في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
طهران- في توقيت حرج جدا عقب العدوان الإسرائيلي والأميركي على منشآت إيران النووية في يونيو/حزيران الماضي وقبيل تفعيل الترويكا الأوروبية آلية الزناد في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، يطرح وزير الخارجية الإيرانية الأسبق محمد جواد ظريف وسفير طهران السابق في لندن محسن بهاروند "مبادرة منارة" لتحويل الأزمة النووية إلى قضية إقليمية جامعة.
وفي مقال مشترك نُشر في صحيفة غارديان البريطانية، يقترح ظريف وبهاروند إنشاء منتدى جديد للتعاون النووي بمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت عنوان "منارة" على أن يكون تحت مظلة الأمم المتحدة ، ويشترط على الأعضاء رفض الأسلحة النووية والالتزام بالرقابة المتبادلة، مقابل تبادل التكنولوجيا السلمية في مجالات الأبحاث العلمية والطاقة والطب والزراعة.
وتقترح المبادرة إنشاء مرافق مشتركة بما فيها منشآت تخصيب اليورانيوم وهيئة رقابية مشتركة بمشاركة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، مع ضمانات صارمة ضد أي انحراف للاستخدام العسكري، وأن يكون مقر المنتدى في إحدى الدول الأعضاء.
ويستذكر الكاتبان، أن إيران كانت أول من طرح فكرة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط عام 1974 عبر الأمم المتحدة، لكن المشروع جُمد لـ50 عاما بفعل معارضة إسرائيل والولايات المتحدة، رغم تأييد 100 دولة من أعضاء حركة عدم الانحياز .
وينوه المقال إلى أن الهجمات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية ، رغم التزام طهران ب معاهدة حظر الأسلحة النووية ، دفعت المنطقة إلى حافة الهاوية، محذرا من أنه رغم فشل تل أبيب في تحقيق أهدافها وعجز واشنطن عن إخضاع طهران، فإن المقامرات لا تزال قادرة على دفع المنطقة بأكملها إلى حرب مفتوحة لا نهاية لها.
ويخرج المقال بنتيجة مفادها أن الأمن المستدام في الشرق الأوسط لا يتحقق إلا من خلال التعاون الجماعي وبناء أُطر مشتركة، وليس عبر سباق التسلح أو تراكم القوة، وأن مبادرة "منارة" توفر نموذجا لتعزيز التعاون الإقليمي بناء على المصالح المشتركة ومستقبل مستدام لجميع شعوب المنطقة.
ورغم أن المبادرة كان لها صدى كبير لدى الأوساط السياسية في إيران، فإن الجزيرة نت سبق أن تناولت الموضوع تحت عنوان "لتجاوز الضغوط الأميركية.. ما حقيقة المقترح الإيراني بإنشاء مشروع نووي مشترك؟"، في خضم المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن التي سبقت الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، مما يثير تساؤلات عن أوجه الشبه والاختلاف بين المبادرتين.
في غضون ذلك، يؤكد وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر صالحي -الذي ترأس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بين عامي 2009 و2010 وكذلك من 2013 حتى 2021- أن فكرة إنشاء كونسورتيوم نووي تمتد إلى بدايات تاريخ البرنامج النووي الإيراني ، مضيفا في مقابلة مع صحيفة "هم ميهن" أن الفكرة أخفقت قبل انتصار ثورة 1979 بسبب العراقيل التي طالما وضعها الأميركيون وإصرارهم على ضرورة أن يكون الاتحاد النووي خارج الأراضي الإيرانية.
وبينما يرى مراقبون إيرانيون أن الفكرة الجوهرية لمبادرة "منارة" ترمي إلى إبعاد شبح الحرب من طهران والضغط على المجاميع الدولية لفضح البرنامج العسكري الإسرائيلي عبر دفع الشرق الأوسط إلى منطقة "خالية من الأسلحة النووية"، أدت المبادرة إلى انقسام بين الأوساط السياسية في طهران؛ حيث ترى شريحة في فكرة الاتحاد النووي فرصة ذهبية لحلحة الأزمة النووية وآخرون يعدّونها خيانة ترمي لتعطيل البرنامج النووي.
