آخر الأخبار

العشائر السورية: ماذا نعرف عنها؟ وما علاقة القبيلة بالدولة؟

شارك
مصدر الصورة

عندما تُطرح مفردات مثل "البدو" أو"الشوايا" أو "قبائل الفلاحين" في النقاشات حول القبائل والعشائر السورية، يتسلّل الجدل سريعاً إلى سطح الحديث. فهذه الكلمات - وإن بدت توصيفات اجتماعية أو جغرافية في ظاهرها - تحمل في العمق شحنات تاريخية وطبقية معقدة، وارتبطت أحياناً بالتمييز أو التراتبيّة الاجتماعية.

في بعض السياقات، يُنظر إلى مصطلح "البدوي" باعتباره دلالة على الأصالة والنخوة العربية، بينما يُستخدم في سياقات أخرى بطريقة تهميشية، وفق ما يصف أبناء من هذه الشريحة لبي بي سي.

ومثله "الشاوي" الذي يشير جغرافياً إلى سكان كل أرياف الشمال الشرقي السوري، لكنه قد يُحمَّل دلالات اجتماعية جارحة في الخطاب الشعبي لدى أهل المدن غالباً، وفق ما تحدث به خبراء في العلاقة بين القبائل والدولة السورية لبي بي سي.

أما "الفلاح"، فرغم ارتباطه بالأرض والعمل، إلا أنه كثيراً ما استُخدم في الأدبيات العشائرية لتمييز ابن القبيلة الريفي المستقر عن "القبلي دائم التنقل".

هذه المصطلحات إذن ليست مجرد تعريفات، بل مفاتيح لفهم البُنية الطبقية والرمزية في سوريا، وحساسية استخدامها تعكس مزيجاً من التاريخ والسياسة والانتماء.

في سوريا، تُستخدم تسميات مثل "الشوايا" و"البدو" و"الفلاحين" لتمييز أنماط حياة القبائل في مختلف المناطق.

فـ"الشوايا" اشتهروا بتربية الشاة والماعز، ويعيشون في المنطقة الممتدة من شرق نهر الفرات في سوريا حتى العراق.

أما "البدو"، فيُعتقد أنهم وصلوا لاحقاً من الجزيرة العربية، واعتمدوا على تربية الإبل والترحال في البادية الواسعة. في المقابل، يُطلق اسم "الفلاحين" على القبائل المستقرة في الجنوب، خاصة في درعا وحوران، التي امتهنت الزراعة وتربية المواشي.

ويقول الأكاديمي السوري حيّان دخان، المحاضر في جامعة تيسايد بالمملكة المتحدة والزميل الباحث في مركز الدراسات السورية بجامعة سانت أندروز البريطانية: "إن مصطلح 'القبائل العربية' هو المصطلح الجامع لجميع المفردات التي ذكرناها وأقلّها حساسية وتعقيداً".

ويوضّح أن كلمة "الشوايا" كانت مرتبطة تاريخياً "بصورة نمطية للتخلف" ويعزو ذلك إلى ما وصفه بـ "قلة معرفة مكونات المجتمع السوري بأفكار وتقاليد بعضها بعضاً". وبيّن أن خلال سنوات الصراع الماضية اكتسبت هذه الكلمة هوية جديدة، "مصحوبة بالشجاعة والقوة في مواجهة النظام".

"العلاقة بين هذه القبائل والمدن تحوّلت إلى صراع رمزي؛ إذ رأت المدن نفسها كمناطق امتياز، فيما اقتربت القبائل الريفية من تسميات المقاومة والهوية الزراعية الأصيلة". كما أن أبناء القبائل "يرون أن ظلماً وقع عليهم من نظام البعث بعد الثورة، حيث كانوا هم من تصدوا إلى آلة القمع"، وفق دخان الباحث المتخصص في الديناميات القبلية في سوريا.

من أين جاؤوا؟ وأين يقطنون؟

مصدر الصورة

ويقول الباحث السوري حيّان دخان - مستنداً إلى دراسات غير رسمية - إن عدد أفراد القبائل يشكل نحو 30 إلى 40 في المئة من المجتمع السوري الذي يصل عدد أفراده إلى أكثر من 25 مليون نسمة داخل سوريا. وتجدر الإشارة إلى وجود تباين في التقديرات بسبب النزوح المستمر واللجوء بسبب الحرب.

