"حدود 1967"، و"حدود الرابع من حزيران" "وحدود 67"، عبارات ألِفتها الأذن، وتضمنتها الكثير من البيانات والأخبار المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي منذ عقود.
ويعيد المؤتمر الدولي هذا الشهر في الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية، الحديث عن حل الدولتين في الصراع العربي الإسرائيلي.
يرتكز حل الدولتين في مختلف المبادرات والمسارات المتعلقة به إلى إيجاد دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنباً إلى جنب بحدود مستندة إلى الرابع من يونيو/حزيران 1967.
تُعبّر حدود 1967 عن "الخط الأخضر" الذي حُدد بموجب هدنة عام 1949 بين إسرائيل ودول عربية (مصر والأردن ولبنان وسوريا) التي أنهت الحرب التي اندلعت إثر إعلان تأسيس دولة إسرائيل.
وتذهب الأمم المتحدة للأمر ذاته، واصفةً الخط الأخضر بأنه حدود عام 1967، بين إسرائيل من جهة، ومصر والأردن ولبنان وسوريا من جهة أخرى.
تسمى هذه الحدود بحدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 لمزيد من الدقة لوصف حالة الحدود قبل حرب 1967 التي اندلعت في اليوم التالي، واحتلت إسرائيل خلالها الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وكذلك الجولان السوري وشبه جزيرة سيناء المصرية.
لم يتحول هذا الخط إلى حدود دولية رسمية. وقالت محكمة الجنايات الدولية إن "خطوط ما قبل عام 1967 (الخط الأخضر) عملت كحدود بحكم الأمر الواقع".
ظهر مصطلح "الخط الأخضر" بعد حرب 1948، عندما توسطت الأمم المتحدة لإبرام اتفاق هدنة بين إسرائيل والدول المجاورة، لتوقّع دول عربية وإسرائيل اتفاقية "الهدنة".
عُرفت خطوط ترسيم الهدنة لاحقاً باسم "الخطوط الخضراء" أو "الخط الأخضر" نسبةً إلى اللون المستخدم لرسمها على الخرائط، ويُطلق عليه أيضاً خط الهدنة لعام 1949.
وأصبح هذا الخط هو الفاصل بين إسرائيل والأراضي المحتلة عام 1967.
ونُظر لهذا الخط كمحور أساسي في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
يرى المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) ومقره رام الله، أن توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق أوسلو، يعني الاعتراف بالخط الأخضر كحدود لدولة إسرائيل، وحدود للسلطة الوطنية الفلسطينية.
"هناك من يستعمل عوض الخط الأخضر مصطلحاً آخر، هو (حدود 1967)، أو (حدود 67)، للدلالة على الحدود التي اجتازها الجيش الإسرائيلي في عمليات احتلال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن عملياً الخط الأخضر حُدّد في 1949 وليس في 1967"، وفق مركز مدار.
في عام 2002، بدأت إسرائيل ببناء جدار فاصل في الضفة الغربية المحتلة لـ"ضمان أمن مستوطناتها"، ويبلغ طوله أكثر من 700 كيلومتر.
ولم يُبنَ الجدار على الخط الأخضر فقط، بل يقع 85 في المئة منه على أراضي الضفة الغربية.
ويشار إلى المنطقة الواقعة بين الخط الأخضر والجدار بـ"منطقة التماس".
ويعزل الجدار 9.4 في المئة من الأراضي الفلسطينية وبينها القدس الشرقية، بحسب الأمم المتحدة، ويؤدي لمصادرة 10 في المئة من أراضي الضفة الغربية.
وأصدرت محكمة العدل الدولية في 2004 قراراً ينص على أن بناء هذا الجدار غير قانوني وطالبت بتفكيكه.
وقضت محكمة العدل الدولية، في فتوى أصدرتها في 2004، بأن مقاطع الجدار التي تتغلغل داخل الضفة الغربية إلى جانب نظام البوابات والتصاريح المرتبط به، أمر مخالف للالتزامات الواقعة على إسرائيل بموجب القانون الدولي.