في غضون ذلك، أظهرت الصحافة القريبة من التيارات السياسية ردود فعل متنوعة تجاه المبادرة، فبينما أبدت وكالة "إرنا" الرسمية دعما مشروطا للخطة التي "تتماشى مع سياسات الحكومة من أجل تخفيف التوترات الإقليمية"، وجدت فيها الصحافة الإصلاحية ومنها صحيفة شرق، خطوة لبناء الثقة مع القوى الغربية في ظل جمود المفاوضات النووية.
في المقابل، تنظر الصحافة المحافظة، وعلى رأسها صحيفة كيهان المقربة من مكتب المرشد الأعلى، بريبة إلى "المقترح غير الواقعي في ظل هجمات الغرب وإسرائيل على المنشآت النووية"، إذ اعتبر رئيس تحريرها حسين شريعمتداري أن المبادرة مؤشر على تفاؤل الكاتبين المفرط تجاه الغرب وسعيهما لتقديم تنازلات قد تعرض الاستقلال النووي لإيران للخطر.
في السياق، وصفت وكالة فارس المقربة من الحرس الثوري ، مبادرة "منارة" بأنها "محاولة لاسترضاء الغرب"، مؤكدة أنها في أفضل الأحوال تمثل فكرة مثالية لن تُنفذ عمليا بسبب انعدام الثقة بين دول المنطقة وضغوط أميركا وإسرائيل، في حين أثارت بعض وسائل الإعلام الأخرى ومنها صحيفة "جوان" مخاوف بشأن تداعياتها على الاستقلال الوطني جراء القبول برقابة أكثر صرامة على البرنامج النووي الإيراني.
أما وسائل الإعلام المعتدلة ومنها وكالة أنباء "إسنا" فتعتبر المبادرة "تكتيكا دبلوماسيا لتخفيف الضغوط الدولية" عن طهران، موضحة أنها محاولة لتغيير أجواء المفاوضات وكسب دعم الدول الأوروبية أكثر منها حلا عمليا.
مندوب إيران في الأمم المتحدة: تخصيب اليورانيوم لن يتوقف pic.twitter.com/jTX5EgOECO
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) June 29, 2025
وبعيدا عن الاصطفافات السياسية في طهران، يرى قاسم محبعلي، المدير العام السابق لشؤون آسيا الغربية بوزارة الخارجية الإيرانية، في وجود سند إقليمي أو دولي شرطا لازما لنجاح أي مبادرة مماثلة، مضيفا أن أي مشروع أمني إقليمي يجب أن يراعي واقعية دور المحور الأميركي والإسرائيلي إلى جانب دور ومصالح الدول العربية والأوروبية.
ونقلت وكالة إرنا عن محبعلي قوله إن "المشاريع التي قدمتها أوروبا في مجال أمن شرق المتوسط لم تُقبل من قبل إيران بسبب وجود النظام الإسرائيلي، وهذا يظهر أنه في أي خطة من هذا القبيل يجب تحديد موضوع نظام إسرائيل، لأن النقطة المحورية لأي خطة للغرب في الشرق الأوسط هي أمنها".
ولدى إشارته إلى أن المياه الخليجية "ليست منطقة إقليمية بين الدول المجاورة فقط، بل منطقة دولية حرة لا يمكن تقديم مشروع أمني فيها دون مراعاة مواقف ومصالح القوى الأخرى"، خلص الدبلوماسي الإيراني السابق إلى أنه "إذا فكرت طهران في هذا الإطار، فقد نصل إلى نتيجة، لكن بالنظر فقط إلى الدول المجاورة ودون مراعاة مصالح أميركا وأوروبا وحتى روسيا والصين، لن تكون هناك إمكانية لدفع مشروع أمني في الشرق الأوسط".
أما إبراهيم رضائي الناطق باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني فرحب بالمبادرة، مستدركا أن مثل هذه المقترحات منفصلة تماما عن التخصيب داخل البلاد، والموافقة عليها لا تعني "أننا سنوقف التخصيب أو نُشرك الآخرين فيه، نحن مستعدون للشراكة مع الآخرين لكننا لن نشركهم في هذا العمل الذي نقوم به، وسنواصل التخصيب كما في السابق".
ونقلت وكالة "فرارو" عن رضائي قوله، إن "السياسة القطعية لنظام الجمهورية الإسلامية هي استمرار عملية التخصيب داخل البلاد، ولا يحق لأحد التدخل فيها، ويجب أن يستمر التخصيب المتواصل حاليا في إيران، وأن موضوع الكونسورتيوم النووي يمكن أن يكون مشروعا جديدا".