هناك صعوبة كبيرة لدى النسّابين العرب والأنثروبولوجيين في تقديم خارطة دقيقة لأصول هذه القبائل، نظراً لقدم وجودها في المنطقة، وأيضاً بسبب تعدد المناطق والأقاليم التي جاؤوا منها، والتفاوت التاريخي في الوصول لهذه المناطق.

ولعل أفضل طريقة للتعرف على المكون الاجتماعي هو أن ننطلق في رحلة إلى عمق الصحراء الشاسعة، حيث تعيش مجتمعات قبلية تشكل جزءاً من تركيبة الهوية السورية منذ القدم وحتى الدولة المعاصرة.

تعود أصول العشائر السورية إلى قبائل عربية هاجرت واستقرت في مناطق البادية والفرات وحوران منذ قرون طويلة، وامتدت جذورها في محيط يتجاوز حدود الدولة الحديثة. شكّلت هذه العشائر بُنية اجتماعية متماسكة، تقوم على الانتماء لرابطة الدم والنسب والعرف العشائري، وتتكئ على مفاهيم الكرم والولاء، ويحركها في أحيان كثيرة الثأر وحل النزاعات ضمن إطارها الخاص.

رغم غياب الإحصاءات الرسمية الدقيقة، تُقدّر دراسات - وأحدثها ما قدمه مركز جسور للدراسات - أن في سوريا ما بين 25 إلى 40 قبيلة عربية رئيسية، تتوزع على مختلف المحافظات وتشكل جزءاً مهماً من التركيبة الاجتماعية، خاصة في الشرق والشمال والجنوب.

وتنحدر هذه القبائل من جذور تاريخية عريقة، وتنقسم داخلياً إلى مئات العشائر الفرعية، بعضها يحتفظ ببنيته التقليدية، بينما تحول بعضها الآخر إلى روابط عائلية بفعل التحولات الديموغرافية التي فرضتها سنوات الحرب والنزوح.

واعتمدت الدراسة، التي نشرها مركز جسور للدراسات عام 2021، على مقابلات مع 28 شخصية من وجهاء القبائل وخبراء محليين، دون ذكر لمراجع تاريخية أو مناهج إحصائية دقيقة، مركّزة على القبائل المنتشرة في الجزيرة السورية (دير الزور، والرقة، والحسكة) والمنطقة الوسطى (حمص، وحماة) والجنوب السوري (درعا، والسويداء، والقنيطرة)، وأشارت إلى أن كثيراً من العلاقات القبلية في مناطق مثل ريف دمشق تحوّلت إلى صيغ أكثر عائلية ومدنية.

مصدر الصورة

يُشار إلى أن التوزيع الجغرافي والهيكلية الداخلية للقبائل شهدا تغيّرات كبيرة خلال سنوات الصّراع، ما أدى إلى تراجع بعض النفوذ التقليدي، وتحوّل الروابط القبلية إلى طابع اجتماعي أكثر فردية في عدة مناطق.

كما أن هناك العديد من العشائر والبطون التابعة لهذه القبائل، مما يجعل دراسة البُنية القبلية في سوريا غنية ومتشعبة، لكنها تفتقر حتى الآن إلى مبادرات توثيق منهجية دقيقة، أو إحصاءات حكومية معترف بها.

وتنشط قبيلة عنزة في محافظات دير الزور والرقة والحسكة وحلب، إلى جانب قبيلة شمر المنتشرة في الحسكة ودير الزور وفي عموم الجزيرة السورية.

في شرق سوريا، تُعد قبيلة العقيدات من أكثر القبائل حضوراً، وتتركز في محافظتي الرقة ودير الزور، كما تنشط قبيلة البقارة في الحسكة والرقة ودير الزور. وتمتد قبيلة الجبور في تلك المناطق أيضاً، حيث تشكل وجوداً مهماً في الرقة والحسكة. كذلك تنتشر قبيلة الدليم في البادية الشرقية ودير الزور.

أما في الوسط والجنوب السوري، فتظهر قبيلة النعيم في الرقة وحمص ودمشق ودرعا، بينما تحضر بني خالد في حمص وحماة ودير الزور والرقة. وتوجد قبيلة الظفير بشكل رئيسي في الجزيرة الفراتية شرق البلاد، وكذلك الولدة في الرقة ودير الزور ومناطق البادية، إلى جانب قبيلة اللهيب التي تتمركز في الرقة ودير الزور.

