تسريب واحد لبيانات 25 ألف أفغاني يفتح أكبر فضيحة أمنية في بريطانيا
ثلاث سنوات من التعتيم بأوامر قضائية مشددة
وحين انكشف المستور… كانت الحكومة قد أنفقت مليارات لنقل المتضررين خوفًا من انتقام طالبان.
قضية أمنية تحوّلت إلى فضيحة سياسية… والكل يسأل: من يتحمل المسؤولية؟… pic.twitter.com/lgaGMPeLO8— AUK العرب في بريطانيا (@AlARABINUK) July 17, 2025
لندن- لا يبدو أن الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية والبريطانية من أفغانستان قبل 4 سنوات انتهى عند حدود خسارة التحالف الغربي لمنطقة نفوذ جديدة واستعادة حركة طالبان للسلطة، بل ما زالت ارتدادات لحظة الانسحاب المرتبكة تلك تلاحق الحكومات البريطانية المتعاقبة.
واحتد الجدل السياسي في لندن مجددا بشأن تخلي الجيش البريطاني عن آلاف المتعاونين الأفغان ممن خدموا مع قواته والذين يواجهون مصيرا غامضا بعد انسحابها من أفغانستان، إثر إعلان الحكومة البريطانية وقف مخطط لإعادة توطينهم في المملكة المتحدة صممته سابقتها لاستدراك تسريب هائل لبياناتهم عام 2022.
وكشفت صحف بريطانية أن لوائح طالبي اللجوء الأفغان المخترقة تضمنت إشارة لآخر موقع معروف لمقدمي تلك الطلبات، مما كان سيمنح حركة طالبان القدرة -لو وضعت يدها على القائمة- على تعقب أي فرد مدرج فيها في حال قرروا استهدافه.
وأشارت صحيفة فايننشال تايمز إلى أن لوائح التسريبات كشفت هوية جواسيس بريطانيين وأسماء أفراد من القوات الخاصة، من بين أكثر من 100 موظف حكومي بريطاني وردت أسماؤهم أيضا في تلك القوائم، فيما وصف بإهمال بالغ الخطورة لإدراج أسماء حساسة إلى جانب طالبي اللجوء الأفغان.
ولكن بعد رفع السرية عن القضية قبل أيام، جادل وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أمام البرلمان بأن "الأدلة على وجود خطر يهدد حياة آلاف الأفغان الذين ظهرت أسماؤهم على لوائح التسريبات ضئيلة"، ما شجع الحكومة على مراجعة المخطط ورفع التعتيم عنه.
ولا تبدو الحكومة البريطانية قلقة على مصير الآلاف من المتعاونين معها في أفغانستان، حيث خلصت المراجعة إلى أن حركة طالبان حصلت بالأساس على قاعدة معلومات واسعة بشأن نشاط أولئك الأفراد، ولن يشكل حصولها على قاعدة البيانات المسربة خطرا إضافيا عليهم.
ويرى نيك هارفي، وزير الدفاع البريطاني السابق، أن وقف برنامج الهجرة السري الهادف لحماية الأفغان المهددين بسبب خطأ جسيم في تأمين بياناتهم، قد ترك آلاف الأفغان لمواجهة مصير مجهول في ظروف قاسية، مما يضعف ثقة الشركاء المحليين في مناطق النزاع بقدرة الجيش البريطاني على حمايتهم في حال تعاونهم مع قواته.
ويضيف هارفي، الذي شغل منصب وزير الدفاع بين عامي 2010 و2012، للجزيرة نت، أن التبرير الذي قدم لتكتم الحكومة على واقعة التسريب، بحجة حماية المتعاونين الأفغان من انتقام حركة طالبان، كان ليبدو مقبولا لو استخدم كإجراء مؤقت، إلا أن استمرار هذا التستر لأكثر من عامين أثر بشكل كبير على فعالية إدارة برنامج التوطين.
وتصر حكومة حزب العمال الحالية أنها تواجه تركة ثقيلة من سوء الإدارة خلفتها 14 سنة من حكم المحافظين، وأن قرار وقف برنامج التوطين سيوفر للخزينة البريطانية 1.2 مليار جنيه استرليني، بعد أن كان مخطط الحكومة السابقة نقل 24 ألف أفغاني بكلفة 7 مليارات جنيه إسترليني.
وأفاد هيلي بأن أعداد الأفغان الذين تأثروا بخرق بياناتهم وتمت الموافقة على ترحيلهم إلى بريطانيا بلغ 7900 شخص، بينما لم يتجاوز عدد الذين تم نقلهم إلى الآن 900 من المتعاونين و3600 من عائلاتهم.