ودعت المحكمة إسرائيل لوقف بناء الجدار وتفكيك المقاطع التي شُيّدت منه بالفعل، وإلغاء جميع التدابير التشريعية المتصلة به.
يمثل حل الدولتين منذ فترة طويلة أحد الركائز الأساسية للسياسة الخارجية لكثير من الدول الغربية إزاء المنطقة، وفكرة لحل الصراع المستمر منذ عقود.
ووفق الحل، فإن دولة فلسطينية تُقام ضمن الحدود الموجودة قبل الحرب العربية الإسرائيلية في 1967.
وتنص اتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1993 على قيام دولة فلسطينية بحلول عام 1999.
وفي 2003، قدمت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة "خارطة طريق" تنص على إقامة دولة فلسطينية بحلول 2005، مقابل إنهاء الانتفاضة وتجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
قبل ذلك، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في في 1947 القرار 181 الذي أصبح يعرف بـ"قرار التقسيم" الذي نصّ على أن "تُنشأ في فلسطين دولة يهودية ودولة عربية، مع اعتبار القدس كياناً متميزاً يخضع لنظام دولي خاص. ومن بين الدولتين المقرر إنشاؤهما بموجب هذا القرار، لم تظهر إلى الوجود إلا دولة واحدة هي إسرائيل"، وفق الأمم المتحدة.
وقبل زعماء اليهود الخطة التي أعطتهم 56 في المئة من الأرض، ورفضتها جامعة الدول العربية.
ثم أُعلنت دولة إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948. وبعد يوم واحد، بدأت حرب بين دول عربية وإسرائيل، وانتهت الحرب بسيطرة إسرائيل على 77 في المئة من الأراضي، لتظهر حدود جديدة عُرفت عملياً بـ"الخط الأخضر".
تؤيد منظمة التحرير الفلسطينية التي تضم معظم الفصائل والأحزاب الفلسطينية، بدون حركتي حماس والجهاد الإسلامي، هذا الحل.
ولا تمانع حركة حماس إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، بدون الاعتراف بإسرائيل.
على الصعيد الآخر، وقعت إسرائيل في 1993 على اتفاقية أوسلو التي كان من المفترض أن تُفضي لقيام دولة فلسطينية.
في 2009، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً أيد فيه علناً فكرة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
العام الماضي، أيّد الكنيست الإسرائيلي إعلاناً لنتنياهو يرفض إقامة دولة فلسطينية "من جانب واحد".
وأكد بنيامين نتنياهو، أنه أبلغ الولايات المتحدة معارضته إقامة دولة فلسطينية بعد انتهاء الحرب في غزة.
وقال نتنياهو إن إسرائيل يجب أن تحتفظ بالسيطرة الأمنية على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن، التي ستشمل أراضي أي دولة فلسطينية مستقبلية.
بعد أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، أعلنت ضمها لإسرائيل بعد أيام.
وفي 1980 أعلن الكنيست أن القدس هي عاصمة إسرائيل "الأبدية والموحدة".
وتعتبر المجموعة الدولية احتلال القدس الشرقية وضمها غير شرعي، وتعتبرها أرضاً محتلة.
أما الجولان السوري المحتل عام 1967، فقد أعلنت إسرائيل ضمه في 1981، وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار 497 الذي أعلن بُطلان الضم.
وقالت السلطة الفلسطينية، إن "مخططات إسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية إليها تمثل تهديداً وجودياً للمشروع الوطني الفلسطيني وإنهاءً لحل الدولتين".
وبعد اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي عام 2020، تقرر تعليق الضم.
وقال نتنياهو عقب إعلان الاتفاق مستخدماً الاسم التوراتي للضفة الغربية "لا تغيير في خطتي لبسط سيادتنا في يهودا والسامرة بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة. وأنا ملتزم بها. لم تتغير".