تشمل الخارطة القبلية أيضاً قبيلة العبيد في دير الزور والحسكة، والمحاميد في منطقة حوران ودرعا، والحريري التي تمتد من درعا إلى دمشق وحلب. وتتمركز الزعبي والمسالمة في حوران وجنوب سوريا، فيما تنتشر بني صخر في السويداء ودرعا والبادية الجنوبية.

في المناطق الشمالية والشرقية، تنتشر قبيلة كنانة في الرقة ودير الزور والحسكة، وتُعد العفادلة من القبائل النشطة في الرقة والبادية الوسطى، وتوجد الحديدين أيضاً في الرقة ودير الزور.

تراجع النفوذ التقليدي وصعود الشخصيات العسكرية

مصدر الصورة

يقول الدكتور حيّان دخان: "إن بُنية الزعامة التقليدية في القبائل السورية شهدت تراجعاً تدريجياً منذ عقود، متأثرة بانتشار التعليم، وتقلّص الاعتماد على النمط الرعوي، فضلاً عن الزحف الواسع نحو المدن".

ويضيف: "بيت المشيخة، الذي كان يحتكر القرار داخل القبيلة، تضاءل تأثيره بسبب تغيّرات اجتماعية عميقة، أبرزها صعود الطبقات المتعلّمة وتحوّل أنماط العيش".

لكن مع اندلاع الثورة السورية وتفكك سلطة الدولة المركزية، برزت مجدداً الهويات المحلية والولاءات الفرعية، مما أعاد بعض شيوخ القبائل إلى المشهد، لا سيما أولئك الذين راكموا النفوذ من خلال امتلاكهم السلاح والأرض والمال وشبكات من العلاقات الداخلية والخارجية، بما في ذلك مع أطراف إقليمية فاعلة.

ويوضح دخان أن كاريزما الزعيم القبلي ما تزال تؤدّي دوراً حاسماً في المجتمعات الريفية والهامشية، لكنها لم تعُد وحدها كافية لحسم السيطرة. "برزت خلال سنوات النزاع حالة تنافس بين بيت المشيخة الوراثي من جهة، وبين القيادات الجديدة التي صعدت ضمن التشكيلات المسلحة ذات الطابع القبلي من جهة أخرى"، مشيراً إلى أن هذا التنافس أفرز أشكالاً هجينة من الزعامة تجمع بين الشرعية التقليدية والسلطة العسكرية.

مصدر الصورة

ويلفت دخان إلى أن التحولات في بنية الزعامة القبلية "لم تكن مجرد انعكاس لحالة الفوضى"، بل كانت أيضاً نتيجة مباشرة لانهيار النموذج المركزي الذي كانت الدولة تفرضه لعقود. "عندما انسحبت الدولة من مناطق واسعة، تُركت فراغات سريعة الامتلاء، وكان طبيعياً أن تعود القبيلة كفاعل رئيسي، خصوصاً في المجتمعات التي كانت تُدار سابقاً عبر مركزية أمنية أكثر من كونها خدمية أو تمثيلية".

ويشير إلى أن شيوخ العشائر الذين تمكنوا من تأمين موارد - سواء من تجارة محلية أو دعم خارجي أو ارتباط بجهات إقليمية - استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم كسلطة شبه سياسية. "نحن أمام تحول من الزعامة الاجتماعية التقليدية إلى ما يشبه سلطة الأمر الواقع"، مؤكداً أن بعض شيوخ القبائل تحوّلوا إلى وسطاء بين السكان والقوى العسكرية المتنافسة، وهو ما منحهم وزناً يتجاوز الإطار العشائري البحت.

وفيما يتعلق بالعلاقة بين القبيلة والدولة، يرى دخان أن العقود الأخيرة شهدت توظيفاً سياسياً واضحاً للقبائل من قبل نظام الأسد السابق، سواء عبر الاستقطاب أو التهميش، "لكن بعد 2011، لم تعد الدولة الطرف الوحيد الذي يتعامل مع القبيلة؛ فهناك أطراف دولية وإقليمية دخلت على الخط من خلال دعم مجموعات قبلية محددة، بهدف خلق نفوذ على الأرض أو تأمين حواضن اجتماعية للقوى المسلحة التابعة لها".

ويشير دخان إلى أن كثيراً من النزاعات داخل المجتمع القبلي السوري "لم تعد تقتصر على النفوذ، بل باتت متشابكة مع خطوط الصراع السياسي والمناطقي والطائفي، ما زاد من تعقيد المشهد، وأضعف إمكانية العودة إلى نموذج موحد للزعامة التقليدية".

