آخر الأخبار

ينتحرون منذ اليوم الأول للمعركة.. ماذا يحدث لجنود جيش إسرائيل؟

شارك

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انتحر أربعة وأربعون جنديًا، وتسارعت الوتيرة في الأيام العشرة الأخيرة، حيث وضع ثلاثة جنود حدًا لحياتهم.

أولهم من لواء "ناحال"، قاتل في غزة عامًا كاملًا، وانتحر بعد نقله إلى هضبة الجولان السورية، والثاني من لواء "غولاني"، أطلق النار على نفسه في قاعدة "سدي تيمان" بصحراء النقب، بعد خضوعه لتحقيق ترتب عليه سحب سلاحه منه. أما الثالث، فشكا لزملائه من معاناته الطويلة من الويلات والفظائع التي شاهدها أثناء الحرب، ثم أطلق النار على نفسه.

تحوّل الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي إلى ظاهرة، وصار السبب الثاني لفقدان الحياة أثناء المعركة، في وقت يتعرض فيه جنوده لخسائر فادحة إثر الكمائن والفخاخ التي تنصبها المقاومة الفلسطينية، التي تخوض "حرب عصابات" فعالة ضد قوات الاحتلال. فيما يرفض عدد من الجنود العودة للقتال في غزة، وقد زجّت السلطات ببعضهم في السجن لقاء تمردهم هذا.

يشكو جنود إسرائيليون كثيرون من اعتلال نفسي؛ بسبب خوفهم على حياتهم من جهة، وما ترتكبه أيديهم من قتل ودمار في غزة من جهة أخرى، خاصة من بين المحاربين القدامى الذين احتاج 75% منهم إلى دعم نفسي، إلى جانب آلاف يعالجون نفسيًا من آثار اضطراب "ما بعد الصدمة"، ما اضطر الجيش الإسرائيلي إلى توفير نحو ثمانمئة أخصائي نفسي لعلاجهم.

وتتحدث صحف إسرائيلية عن عجز الحكومة عن الإحاطة بالحالة المعنوية للجنود، وعدم قدرتها على تلبية طلبات كبيرة للدعم النفسي، وهي مسألة لفتت انتباه منظمة "كسر الصمت" للمحاربين القدامى، التي اتهمت الجيش بأنه يتكتّم على التجارب النفسية القاسية للجنود والضباط.

فيما اتهمت صحيفة "هآرتس" القيادة العسكرية بأنها سجّلت كثيرًا من المنتحرين على أنهم "مصابو حوادث"، ووصف البعض على مواقع التواصل الاجتماعي في إسرائيل المعتلين نفسيًا من أثر الحرب بأنهم "ضحايا 7 أكتوبر/ تشرين الأول الصامتون".

إعلان

وفي تقرير لموقع "إنسانيد أوفر" الإيطالي، تحدّث الجندي الاحتياطي في الجيش الإسرائيلي دانيئيل إدري عن صور الأجساد المتفحمة التي كانت تطارده في صحوه ومنامه، قبل أن يضرم النار في جسده قرب مدينة صفد أثناء مشاركته في الحرب بغزة ولبنان، معبرًا عن هذا في رسالة إلى أحد رفاقه قال فيها: "أخي، عقلي ينهار. لقد أصبحت خطرًا، قنبلة جاهزة للانفجار".

واعترفت والدته بأن ابنها كان "يتعرض لعذاب داخلي ينهش روحه، بسبب ذكريات أليمة سكنت رأسه من ساحات الحرب، وعجزه عن التحرر من رائحة اللحم المحترق وصور القتلى والمصابين، ما أفقده القدرة على النوم، لا سيما أنه خسر صديقين له في الحرب، وكانت مهمته نقل جثث رفاقه القتلى، ما ضاعف معاناته".

وشاركتها الرأي والدة الجندي الاحتياطي المنتحر إليران مزراحي، الذي خدم في غزة ثمانية وسبعين يومًا فقط، حين قالت عن ابنها: "لقد خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه أبدًا".

لم يقتصر الأمر على انتحار جنود، بل طال ضباطًا أيضًا، ومنهم ضابط في الخدمة الدائمة أطلق النار على رأسه بعد أسبوعين من انطلاق حرب "طوفان الأقصى"، وثانٍ برتبة مقدم، وثالث برتبة رائد، ورابع كان يعمل طبيبًا في قوات الاحتياط، وطالما شكا من عدم قدرته على مواصلة رؤية الأجساد المتفحمة والدماء.

يجعل هذا الظاهرةَ في الجيش الإسرائيلي تأخذ بُعدًا أكثر عمقًا من أي وقت خاضت فيه إسرائيل حروبها من قبل، ما يفتح بابًا للتساؤل عن فقدان كثيرين من جنوده وضباطه تدريجيًا للسمات التي يجب أن تتوافر في شخصية المقاتل، ومنها الثقة بالنفس، والشجاعة والإقدام، والإيمان بعدالة القضية التي يحارب من أجلها.