لكن الحديث الإسرائيلي عن الضم عاد العام الحالي.
وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وهو مستوطن في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إن 2025 سيكون "عام السيادة في يهودا والسامرة".
الشهر الماضي، قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس إن إسرائيل ستبني "الدولة اليهودية الإسرائيلية" في الضفة الغربية بعد الإعلان عن إقامة 22 مستوطنة جديدة.
وينظر إلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة على أنها عقبة رئيسية أمام السلام الدائم، وتُقابل بإدانات دائمة من الأمم المتحدة باعتبارها غير قانونية.
وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2024، يعيش قرابة 504 آلاف إسرائيلي في 147 مستوطنة و224 بؤرة استيطانية، وقرابة 233,600 ألف مستوطن في القدس الشرقية، وفق الأمم المتحدة.
يرى جوست هيلترمان المستشار في برنامج الشرق الأوسط بمجموعة الأزمات الدولية في حديث مع بي بي سي، أن المستوطنات الإسرائيلية تؤثر على إمكانية تحقيق حل الدولتين بناءً على حدود 1967.
"ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان بناء دولة فلسطينية قابلة للحياة لا يزال قائماً، بالنظر لاتّساع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية"، وفق هيلترمان.
وبتحليل راشيل نيلسون وهي محللة لشؤون الشرق الأوسط في معهد نيو لاينز للإستراتيجية والسياسة في الولايات المتحدة، فإن إنشاء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية على نطاق واسع أدى إلى خلق منطقة لن تكون قابلة للاستمرار كدولة فلسطينية ذات سيادة.
وتضيف ويلسون لبي بي سي، أن المستوطنات شكّلت عقبة كبيرة أمام تحقيق حل الدولتين على أساس حدود 1967، لوجودها في الأرض الفلسطينية المحتلة بهدف توسيع سيادة إسرائيل عبر حدود 1967، في انتهاك لاتفاقية جنيف الرابعة.
ويرى الفلسطينيون أن المستوطنات تهدف لـ"منع التوصل إلى تسوية فلسطينية/إسرائيلية، تسمح بإقامة كيان فلسطيني ذي ولاية جغرافية واحدة متواصلة"، وفق وكالة (وفا).
الشهر الماضي، قالت سيخريد كاخ منسقة الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط أمام مجلس الأمن إن أفضل وصف للوضع في الضفة الغربية هو أنه "تسريع للضم الفعلي عبر التوسع الاستيطاني والاستيلاء على الأرض وعنف المستوطنين. وإذا لم يُبدّل هذا الوضع، فإنه سيجعل حل الدولتين مستحيلاً عملياً".
ووفق رؤية ويلسون، فإن الضم الإسرائيلي الرسمي للضفة الغربية، كلياً أو جزئياً يشير لانتهاء حل الدولتين القائم على حدود 1967، ويقضي على أي فرصة لسلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
تُشكّك أطراف مختلفة بإمكانية تطبيق حل الدولتين في ظل معطيات مختلفة، كتوسع الاستيطان، ووجود الجدار العازل، وتصاعد العنف، وتغير بعض المواقف الرسمية.
كما أن المسار الذي حدده اتفاق أوسلو الذي اعتمد مبدأ الأرض مقابل السلام لم يصل إلى نقطة النهاية التي رسمت له.
ترى ويلسون في حديث مع بي بي سي أن حل الدولتين أصبح بعيد المنال في الوقت الحاضر.
"رفض إسرائيل لقيام دولة فلسطينية، وإجراءاتها لترسيخ واقع الدولة الواحدة، حالا دون اتخاذ المجتمع الدولي إجراءات لإحياء مفاوضات السلام"، تقول ويلسون.
ويعتقد هيلترمان أن تلك الحدود هي الأساس الصحيح لحل الدولتين (مع تعديلات أو تبادل أراض)، لكن المشكلة أنه قد لا يكون هناك حل دولتين بعد الآن.