من جانبها، قالت إيفون ردلي، وهي صحفية بريطانية غطت الحرب في أفغانستان عام 2021 واحتجزتها حركة طالبان قبل أن تطلق سراحها لاحقا، إن الحكومات البريطانية تعاملت باستخفاف شديد مع الأفغان الذين خدموا لصالح القوات البريطانية، والذين عملوا في ظروف بالغة الخطورة على مدى سنوات.
وفي حديث للجزيرة نت، اعتبرت ردلي أن "خيانة الحكومة البريطانية لهؤلاء الأفغان ستشكل رادعا لكل من ترغب القوات البريطانية في تجنيده إلى جانبها، ما يثير تحفظات في أوساط صناع القرار العسكري البريطاني".
ويتصاعد الغضب والاحتجاج في صفوف البرلمانيين البريطانيين بسبب طلب الحكومات المتعاقبة منذ عام 2023 فرض السرية على فضيحة تسريب البيانات، ووضع مخطط سري للهجرة بكلفة 6 مليارات جنيه إسترليني بمعزل عن أي رقابة برلمانية.
وبلهجة تحذير حادة، طالب رئيس لجنة الاستخبارات والأمن اللورد بيميش -في رسالة للحكومة- بإطلاع البرلمان على جميع التقييمات الاستخباراتية التي دفعت المسؤولين البريطانيين لطلب فرض التعتيم الكامل والأول من نوعه في التاريخ البريطاني، مشددا على عدم وجود مبرر لحجب معلومات حساسة عن البرلمان.
من جهته، وصف العضو البارز في حزب المحافظين إدوارد لي، التدخل العسكري البريطاني في أفغانستان بـ"الخطيئة الأصلية"، داعيا الحكومات البريطانية للاستفادة من دروس التدخل في دول غير قابلة للسيطرة والحكم كالعراق، وليبيا وأفغانستان.
ولم يهدأ التراشق السياسي بين حزبي العمال الحاكم والمحافظين اليميني المعارض، بشأن من يتحمل مسؤولية سوء إدارة هذه القضية.
فقد دعا رئيس الوزراء كير ستارمر إلى محاسبة وزراء حكومات حزب المحافظين السابقة المتورطين في اتخاذ القرارات بشأن التعامل مع واقعة التسريب الضخم للبيانات ومحاولة استدراكها عبر برنامج لإعادة التوطين.
فيما هاجمت رئيسة الوزراء السابقة والقيادية في المحافظين ليز تراس فكرة ترحيل مهاجرين جدد إلى بريطانيا، واعتبرت إقرار مخطط بملايين الجنيهات لترحيل آلاف الأفغان "خطأ بحد ذاته".
ويصب الكشف عن برنامج هجرة المتعاونين الأفغان مزيدا من التوتر على سجال لا يتوقف في صفوف النخب الحزبية البريطانية، بشأن تدبير ملف الهجرة وتقليص أعداد المهاجرين الوافدين إلى البلاد.
وشن نايجل فاراج زعيم حزب الإصلاح اليميني "المتطرف" المعادي للمهاجرين هجوما لاذعا على المخطط السري للهجرة، متهما الحكومات البريطانية بعدم الكفاءة، وزاعما أن البرنامج استقدم أفغانًا من أصحاب السوابق الجنائية إلى البلاد.
وترى كاترين غلنياكي أستاذة سياسات الهجرة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، في تصريح للجزيرة نت، أن السياسات الحكومية في التعاطي مع تعقيدات ملف طالبي اللجوء تحركها دوافع التنافس الحزبي مع اليمين الشعبوي دون أن تأخذ بعين الاعتبار العواقب الوخيمة لإغلاق الباب في وجه طالبي اللجوء الذين يختارون ركوب القوارب الصغيرة في تحد للإجراءات البيروقراطية.
وحذرت منظمات حقوقية لشؤون اللاجئين، كمجلس اللاجئين البريطاني وجمعية "الحماية من أجل كاليه"، من أن إيقاف نظام الهجرة الأفغاني سيدفع المزيد من الأفغان لسلوك خيار الهجرة غير النظامية ومحاولة الوصول إلى السواحل البريطانية على متن قوارب المهربين.
من جانبها، ذكرت صحيفة تلغراف البريطانية أن محامين يستعدون للطعن في القرار الحكومي بوقف برنامج التوطين استنادًا للاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي تكفل الحماية للأشخاص المعرضين للخطر بدعوى تسريب بياناتهم، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام زيادة في طلبات اللجوء أو المطالبة بتعويضات لنحو 100 ألف أفغاني.