قالت المنظمة الدولية للهجرة إن نحو 80 ألف شخص نزحوا من منازلهم في محافظة السويداء جنوبي سوريا، منذ بدء أعمال العنف الأحد الماضي.
وأوضحت المنظمة في بيان الجمعة، أن "79 ألفاً و339 شخصاً نزحوا منذ 13 يوليو/تموز، من ضمنهم 20 ألفاً و19 شخصاً نزحوا في 17 تموز/يوليو"، مشيرة إلى أن الخدمات الأساسية في السويداء من كهرباء وماء "انهارت"، إذافة إلى نقص الوقود الذي "شلّ حركة النقل وعرقل عمليات الإجلاء الطارئة".
يأتي ذلك فيما أعلن تلفزيون سوريا صباح الجمعة، تجدد الاشتباكات العنيفة بين المقاتلين الدروز والبدو في محافظة السويداء السورية، رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
وأوضح التلفزيون السوري أن أحدث أعمال العنف وقعت قرب قرية الدور، بينما شنت قوات بدوية هجمات على مناطق ريفية أخرى غرب المحافظة.
في غضون ذلك، نفى المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا يوم الجمعة، ما تمّ تداوله حول استعداد قوات الأمن السورية لإعادة انتشارها في مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
وأكد البابا أن قوات وزارة الداخلية في حالة جاهزية طبيعية، لكن "دون أي تحرك أو انتشار في المحافظة حتى اللحظة".
من جهة أخرى، قال المتحدث الرسمي باسم أحد أكبر فصائل الطائفة الدرزية في السويداء لبي بي سي، إنه لم يعد هناك أي خطوط تواصل مع الحكومة، متهماً إياها بـ"الغدر" و "سفك دماء المدنيين الأبرياء"، على حد تعبيره.
وأشار المتحدث إلى أن "أصحاب الحل والربط في السويداء سينظرون في خيارات الحل" بشرط وجود "ضمانات دولية و إشراف أممي لإيقاف التدمير وحقن دماء السوريين"، مشيراً إلى أنهم فقدوا "أي ثقة بما يصدر عن الحكومة. ولا عهد لهم ولا ميثاق"، على حد قوله.
ووصف المتحدث، الذي فضل عدم ذكر اسمه، في تصريح خاص لـبي بي سي، حكومة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع بـ"الإرهابية"، عقب قرارها باتخاذ "الحل العسكري لدخول السويداء و الغدر بأهلها بحجة فض الاشتباكات بينهم و بين العشائر".
وكانت الرئاسة السورية قد أعلنت الخميس، سحب القوات العسكرية التي نشرتها في السويداء قبل أيام لفض الاشتباكات الطائفية فيها، مشيرة أن قرار سحبها جاء لإتاحة الفرصة أمام جهود التهدئة في محافظة السويداء، بناءً على تفاهم واضح يضمن التزام القوات الخارجة عن القانون بعدم اللجوء إلى الانتقام أو استخدام العنف ضد المدنيين.
فيما اتهم المتحدث الدرزي، القوات الحكومية بارتكاب "مجزرة بحق عشائر البدو في السويداء لافتعال فتنة بين الدروز و العشائر" على حد قوله، ما تلاه حملات "تجييش و إعلان الجهاد على الدروز لتدور اشتباكات دامية بين الطرفين"، محملاً القوات الحكومية مسؤولية " تدمير البنية التحتية و معظم المرافق الحيوية و حرق المنازل، و الغدر بالسويداء و أهلها".
من جانبها، اتهمت الرئاسة السورية في بيانها الخميس، "مقاتلين دروزاً خارجين عن القانون" بـ"خرق التفاهمات، والقيام بعملية عنف مروعة، وثَّقها العالم أجمع، تضمنت ارتكاب جرائم تتنافى كليّاً مع التزامات الوساطة، وتهدد بشكل مباشر السلم الأهلي وتدفع باتجاه الفوضى والانهيار الأمني".
وأكدت الرئاسة السورية على "التزامها الثابت بحماية جميع أبناء الشعب السوري، بمختلف طوائفهم ومكوناتهم"، و"محاسبة كل من تورّط في ارتكاب الجرائم وتجاوز القانون، أيًّا كانت الجهة التي ينتمي إليها"، وحذّرت مما قالت إنه "استمرار التدخلات الإسرائيلية السافرة في الشؤون الداخلية السورية، والتي لا تؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى والدمار، وتزيد من تعقيد المشهد الإقليمي".
ميدانياً، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بوقوع غارتين إسرائيليتين منفصلتين مساء الخميس بطائرات مُسيّرة، استهدفتا مقاتلين بَدْوَاً وآلية عسكرية سورية في السويداء، وهو ما أسفر عن مقتل خمسة جنود.
وأضاف المرصد أن المدنيين البدو بدأوا بالفرار من المحافظة، بعد "هجمات انتقامية" شنها مقاتلون دروز، فيما أعلنت العشائر العربية في سوريا النفير العام والتوجه إلى محافظة السويداء.
