يُعد متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس أحد أبرز المتاحف الفنية والتاريخية في العالم، وهو الأكبر من حيث عدد القطع الفنية المعروضة به، وقد افتُتح رسمياً كمتحف وطني في 10 أغسطس/آب من عام 1793 بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط الملكية في فرنسا، ليصبح أول صرح يُحوّل من مقرّ ملكي (قصر التويلري) إلى فضاء مفتوح للفن والعلم، مع عرض شمل نحو 537 لوحة و184 قطعة فنية، معظمها نُقلت من المجموعات الملكية وممتلكات الكنيسة المصادرة.
ويقع المتحف على الضفة الشمالية لنهر السين، وهو اليوم وجهة لا غنى عنها لمحبي الفن والتاريخ، حيث يحتضن كنوزاً من مختلف الحضارات الإنسانية، منها لوحة الموناليزا الشهيرة لليوناردو دا فينشي وتمثال فينوس دي ميلو، وهو يُعد أكبر صالة عرض فنية في العالم حيث يضم أكثر من 380 ألف قطعة أثرية و35 ألف عمل فني معروض.
يعود تاريخ اللوفر إلى أواخر القرن الثاني عشر، حين أمر الملك فيليب الثاني (فيليب أوغسطس) ببناء قلعة دفاعية عام 1190 لحماية باريس من الغزوات النورماندية.
وكانت القلعة، التي أُطلق عليها اسم اللوفر نسبة إلى الموقع الذي شُيدت عليه، تتضمن أسواراً ضخمة وخندقاً مائياً وبرجاً مركزياً بارتفاع 98 قدماً، وصُممت هذه القلعة لتكون حصناً عسكرياً يحمي المدينة.
ومع توسع باريس في القرن الثالث عشر والرابع عشر، فقدت القلعة أهميتها الدفاعية، حيث أصبحت المدينة أكبر من أن تحميها الأسوار القديمة، وفي عهد الملك تشارل الخامس في القرن الرابع عشر، تحوّل الحصن إلى مقر إقامة ملكي، حيث أُعيد تصميمه ليصبح قصراً يناسب العائلة المالكة.
وأضاف تشارل الخامس مكتبة ملكية شهيرة في أحد الأبراج، مما جعل اللوفر مركزاً ثقافياً مبكراً، ومع ذلك، لم تكتمل خطط التوسع بسبب حرب المئة عام، التي أجبرت الملوك اللاحقين على البحث عن مواقع أأمن خارج باريس.
وفي عام 1546، أمر الملك فرانسيس الأول بهدم القلعة القديمة وبناء قصر جديد على طراز عصر النهضة، بإشراف المهندس المعماري بيير ليسكوت، وكان فرانسيس الأول جامعاً فنياً شغوفاً، وقد أسس نواة المجموعة الفنية للمتحف باقتنائه أعمالاً من فناني عصر النهضة الإيطاليين، بما في ذلك لوحة الموناليزا التي اشتراها من ليوناردو دا فينشي.
وبعد وفاة فرانسيس، استمر خلفاؤه، مثل هنري الثاني وتشارل التاسع، في توسيع القصر وإثراء مجموعاته الفنية، وبحلول القرن السابع عشر، أدخل الملكان لويس الثالث عشر ولويس الرابع عشر إضافات معمارية كبيرة، بما في ذلك الرواق الشهير الذي صممه المهندسان كلود بيرو ولويس لو فو، والديكورات التي أشرف عليها الفنان تشارلز لو برون.
ومع ذلك، نقل لويس الرابع عشر بلاطه إلى قصر فرساي في عام 1682، مما سمح باستخدام اللوفر كمسكن للفنانين تحت الرعاية الملكية.
وبحلول القرن الثامن عشر، أصبح اللوفر مقراً لأكاديمية الفنون الجميلة التي كانت تنظم معارض منتظمة في قاعة "صالون كارّيه"، وهي المعارض التي جذبت الجمهور والنقاد، ومهدت لإمكانية أن يتحول القصر إلى متحف دائم.
مع اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789، تغير مصير اللوفر بشكل جذري، ففي عام 1791، أعلنت الجمعية الوطنية أن اللوفر سيصبح متحفاً قومياً يجمع روائع العلوم والفنون.
وبعد سجن لويس السادس عشر في 10 أغسطس/آب من عام 1792، أصبحت المجموعة الملكية ملكية عامة، وصدرت أوامر بتجهيز المتحف بسرعة لتجنب التخريب أو السرقة.
وفي 10 أغسطس/آب من عام 1793، فتح اللوفر أبوابه للجمهور مجاناً لثلاثة أيام في الأسبوع، وفي البداية، كانت ظروف المتحف صعبة، حيث عُلقت اللوحات بدون ترتيب واضح، وواجه المبنى مشاكل إنشائية أدت إلى إغلاقه في مايو/آيار من عام 1796، وأعيد افتتاحه في 1801 بعد أعمال صيانة وتنظيم جديد للمجموعات الفنية وفق مدارسها وفتراتها التاريخية.
ومع صعود نابليون بونابرت إلى السلطة، شهد اللوفر مرحلة توسع هائلة، فقد أمر بنقل كنوز فنية من الأراضي التي غزاها إلى باريس، خاصة من إيطاليا ومصر، وأطلق على المتحف اسم "متحف نابليون".
وازدادت المجموعات المعروضة بشكل كبير، وشملت منحوتات كلاسيكية ولوحات لكبار الرسامين الأوروبيين، غير أن هذه الثروات لم تدم طويلاً، إذ أُعيدت الكثير من القطع إلى بلدانها الأصلية بعد هزيمة نابليون عام 1815.
وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر، استمر تطوير المتحف تحت رعاية ملوك فرنسا، حيث أضيفت قاعات جديدة مثل "جناح أبولون" المزيّن بزخارف أسطورية ولوحات فنية، وأعيد تنظيم المعروضات لتسهيل تجول الزائرين.
كما بدأت في هذه الفترة حملات أثرية في مصر والشرق الأدنى، جلبت معها آثاراً فرعونية وقطعاً من حضارات بلاد الرافدين، مما أضاف بعداً عالمياً لمجموعات المتحف.
وفي القرن التاسع عشر، استمر اللوفر في التوسع تحت حكم نابليون الثالث، حيث اكتمل المجمع متعدد المباني عام 1857، ليشكل جزأين رئيسيين يحيطان بساحتين كبيرتين، وأُضيفت أجنحة جديدة على طول شارع ريفولي، وزادت المجموعات الفنية.
وفي القرن العشرين، استمر اللوفر في التوسع وتحديث قاعاته. وخلال الحربين العالميتين، تم إخلاء الكثير من المجموعات الفنية إلى أماكن آمنة في الريف الفرنسي لحمايتها من القصف أو النهب، وكان من أبرزها لوحة الموناليزا التي نُقلت عدة مرات وأُخفيت في مواقع سرية، وبعد الحرب العالمية الثانية، استؤنفت أعمال الترميم والعرض، وأعيد افتتاح المتحف أمام الجمهور تدريجياً.
وفي الثمانينيات من القرن العشرين، أُطلق مشروع "اللوفر الكبير" في عهد الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران عام 1981، وكان الهدف توسيع المساحات المخصصة للعرض وتحديث البنية التحتية، وقد كُلف المعماري الصيني الأمريكي آي إم باي بتصميم مدخل جديد للمتحف، فجاء بفكرة الهرم الزجاجي الذي افتُتح عام 1989 في ساحة نابليون، وأثار هذا التصميم جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعارض، لكنه أصبح مع مرور الوقت أيقونة معمارية عالمية ورمزاً لدمج الحداثة مع التاريخ.
واستمر المتحف في إضافة أقسام جديدة، منها جناح الفن الإسلامي الذي افتتح عام 2012 في مبنى عصري بغطاء زجاجي متموج، ليعرض آلاف القطع التي تمثل حضارات العالم الإسلامي عبر القرون، كما توسع اللوفر خارج فرنسا، فتم افتتاح "لوفر أبوظبي" عام 2017 بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة.
ويضم اللوفر اليوم 8 أقسام رئيسية وهي الآثار المصرية، وآثار الشرق الأدنى، والآثار اليونانية والرومانية، والفن الإسلامي، والنحت، والفنون الزخرفية، واللوحات، والمطبوعات والرسومات.
ويحتوي المتحف على العديد من القطع الأثرية بما في ذلك تمثال أبو الهول الكبير في تانيس، ومسلة حمورابي من بلاد الرافدين، وأعمال فنية أوروبية مثل لوحة تتويج نابليون لجاك لويس دافيد وطوف الميدوزا لتيودور جيريكو، ويضم قسم الفن الإسلامي 5 آلاف عمل فني من الأندلس إلى الهند.
ولم يسلم متحف اللوفر من موجة الانتقادات التي طالت المتاحف الغربية لاحتوائه على مقتنيات أثرية اعتبرت "مسروقة" من بلدانها الأصلية. فالمتحف الفرنسي يحتوي على بعض المقتنيات الأثرية التي يطالب البعض بإعادتها إلى بلدانها الأصلية، أو التحقيق بجدية في أصالتها.
ويجذب المتحف أكثر من 8 ملايين زائر سنوياً، مما يجعله الأكثر زيارة في العالم.
ورغم هذا النجاح، يواجه اللوفر تحديات كبيرة تتعلق بالحفاظ على مقتنياته وبنيته التحتية في ظل الأعداد القياسية من الزوار، إضافة إلى ضرورة مواكبة التطورات التكنولوجية في العرض والتوثيق، وقد أعلنت إدارة المتحف في السنوات الأخيرة عن خطط لتجديد شامل لبعض قاعاته وتطوير وسائل العرض التفاعلي، إلى جانب تعزيز الإجراءات الأمنية للحفاظ على الكنوز المعروضة.