(CNN)-- بعد واحد وعشرين شهرًا من حرب إسرائيل على غزة، يشهد القطاع تصاعدًا في مشاهد الموت والجوع، حيث يُقتل البعض أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات، ويموت آخرون جوعًا، وسط إدانة متزايدة لسلوك إسرائيل حتى من قِبل العديد من أقرب حلفائها.
وحذر رئيس منظمة الصحة العالمية، في مؤتمر صحفي، الأربعاء، من أن الفلسطينيين في غزة يعانون من "مجاعة جماعية" من صنع الإنسان بسبب الحصار على المساعدات المفروض على القطاع.
وقال المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس: "يخبرنا الآباء أن أطفالهم يبكون حتى يناموا من الجوع. أصبحت مواقع توزيع الغذاء أماكن للعنف".
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من ألف شخص قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية أثناء بحثهم عن الطعام منذ أواخر مايو/أيار الماضي، عندما بدأت مؤسسة غزة الإنسانية، وهي منظمة إغاثة جديدة مثيرة للجدل مدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، عملها.
ومن بين هؤلاء، لقي المئات حتفهم بالقرب من مواقع مؤسسة غزة الإنسانية، وفقًا للأمم المتحدة. أُنشئت المؤسسة لتحل محل دور الأمم المتحدة الإغاثي في غزة، وتعرضت لانتقادات واسعة في تحسين الأوضاع.
يعاني جميع سكان غزة، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، من انعدام الأمن الغذائي. وأعلنت وزارة الصحة في غزة، الثلاثاء، أن 900 ألف طفل يعانون من الجوع، وأن 70 ألفًا منهم يعانون بالفعل من أعراض سوء التغذية.
وقبل الحرب، كانت غزة بالفعل واحدة من أكثر المناطق عزلةً واكتظاظًا بالسكان على وجه الأرض، حيث كان يعيش حوالي مليوني شخص في مساحة 140 ميلًا مربعًا. وقد حافظت إسرائيل على سيطرة مشددة على القطاع من خلال حصار بري وجوي وبحري استمر لسنوات، مع قيود صارمة على حركة البضائع والأشخاص. وكان أكثر من نصف سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويعيشون تحت خط الفقر، وفقًا للأمم المتحدة.
وكان ما بين 500 و600 شاحنة محملة بالمساعدات تدخل غزة يوميًا قبل الحرب. وقد انخفض هذا العدد منذ ذلك الحين إلى متوسط 28 شاحنة فقط يوميًا، وفقًا لمجموعة من المنظمات الإنسانية، الأربعاء. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا الرقم يشمل الشاحنات المستخدمة في عمليات مؤسسة غزة الإنسانية.
وفي أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص واختطاف أكثر من 250 آخرين، فرضت إسرائيل حصارًا شاملًا على غزة، وقطعت إمدادات الكهرباء والغذاء والماء والوقود.
واندلعت أزمة إنسانية سريعة، حيث واجه السكان المحاصرون الجوع وحملة عسكرية إسرائيلية مدمرة ردًا على ذلك. وقد انتقدت جماعات حقوق الإنسان مرارًا استخدام إسرائيل الغذاء "كسلاح حرب"، واتهمتها بفرض "عقاب جماعي".
بعد ضغوط دولية، دخلت أولى شاحنات المساعدات إلى غزة أواخر أكتوبر/تشرين الأول. وبدأ وقف إطلاق نار مؤقت بين إسرائيل وحماس في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مما أدى إلى زيادة طفيفة في تدفق المساعدات. لكن الهدنة انهارت بعد أسبوع.
وتراجعت كميات المساعدات المرسلة لاحقًا، وأدت عمليات التفتيش الإسرائيلية الصارمة إلى تأخير وصول الشحنات. وقالت السلطات الإسرائيلية إن التفتيش ضروري لمنع حماس من تحويل مسار الإمدادات، لكن مسؤولين إنسانيين اتهموا إسرائيل بتعمد خنق المساعدات.
وتفاقمت الأزمة أكثر بسبب الحملة الإسرائيلية ضد الأمم المتحدة ونظامها لإيصال المساعدات، والذي وصفته إسرائيل بأنه غير فعال وسمح لحماس بمصادرة المساعدات. وتنفي الأمم المتحدة ذلك.
ومن بين الوكالات المستهدفة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي اتهمتها إسرائيل بتورط موظفين فيها في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. وخلص تحقيق للأمم المتحدة إلى أن تسعة من موظفي الأونروا البالغ عددهم 13 ألفًا في غزة "ربما" شاركوا في الهجوم ولم يعودوا يعملون في الوكالة.
وفي يناير/كانون الثاني من هذا العام، منعت إسرائيل الأونروا من العمل في غزة، مما أدى إلى قطع الخدمات الأساسية كالطعام والرعاية الصحية والتعليم عن مئات الآلاف من السكان.
وفي 19 يناير، تم التوصل إلى وقف إطلاق نار مؤقت آخر. استؤنفت المساعدات، لكنها ظلت أقل بكثير من المطلوب.
وأعادت إسرائيل فرض حصار شامل على غزة في 2 مارس/آذار بعد انتهاء الهدنة. بعد أسبوعين، استأنفت القتال، حيث صرّح مسؤولون بأن الهدف هو إجبار حماس على قبول شروط جديدة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
وبحلول يوليو/تموز، قدّر برنامج الغذاء العالمي أن ربع سكان غزة يواجهون ظروفًا أشبه بالمجاعة.
وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن ما لا يقل عن 80 طفلًا لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية منذ بدء الصراع. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن معظم هذه الوفيات حدثت بعد حصار مارس/آذار.
وفي مايو/أيار، أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية، وهي منظمة جديدة مثيرة للجدل مدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، أنها ستبدأ تقديم المساعدات بموافقة إسرائيلية. وقبل أيام قليلة من بدء عمل المنظمة، استقال مديرها جيك وود، قائلًا إنه من المستحيل القيام بعمله "مع الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية المتمثلة في الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية".
وأُنشئت مؤسسة غزة الإنسانية لتحل محل دور الأمم المتحدة في غزة، مع الامتثال للمطالب الإسرائيلية بعدم وصول المساعدات إلى حماس. وأعلنت مؤسسة (GHF) أنها ستنسق مع الجيش الإسرائيلي، على أن يتولى متعاقدون عسكريون خاصون توفير الأمن.
ورفضت الأمم المتحدة المشاركة، قائلةً إن نموذج مؤسسة غزة الإنسانية ينتهك بعض المبادئ الإنسانية الأساسية. وأشار المنتقدون إلى وجود عدد قليل فقط من مواقع توزيع المؤسسة في جنوب ووسط غزة - أقل بكثير من المئات في ظل نموذج الأمم المتحدة السابق. وقد أجبر هذا حشودًا ضخمة على التجمع في مواقع محدودة.
دافعت مؤسسة غزة الإنسانية عن نظامها، قائلةً إنه "نموذج آمن يمنع عمليات النهب".
ولكن بعد وقت قصير من بدء العمل بها في 27 مايو/أيار، تحولت الخطة إلى كارثة حيث تعرض طالبو المساعدة لإطلاق نار متزايد بالقرب من مواقع مؤسسة غزة الإنسانية.
وصرح مسؤولون فلسطينيون وشهود عيان بأن القوات الإسرائيلية مسؤولة عن معظم الوفيات. وأقرّ الجيش الإسرائيلي بإطلاق طلقات تحذيرية باتجاه الحشود في بعض الحالات، لكنه نفى مسؤوليته عن حوادث أخرى.
ولا تقتصر الوفيات على محيط مواقع مؤسسة غزة الإنسانية. ففي يوم الأحد، قتلت القوات الإسرائيلية العشرات ممن كانوا ينتظرون المساعدات في شمال غزة، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية. وقالت إسرائيل إن قواتها أطلقت طلقات تحذيرية بعد استشعارها "تهديدًا مباشرًا".
وسجلت وزارة الصحة 10 وفيات بسبب المجاعة وسوء التغذية خلال 24 ساعة من يوم الثلاثاء، ليصل إجمالي عدد الفلسطينيين الذين لقوا حتفهم جوعًا إلى 111 شخصا.