"لكل فتاة الحق أن تطير"

في قلب مجتمع عشائري يتمسك بتقاليده وسط صراعات الحرب والنزوح، تحكي آيات الحمادي، الشابة القادمة من قرية الشعرة بريف المعرة الشرقي في محافظة إدلب، قصة تحدٍّ طويلة لخوض طريق التعليم رغم كل الموانع الاجتماعية والسياسية.

"كنتُ الابنة الثانية لأبي وأمي، نشأت في قرية لا تعرف الحد الأدنى من مقومات الحياة. لا مركز صحي، ولا وسائل نقل، ولا أمان للفتيات اللواتي يحلمن بالتعليم"، تقول آيات لبي بي سي عربي، التي انتقلت عائلتها لاحقاً إلى ناحية سنجار، حيث يسكن خليط من العشائر، في محاولة لتأمين تعليم أفضل لها.

لكن الانتقال لم يغيّر طبيعة النظرة إلى الفتاة؛ فالخوف من العار والمجتمع بقي يلاحقها، كما تقول. "كانت البنات يُجبرن على ترك المدرسة مبكراً للعمل في تربية المواشي أو للزواج، كأن العلم عارٌ لا يُغتفر".

رفضت آيات الانصياع، ومع اندلاع الحرب السورية تدهور الأمن أكثر، وأعادت العشائر تشديد قبضتها الاجتماعية، كما تقول. ومع ذلك، "كان هناك صراع داخلي عنيف: أن أكون كبقية الفتيات، أم أن أثبت بأن القروية أيضاً تستحق أن تنجح".

وعندما عرض عليها الزواج، هكذا قالت آيات لنفسها: "كنت بحاجة لمن يحميني ويشجعني على إكمال الطريق. الحياة في المخيم لا ترحم، لكنني اخترت الاستمرار".

ورغم الظروف، تعتز آيات بجوانب من ثقافة بيئتها: "عاداتنا العشائرية مليئة بالنخوة والكرم، لكن كرامة الفتاة عندنا تُقاس غالباً بمدى طاعتها، لا بحجم أحلامها".

وتقول إنها تؤمن أن "النخوة العربية الحقيقية لا تُقيد المرأة، بل تكرّمها. لكل فتاة الحق أن تطير، دون أن يُقصّ جناحها قبل التحليق".

ما حجم القوة العسكرية لأبناء القبائل؟

بالاعتماد على ما توفر من تقارير موثوقة وتحقيقات صحفية وأكاديمية، يمكن تقسيم التشكيلات العسكرية ذات الخلفية القبلية التي نشأت أو برزت خلال النزاع السوري إلى مجموعات أدّت أدواراً متنوعة، بعضها إلى جانب النظام وبعضها ضده. ويصعب تقديم أرقام دقيقة عن أعداد هذه التشكيلات بسبب تغير تحالفاتها وتوزعها الجغرافي، لكن يمكن رسم صورة تقريبية لأبرزها:

في الشمال الشرقي من سوريا، برز "لواء الباقر"، الذي يتشكل أساساً من أبناء قبيلة البقارة، كواحد من أهم الفصائل الموالية للنظام.

نشأ هذا التشكيل في مدينة حلب وريفها، وارتبط اسمه لاحقاً بإيران من خلال التمويل والدعم اللوجستي، حيث حصل مقاتلوه على تدريبات من قبل الحرس الثوري الإيراني. شارك اللواء في معارك حلب وريفها الشرقي، وفرض حضوره بوصفه واجهة محلية ضمن مشروع النفوذ الإيراني في المنطقة، إلى جانب دوره في حماية المصالح الاقتصادية لبعض العائلات المرتبطة بالنظام، وفق معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

وتشير بعض التقديرات السورية المحلية إلى أن عدد مقاتليه بلغ في ذروته نحو 2000 مقاتل.

في مقابل ذلك، تشكلت فصائل قبلية معارضة للنظام مثل "جيش أحرار العشائر"، الذي ضم مقاتلين من قبائل عربية في الجنوب الشرقي (مثل بني خالد والنعيم) وكان ينشط في البادية ومنطقة اللجاة في محافظة درعا.