وأصدرت العشائر السورية بياناً قالت فيه: "نعلن نحن في مجلس القبائل والعشائر السورية النفير العام لكل أبناء القبائل والعشائر في سوريا، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها".
ووجّه البيان نداء للعشائر في كل المحافظات السورية، بالتوجه "فوراً" إلى السويداء لإنقاذ أهلهم من "المذبحة والتطهير العرقي"، مشددين على ضرورة "التحلي بأخلاق الإسلام والعروبة وألّا يعتدوا إلا على من اعتدى عليهم".
واستقبل المستشفى الحكومي في مدينة السويداء في جنوب سوريا أكثر من 400 جثة منذ صباح الاثنين، بينها جثامين لنساء وأطفال، بحسب ما أفاد الطبيب العامل في المستشفى ونقيب الأطباء في السويداء عمر عبيد.
وقال الطبيب: "البرادات لم تعد تتسع، الجثث انتفخت بالتأكيد هناك أكثر من 400 شهيد ما بين نساء وأطفال ومسنين ومقاتلين"، وذلك إثر أعمال العنف التي اندلعت الاحد بين مقاتلين من العشائر والبدو ومجموعات درزية. تدور مواجهات في محيط مدينة السويداء في جنوب سوريا.
وقُتل ما يقرب من 600 شخص في السويداء منذ اندلاع العنف الطائفي في 13 يوليو/تموز، فيما نزح نحو 2000 عائلة "جرّاء أعمال العنف"، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
وأفاد مراسلو وكالة فرانس برس هناك بأن مدينة السويداء بدت يوم الخميس مدمرة، حيث نُهبت المتاجر وأُحرقت المنازل وتناثرت الجثث في الشوارع.
وقالت هنادي عبيد، وهي طبيبة تبلغ من العمر 39 عاماً: "ما رأيته بدا كما لو أن المدينة خرجت لتوها من فيضان أو كارثة طبيعية".
في الوقت نفسه، قالت إسرائيل إنها سترسل مساعدات إنسانية للدروز في سوريا.
وصرحت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان لها، بأنه "على خلفية الهجمات الأخيرة التي استهدفت الدروز في السويداء، والوضع الإنساني المتردي في المنطقة، أمر وزير الخارجية جدعون ساعر بنقل مساعدات إنسانية عاجلة إلى الدروز في المنطقة".
وأضافت الوزارة الإسرائيلية أن قيمة المساعدات ستبلغ مليوني شيكل (حوالي 600 ألف دولار أمريكي)، وستشمل طروداً غذائية ومستلزمات طبية.
وفي يوم الأربعاء، قُتل 5 عناصر من الفرقة 70 التابعة لوزارة الدفاع، نتيجة استهداف مُسيّرةٍ إسرائيليةٍ سيارةً عسكريةً على طريق ظهر الجبل في السويداء، بحسب المرصد.
وكانت إسرائيل قد دعت الحكومة السورية إلى ضرورة الانسحاب من الجنوب، قائلة إنها لن تسمح للإسلاميين بالتوسع على حدودها.
من جهة أخرى، حثّ رئيس مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجمعة، السلطات السورية على ضمان المساءلة والعدالة فيما يتعلق بعمليات القتل والانتهاكات في السويداء.
وقال فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان، في بيان: "يجب أن يتوقف سفك الدماء والعنف، ويجب أن تكون حماية الجميع على رأس الأولويات، بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان".
من ناحية أخرى، أكد وزير الخارجية السعودي، في اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي، ماركو روبيو، على ضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية على سوريا.
وأفادت قناة العربية، السعودية، بأن وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، أكد خلال اتصال هاتفي مع روبيو أمس على أهمية احترام سيادة سوريا وضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية على أراضيها.
وجاء الاتصال في حين دعا مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة، عبد العزيز الواصل، إلى الوقف الفوري للهجمات الإسرائيلية على سوريا.
كما أفادت وسائل إعلام سعودية بأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تلقى اتصالاً من الرئيس السوري، أكد خلاله على ضرورة دعم المجتمع الدولي لدمشق ومنع التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد.
وأصدرت عشر دول عربية، إلى جانب تركيا، بياناً مشتركاً الخميس، جددت فيه دعمها لوحدة سوريا وسيادتها، ورفضها التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.
وعقب "مناقشات مكثفة" على مدار اليومين الماضيين حول التطورات في سوريا، أصدر وزراء خارجية مصر، والأردن، ولبنان، والعراق، والإمارات، والبحرين، والسعودية، وعُمان، وقطر، والكويت، بالإضافة إلى تركيا، بياناً رحّبوا فيه أيضاً بالاتفاق الذي تم التوصل إليه لإنهاء الأزمة في السويداء.
وحثّ البيان الرئيس السوري أحمد الشرع على محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ضد المواطنين السوريين في السويداء، وأدان الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سوريا.
كما دعا البيان المجتمع الدولي إلى دعم الحكومة السورية في عملية إعادة إعمار البلاد.