كما تفتح هذه الظاهرة قوسًا لمضاهاة ما يجري للجنود الإسرائيليين بما دفع، عبر تاريخ الحروب، أمثالهم إلى الانتحار، لأسباب مستقرة تقريبًا، ومنها الشعور بالهزيمة، أو عدم القدرة على تحقيق النصر، أو عدم جدوى الحرب، والخوف على الحياة، أو الخوف من الوقوع في الأسر، أو الإحساس بانفصال القيادة العسكرية عن ظروف الميدان، أو تلقي الجنود أوامر بارتكاب جرائم حرب، أو أفعال غير إنسانية، أو طول أمد الحرب دون ظهور أي أفق لنهاية الوجود في ميدان المعركة.

وهي أسباب سبق أن دفعت مئات الجنود الألمان إلى الانتحار في نهاية الحرب العالمية الثانية، ومئات الجنود الأميركيين في العراق، إلى درجة أن وزارة الدفاع الأميركية (US Department of Defense) أصدرت مذكرة اعترفت فيها بأن انتحار الجنود هو أعقد المشكلات التي تواجه الجيش. وتكرر الأمر في صفوف جنود أميركيين عادوا من الحرب في أفغانستان.

في العموم، تعزو دراسات وتقارير حول أسباب الانتحار في صفوف الجيوش إلى اضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، وتعاطي الكحول، والتعرض للسخرية أو التنمر والتحرش الجنسي، إلى جانب القلق والتاريخ المرضي لبعض الجنود الذين يستعذبون إيذاء النفس، فضلًا عن الشعور بتأنيب الضمير.

وهي مسألة صورها بعمق الشاعر الأميركي من أصل صربي تشارلز سيميك في سيرته الذاتية المعنونة بـ "ذبابة في الحساء" (A Fly in the Soup)، حين تساءل عما كان يشعر به الطيارون في الحرب العالمية الثانية، وهم يضغطون على أزرار فتسقط القنابل على رؤوس المباني والناس وتحرق الأخضر واليابس.

إعلان

وهناك أسباب أخرى تخص الحالة الإسرائيلية، منها البيروقراطية العسكرية التي زادت صرامتها في الحرب الأخيرة، والإهمال الشديد للجنود، والاستهتار بحياة الفرد المقاتل، وهي حالة جديدة على المجتمع الإسرائيلي، لا سيما في ظل شعور الجنود بأن الحكومة ليست معنية بحياة الأسرى، بعد أن أعلنت تطبيق بروتوكول "هانيبال" منذ بداية الحرب.

وهناك أيضًا الضغوط المتواصلة التي يمارسها ضباط ميدانيون على جنودهم كي لا يبوحوا بأوجاعهم النفسية حتى لا يتسرب الإحباط إلى المقاتلين، ومن خالف منهم هذه الأوامر تم تحويله إلى المحاكمة العسكرية، وفُرضت غرامات على البعض، وهُدد آخرون بالسجن.

وهناك سبب جديد يخص الجيش الإسرائيلي، يتحدث عنه بعض العسكريين هناك، وهو أن الجيش يضطر إلى تجنيد أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية، فضغط الحرب لا يمنحه وقتًا للتدقيق، وهناك خوف من أن يقود الفحص إلى استبعاد كثيرين، ما يجعل الجيش، وبشكل تدريجي، بلا مقاتلين تقريبًا.

ولذا يتصرف قادة الجيش الآن وفق قاعدة تقول: "نقاتل بمن يتوافر"، لا سيما أن 15% من الجنود النظاميين الذين حاربوا في غزة وعُولجوا نفسيًا رفضوا العودة إلى القتال. لكن قيادة الجيش أعادت من يعانون من إعاقة نفسية تزيد على 50% إلى الحرب، وهو موقف عبّر عنه أحد الضباط قائلًا: "نحن بحاجة إلى أكبر عدد من البنادق. سنتعامل مع العواقب لاحقًا".

ويفاقم كل هذا الوضع النفسي والمعنوي في صفوف الجيش، وهي مسألة يتوقع معها أخصائيون أن تعاني إسرائيل من علاج خمسين ألفًا على الأقل من جنودها نفسيًا خلال السنوات التي تعقب توقف الحرب، وهذا معناه ببساطة تزايد عدد المنتحرين، سواء أثناء القتال أو بعده.

ورغم أن الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي ليس جديدًا، حيث انتحر نحو 1230 جنديًا منذ حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، لأسباب نفسية، فإن حرب "طوفان الأقصى" شهدت اختلافًا واضحًا في هذا الشأن.

فمن قبل، كان الجنود ينتحرون بعد أن تضع الحرب أوزارها، أما اليوم فإنهم ينتحرون أثناء جريان المعارك، وهي مسألة لفتت انتباه يوسي تيفي بلز، رئيس "مركز أبحاث الانتحار والألم النفسي"، فقال: "هذا الأمر كان مفاجئًا جدًا، فقد وقعت حالات الانتحار خلال أول أيام القتال، وليس بعد المعارك كما جرت العادة".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل سوريا بشار الأسد

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا