اعتبر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن الأمر العسكري الذي أصدرته اسرائيل لسكان ونازحين في منطقة دير البلح بوسط غزة بالتوجه جنوبا وجه "ضربة قاصمة أخرى" للجهود الإنسانية في القطاع المنكوب بسبب الحرب.
ويأتي ذلك في الوقت الذي قالت فيه وزارة الصحة في القطاع، التابعة لحركة حماس، إنها سجلت 18 حالة وفاة بسبب الجوع خلال 24 ساعة.
وكانت الوزارة قد قالت في وقت سابق من يوم أمس إن عشرات الفلسطينيين قُتلوا يوم الأحد بنيران الجيش الإسرائيلي أثناء انتظارهم للمساعدات الغذائية.
من جهته، قال الجيش الإسرائيلي إن جنوده "أطلقوا طلقات تحذيرية" لإزالة "تهديد مباشر"، مشكّكًا في عدد القتلى الذي أعلنته وزارة الصحة في غزة.
كان الجيش الإسرائيلي قد أصدر أمر إخلاء لمنطقة وسط قطاع غزة، لم تعمل قواته فيها من قبل.
وقال الجيش إن على الفلسطينيين الموجودين في المناطق الجنوبية الغربية من دير البلح وسط قطاع غزة، مغادرة المنطقة "فوراً"، والتوجّه جنوباً نحو منطقة المواصي إلى الغرب من خان يونس.
وأوضح الجيش أن أوامر الإخلاء تشمل القاطنين في الخيام من الفلسطينيين الذين نزحوا من مناطق أخرى في القطاع.
وحذر مكتب الأمم المتحدة في بيان من أن "أمر التهجير الجماعي الذي أصدره الجيش الإسرائيلي اليوم وجه ضربة قاصمة أخرى لشريان الحياة الهش أصلا الذي يبقي الناس على قيد الحياة في جميع أنحاء قطاع غزة".
وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، فإن الأمر الأخير يعني أن 87,8% من مساحة غزة أصبحت الآن تحت أوامر الإخلاء أو ضمن المناطق العسكرية الإسرائيلية.
وقال مراسل بي بي سي لشؤون غزة، عدنان البرش، إن أوامر الإخلاء الإسرائيلية سبق وأن شملت بعض المناطق الشرقية لدير البلح، لكنها شملت هذه المرة المناطق الجنوبية الغربية التي كان الجيش الإسرائيلي يطالب السكان بالتوجّه إليها فيما سبق.
وأضاف مراسل بي بي سي، أن المنطقة المطلوب إخلاؤها مكتظة بالسكّان والنازحين، بالنظر إلى أنها كانت تُعد فيما سبق من "المناطق الإنسانية".
وأوضح الجيش أن أوامر الإخلاء تشمل القاطنين في الخيام من الفلسطينيين الذين نزحوا من مناطق أخرى في القطاع.
ونشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية أفيخاي أدرعي، خارطة توضح الأماكن المطلوب إخلاؤها، مؤكّداً أن الجيش الإسرائيلي سيوسع أنشطته إلى مناطق لم يعمل فيها من قبل.
وسبق للجيش الإسرائيلي أن شنّ غارات جوية في تلك المنطقة، لكنه لم ينشر من قبل قوات برية فيها.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر إسرائيلية القول إن سبب بقاء الجيش بعيداً عن هذه المناطق حتى الآن هو اشتباههم في أن حركة حماس قد تحتجز رهائن هناك.
ويُعتقد أن ما لا يقل عن 20 من بين 50 رهينة لا يزالون أحياءً في قطاع غزة.
وبالتزامن مع استمرار أزمة سوء التغذية وشح المواد الغذائية في قطاع غزة، قالت وزارة الصحة في غزة إنها سجلت 18 حالة وفاة بسبب الجوع في القطاع خلال 24 ساعة.
أكدت الأمم المتحدة أن عشرات الآلاف من الأطفال والنساء يحتاجون إلى علاج عاجل، في وقت تدخل القطاع كميات شحيحة من المساعدات في ظل القيود الإسرائيلية.
وأفاد الدفاع المدني في غزة بأنه يرصد تزايد حالات "وفاة الأطفال الرضع نتيجة الجوع الحاد وسوء التغذية"، مؤكداً وفاة ثلاثة أطفال على الأقل خلال الأسبوع المنصرم.
ونقلت وكالة فرانس برس عن المتحدث باسم الجهاز، محمود بصل، قوله إن حالات الوفاة هذه هي "نتيجة نقص التغذية، غياب الحليب، وانعدام الرعاية الصحية الأساسية".
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قد أكّد مطلع يوليو/تموز الجاري أن سعر الدقيق أصبح أعلى بثلاثة آلاف مرة مما كان عليه قبل اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال مدير البرنامج، كارل سكاو، الذي زار مدينة غزة مطلع الشهر الجاري: "الوضع هو الأسوأ الذي رأيته في حياتي".
وكانت إسرائيل قد بدأت في الثاني من مارس/آذار، فرض حصار مطبق على القطاع بعد انهيار المحادثات لتمديد وقف إطلاق النار الذي أُبرم بداية العام 2025 واستمر ستة أسابيع. ومنعت إسرائيل دخول أي سلع حتى أواخر مايو/أيار، حين بدأت بالسماح بدخول عدد قليل من الشاحنات.
ومع نفاد المخزون الذي كان قد تجمع خلال فترة وقف إطلاق النار، تواجه غزة أسوأ نقص في الإمدادات منذ بداية الحرب قبل أكثر من 21 شهراً.
بالتزامن مع ذلك، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، أن حصيلة من وصلوا إلى مستشفيات القطاع، ممن وصفتهم بـ "المجوعين منتظري المساعدات" ارتفع منذ فجر الأحد إلى 73 قتيلاً، بينهم 67 قُتلوا في المناطق الشمالية من القطاع، إلى جانب أكثر من 150 جريحاً.
ونقلت وكالة فرانس برس عن المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، أن العشرات من القتلى والمصابين سقطوا إثر إطلاق الجيش الإسرائيلي النار باتجاه منتظري المساعدات بمنطقة زيكيم شمال غرب مدينة غزة.
وكانت وزارة الصحة في غزة قد أعلنت في وقت سابق ارتفاع الحصيلة الإجمالية للقتلى من بين الساعين للحصول على مساعدات إلى 922 شخصاً على الأقل منذ بدء مؤسسة غزة الإنسانية العمل في القطاع.
وبدأت "مؤسسة غزة الإنسانية" عملياتها في أواخر مايو/أيار في قطاع غزة عبر عدد من مراكز توزيع المساعدات.
وترفض الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الإنسانية العمل مع المؤسسة بسبب مخاوف بشأن حيادها وغموض مصادر تمويلها.
وبعد أسابيع من التقارير شبه اليومية عن مقتل عشرات الفلسطينيين أثناء انتظارهم المساعدات وعن مشاهد الفوضى والتدافع، أقرّت المؤسسة بأن 20 شخصاً قضوا في حادث يوم الأربعاء قرب مركز تابع لها في جنوب غزة.
وأبلغت الأمم المتحدة، الثلاثاء الماضي، أنها أحصت سقوط 875 قتيلاً من منتظري المساعدات منذ أواخر مايو/أيار، بمن فيهم 674 "قرب مراكز تابعة لمؤسسة غزة الإنسانية".
من جانبها، حمّلت حركة حماس في بيان إسرائيل والولايات المتحدة المسؤولية الكاملة عمّا وصفتها بـ "الجرائم التي تمثل استخداماً للمساعدات والتجويع لاستدراج الأبرياء وقتلهم والتنكيل بهم".
وندد البابا لاوون الرابع عشر، الأحد، بـ "همجية" حرب غزة، داعياً إلى وقف "اللجوء العشوائي للقوة"، وذلك بعد أيام على ضربة للجيش الإسرائيلي أصابت كنيسة كاثوليكية في القطاع.
وفي ختام صلاة التبشير الملائكي، جدد البابا دعوته إلى الوقف الفوري لـ "همجية الحرب وأن يتم التوصل إلى حل سلمي للصراع"، وذلك بعد مقتل ثلاثة أشخاص في القصف الذي طال الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في القطاع، يوم الخميس.
وقال البابا، الذي تحدث هاتفياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، غداة الهجوم على الكنيسة: "أعبر عن ألمي العميق حيال هجوم الجيش الإسرائيلي على الرعية الكاثوليكية للعائلة المقدسة في مدينة غزة".
ووجه البابا نداء إلى المجتمع الدولي "من أجل ضمان القانون الإنساني وحماية المدنيين ومنع العقاب الجماعي واللجوء العشوائي إلى القوة والتهجير القسري للسكان".
وكانت الكنيسة تؤوي نحو 600 نازح، غالبيتهم من الأطفال، ومن بينهم العشرات من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وأعلنت إسرائيل من جانبها، أن الجيش يحقق في الضربة التي أصابت الكنيسة.
وشنت إسرائيل حربا في قطاع غزة ردا على الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023 وأسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واختطاف 251 رهينة، بحسب البيانات الرسمية الإسرائيلية.
وأسفرت الحرب عن مقتل أكثر 58 ألف من سكان القطاع، بحسب وزارة الصحة في القطاع التابعة لحركة حماس.
وتُقتبس أرقام الوزارة من قبل الأمم المتحدة وغيرها كأكثر مصدر موثوق به للإحصاءات المتاحة حول أعداد الضحايا.