثار استهداف طاقم الجزيرة في قطاع غزة غضب المنظمات الصحفية والحقوقية والدولية، خاصة بعد إقرار جيش الاحتلال الإسرائيلي بتعمُّده استهداف الصحفي أنس الشريف الذي تلقى تهديدات كثيرة وتحريضا مباشرا سابقا.
ورغم التحقيقات المستقلة التي أكدت مهنية أنس الشريف، لم تشفع أي من نداءات ومطالبات المنظمات الأممية والحقوقية له أو للشعب الفلسطيني في غزة ولم تنقذهم من التجويع والقتل.
واستهدف أنس رفقة طاقم قناة الجزيرة، بينهم زميله محمد قريقع ومصورون، في غارة جوية إسرائيلية استهدفت خيمتهم خارج مستشفى الشفاء في غزة، وهو ما أدانته أوساط إعلامية طالبت بحماية حرية الصحافة ووقف استهداف الصحفيين في مناطق النزاع.
ورغم وصية أنس الشريف باستمرار التغطية، مثّل تشييعه وزملائه اليوم وقفة تاريخية للتعبير عن الانتهاكات التي تتعرض لها الصحافة والصحفيون وحرية التغطية وكل المواثيق الدولية التي وقفت عاجزة عن حمايتهم.
ونددت منظمات دولية وصحفية -تواصلت معها الجزيرة نت- بالجريمة، وطرحت الأخيرة سؤالا على تلك المؤسسات، حول ما إذا كان هناك رد فعل حقيقي أقوى من التنديد.
وعبَّر الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين "آي إف جيه" (IFJ)، أنطوني بلغار، عن "تعازيه العميقة لأسر وزملاء 5 صحفيين من الجزيرة قتلوا أمس"، واصفا العملية بأنها "مجزرة جديدة وجريمة حرب ارتكبتها القوات الإسرائيلية".
وقال بلغار للجزيرة نت "هؤلاء الصحفيون استُهدفوا عمدا، هذا أمر مروع. أشعر بالصدمة والغضب الشديد من هذه الحكومة القاتلة، ومن الدول التي تسمح باستمرار هذه المجازر دون تحرك ملموس"، ودعا الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ موقف حازم، خاصة أن الولايات المتحدة تعرقل أي تحرك في مجلس الأمن .
وشدد قائلا "منذ 2018، ونحن ندعو لاعتماد اتفاقية أممية تحمي الصحفيين وموظفي الإعلام، وهذا المقترح جاهز الآن وينبغي على الأمم المتحدة التحرك فورا".
وأكد بلغار أن مقتل الصحفيين "يأتي بعد أشهر من حملة تشويه ممنهجة ضد الصحفيين في غزة، حيث تم اتهامهم زورا بالإرهاب"، مشيرا إلى أن استهداف فريق الجزيرة "جريمة حرب تستوجب مساءلة القادة الإسرائيليين".
بدورها، أدانت نقابة الصحفيين البريطانية "إن يو جيه" (NUJ) الحادثة، وقالت إن الحكومة الإسرائيلية "اعترفت رسميا بقتل 5 من صحفيي الجزيرة في غارة استهدفت خيمة قرب مستشفى الشفاء".
وأضافت الأمين العام لـ"نقابة الصحفيين البريطانية" لورا دايفسون، للجزيرة نت "القوات الإسرائيلية زعمت دون تقديم أي دليل أن أنس الشريف كان إرهابيا، بينما لم يصدر أي تعليق حول الأربعة الآخرين الذين قتلوا".
وذكرت دايفسون "أن فريق الجزيرة الأساسي في غزة "تعرض خلال 22 شهرا الماضية لخسائر كبيرة، مع مقتل وإصابة عدد من صحفييه، إضافة إلى غارات واعتقالات استهدفت مكاتب الجزيرة في الضفة الغربية".
وختمت "هذا الهجوم مُروِّع ونعرب عن تعازينا الحارة لعائلات الصحفيين الذين قتلوا وزملاؤهم. الصحفيون يتمتعون بحماية خاصة بموجب القانون الدولي، لكن هذه الحماية تُنتهك باستمرار، بينما يُقتل مدنيون آخرون كضحايا جانبيين أيضا".
وأكدت دايفسون أن إسرائيل "تحرم الصحفيين الأجانب الوصول إلى غزة، وفي الوقت نفسه تستهدف وتشوّه سمعة الصحفيين المحليين، مما يعكس أنها لا تريد أن يشاهد العالم ما ترتكبه".
وطالبت دايفسون الحكومة البريطانية، "التي تدّعي الالتزام بحرية الصحافة"، بـ"ممارسة ضغوط جدية لحماية الصحفيين، واحترام القانون الدولي ، ودعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بهذه الانتهاكات". وقالت "يجب أن يكون هناك تحرك دولي فوري لوضع حد لهذا السلوك الشائن".
ولم يختلف الأمر كثيرا على الصعيد الأوروبي، حيث وصف الأمين العام للاتحاد الأوروبي للصحفيين "إي إف جيه"، ريكاردو غوتيريز، الحادثة بأنها "جريمة قتل جماعية تتطلب تحقيقا دقيقا من المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المسؤولين، بمن فيهم كبار صناع القرار السياسي".
وقال غوتيريز للجزيرة نت إنه في 24 يوليو/تموز الماضي، وقبل الحادث الأليم الأخير، وجَّه الاتحاد رسالة إلى المفوضية الأوروبية طالب فيها "تعليق الاتفاقيات مع إسرائيل، وإجلاء المدنيين المهددين، والسماح للصحفيين الأجانب بالوصول إلى غزة، وحماية الصحفيين المحليين، وفتح تحقيق دولي في التجويع كجريمة حرب". وأضاف "مأساة الأمس تؤكد ضرورة هذه المطالب الملحّة".
وانتقد غوتيريز "صمت الاتحاد الأوروبي وعدم تحركه"، معتبرا أن هذا الصمت "يجعله شريكا ضمنيا في الإبادة الجماعية الجارية"، وأكد أن الاتحاد الأوروبي للصحفيين "جاهز لدعم أي مبادرات يطرحها الاتحاد الدولي للصحفيين بهذا الخصوص".
وأردف "الحصار الكامل المفروض على الصحافة الدولية والقتل المنهجي للصحفيين في غزة يشكلان حملة رقابة شاملة تهدف لإخفاء جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في غزة و الضفة الغربية ".
ودعا عبر الجزيرة نت الأمم المتحدة إلى "التدخل العسكري للسماح بدخول المساعدات الإنسانية وفتح المجال أمام الصحافة الدولية لتوثيق هذه الجرائم".
في حين أكد النقيب السابق لمؤسسة حرية الإعلام والبث في بريطانيا، تيم جوبسيل، للجزيرة نت "أنه وبالرغم من مأساوية ما حدث وبطولة أنس الشريف التي لا تدع مجالا للشك، فإن ما جرى هو عملية إستراتيجية للتكميم والتعتيم خصوصا مع بوادر التهديدات بالاجتياح البري".
وأضاف "الاغتيال بالفعل كان للطاقم ولكنه كان اغتيالا لآخر صحفيي البث الحي الموجودين، وهو أمر شائن ومُروِّع يجب التعامل معه كجريمة كبرى وأولوية قصوى".