أدّى هذا الفصيل دوراً في العمليات ضد ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية أيضاً، وفق مؤسسة جيمستاون للأبحاث، ثم تراجع لاحقاً نتيجة الضغوط الروسية وسياسات المصالحات التي رعتها موسكو في الجنوب السوري. ورغم طبيعته المحدودة تسليحاً وعدداً، إلا أنه عُدّ من التجارب المبكرة لتسليح المجموعات القبلية في صفوف المعارضة.

أما في محافظة دير الزور، فقد برزت تشكيلات ذات طابع عشائري مختلَط، منها "مجلس دير الزور العسكري"، التابع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفق معهد دراسات الحرب (أي إس دبليو)، الذي يضم مقاتلين من قبائل "العكيدات والبقارة والجبور"، وقد أدّى دوراً في طرد تنظيم الدولة من شرق الفرات.

واجه المجلس لاحقاً تحديات متعلقة بضعف التمثيل القبلي الحقيقي فيه، ما أدى إلى احتجاجات محلية وانتقادات من شيوخ العشائر، وصلت أحياناً إلى اشتباكات مسلحة في الريف الشرقي من المحافظة، وفق تقارير إعلامية سورية.

في الرقة، تشكلت مجموعات محلية انضوت تحت راية "قسد" بدعم أمريكي، وضمّت أفراداً من عشائر "الولدة والسبخة والبوحمد"، لكنها لم تحظَ بتأثير مستقل بل اندمجت وظيفياً ضمن القيادة الكردية العامة لقوات سوريا الديمقراطية.

في إدلب وأريافها، رغم سيطرة فصائل ذات طابع إسلامي متشدد كـ "هيئة تحرير الشام"، فقد كان للعشائر حضور ضمن مجالس محلية أو لجان صلح، لا سيما في مناطق جبل الزاوية وسهل الغاب. لكن لم تشكل هذه العشائر كتلاً عسكرية منظمة بل كانت أقرب إلى الحاضنة الاجتماعية للفصائل المعارضة.

تشير هذه الأمثلة إلى أن التشكيلات العسكرية القبلية في سوريا لم تكن متجانسة لا من حيث الولاء ولا من حيث البنية التنظيمية. فبعضها تطور إلى قوات شبه نظامية، وبعضها اندثر بفعل الضغوط السياسية أو العسكرية. لكنّ العامل القبلي ظل عنصراً حاسماً في تجنيد المقاتلين، وفي بعض الأحيان في تسوية النزاعات المحلية أو فرض السيطرة على موارد معينة، كالنفط أو المعابر.

"تقلّب الولاءات ليس خيانة"

يشرح الدكتور حيّان دخّان، الباحث المتخصص في الديناميات القبلية في سوريا، أن انتقاد القبائل بأنها "تغيّر ولاءاتها" تجاه أطراف النزاع لا يعكس الحقيقة الكاملة. فهذه السلوكيات، بحسبه، لا تنبع من "خيانة وطنية" وإنما بسبب وجود خطر وجودي خارجي.

يشير دخّان إلى أنه بمجرد مواجه القبائل لتهديد يُرى أنه أكبر من كل الانتماءات السياسية، فإنها تتوحّد وتختار الدفاع عن أرضها أو شعبها، حتى وإن تطلّب ذلك تعديل الولاء بشكل مؤقت. وهذا النمط كما أوضح دخان "ليس محصوراً في المجتمع القبلي، بل يُرى في كل أنحاء العالم: فالانتماءات تتراجع أمام التهديدات الكبرى".

ولتعزيز هذا الطرح، يستشهد دخان بحالة العشائر الاسكتلندية (clan wars) التي دخلت في صراعات داخلية طاحنة عبر التاريخ، لكن حين جاء اجتياح خارجي أو تهديد من عدوان خارجي، تجمّعت العشائر خلف قيادة موحّدة للدفاع عن الجزيرة، رغم أن خلافاتهم كانت عميقة جداً. هذا الموقف التاريخي، كما يقول دخّان، يذكّر بأن الولاء القبلي "ديناميكي ومتكيّف" بحسب المصالح الأمنية والاجتماعية.

ويخلص دخّان إلى القول: "تغيّر الولاءات لا يعني أن القبائل جميعها على رأي سياسي واحد، بل هو رد فعل استراتيجي لمواجهة خطر وجودي يُهدّد البقاء المجتمعي. هذا تحوّل مؤقت يُفهم في سياق الواقعية السياسية، وليس طوعً أو نزوعاً نحو التبدّل".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا