في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
ريف اللاذقية- أعادت الحرائق في ريف اللاذقية الشمالي مشهد النزوح القسري للأهالي من جديد، ففي عام 2016 وإبان اقتحام قوات نظام الأسد لتلك القرى والبلدات عاشوا تهجيرهم الأول إلى مخيمات اللجوء في الشمال السوري و تركيا ، ليواجهوا النزوح مجددا بعد عودتهم إلى منازلهم وقراهم عقب سقوط الأسد بفعل اشتداد النيران مؤخرا التي أتت على أراضيهم وممتلكاتهم.
وبعد 12 يوما من العمل المتواصل نجحت فرق الدفاع المدني السورية وبمشاركة محلية ودولية بإخماد حرائق جبال ريف اللاذقية الشمالي والسيطرة عليها، بعد أن تسبب بنزوح كبير لسكان المنطقة.
وأعلن وزير الطوارئ والكوارث في الحكومة السورية، رائد الصالح ، سيطرتهم على الحرائق بشكل كامل، بعد جهود متواصلا ليلا ونهارا، وأعتبرها "ملحمة حقيقية" في مواجهة النيران التي التهمت آلاف الهكتارات من الغابات السورية.
تقول يارا (24 عاما) للجزيرة نت، إنها كانت مع عائلتها في قرية قسطل معاف، عندما أخذت الحرائق تشتعل في القرى المجاورة، ووصلت "بلمح البصر" -حسب وصفها- إلى قريتهم والحي الذي يقطنون به وحُوصروا بالنيران.
وتضيف "أخرجونا بسرعة إلى مدرسة القرية، ثم جاءتنا قوات الجيش والأمن الداخلي، وطلبوا منا الخروج إلى النقطة 45، وهي منطقة مرتفعة وآمنة قرب القرية، وأديرت بها بعض عمليات الحريق، وانتظرنا هناك حتى نقلنا إلى اللاذقية وتم تأميننا".
وبعد يومين من إخماد النيران وعودتها وعائلتها إلى القرية، وجدت يارا أن أرضهم المزروعة بأشجار الزيتون والحمضيات المثمرة، تحولت إلى رماد، حيث وصلت الحرائق لمنزلهم والتهمت نوافذه وبعض أثاثه.
وفي قرية قسطل معاف ذاتها يقطن أبو محمد وعائلته التي نزحت ليوم واحد إلى قرية مجاورة وعادت لتجد منزلها وقد تضررت واجهته بفعل الحريق.
يقول أبو محمد "تضررنا مرتين، أكبرها عند قصف نظام الأسد لنا وإجبارنا على النزوح من قرانا وبلداتنا وسرقة منازلنا بالكامل. وبعد عودتنا جاءت النيران لتلتهم على ما تبقى من أملاكنا".
وعن أهم احتياجات الأهالي، تحدث أبو محمد عن أنهم يريدون خراطيم مياه بعد احتراق القديمة، مشيرا إلى أنهم تكبدوا خسائر بأثمان الخراطيم السابقة حين عودتهم إلى قريتهم بعد سقوط الأسد تقدر بـ11 مليون ليرة سورية (1100 دولار).
واحترقت أيضا -حسب أبو محمد- جميع أراضيهم الزراعية التي يعتاشون منها، وتشكل مصدر دخل رئيسي لهم، لا سيما أشجار اللوزيات والزيتون التي يتجاوز عمرها مئات السنين، والتي تعد ميراثهم الحقيقي من الآباء والأجداد.
وأتت النيران أيضا على جميع الكابلات الكهربائية في قسطل معاف والقرى المجاورة، وبات أبو محمد يعيش على ضوء الشموع فقط، لعدم قدرته على شراء وسائل طاقة بديلة لارتفاع أسعارها.
"دعمتنا بعض المنظمات المحلية بشكل فوري بلوح طاقة شمسية صغير، والطعام وقوارير المياه، لكننا ما زلنا بحاجة للفرش وبعض الأساسيات المنزلية الهامة" يقول أبو محمد الذي وجّه نداء للمنظمات الدولية بضرورة دعمهم ماليا وغذائيا بالحبوب والبقوليات، في ظل ضرورة ملحّة لإيجاد حلول ودعم للأراضي الزراعية لعدم امتلاكهم مصادر رزق سواها.
يأتي ذلك وسط جهود مجتمعية شابة، بدأت سعيها نحو إعادة الحياة سريعا إلى تلك المناطق، بهدف تسهيل عودة المتضررين والنازحين إلى منازلهم، وتقول مديرة فريق مرساة الساحل، رغد الخربوطلي، "رصدنا احتياج قرية قسطل معاف بريف اللاذقية، التي زاد عدد المتضررين فيها بفعل الحرائق عن 1000 شخص، حوالي 200 عائلة".
والأكثر تضررا في المنطقة كان في النواحي الخدمية، بحسب رغد، التي تحدثت عن تعطل كبير بشبكات المياه والكهرباء التي تأذت سابقا على يد قوات الأسد، وقالت "نسعى الآن مع جميع الفرق والجمعيات لمساندة الدفاع المدني من غذاء وماء، ومضخّات التبريد للسيطرة على الحرائق".
وأكدت أن أبرز معاناة المتضررين الآن تكمن بانعدام سبل العيش بعد احتراق أراضيهم الزراعية، وتحتاج لفترة طويلة لإعادة تهيئتها مجددا، مشيرة إلى أنه مع إطلاق محافظة اللاذقية حملة "بأيدينا نحييها"، تبرز أولوياتهم الآن في تأمين سبل العيش، وأماكن السكن الجيدة لإعادة النازحين إليها، وإعادة القرى المتضررة أفضل من السابق.
وفي سياق مواز، قال المتطوع الميداني في فريق الحياة، زاكي الصالح، إنهم كانوا بجانب قوات الدفاع المدني والفرق المشاركة في تأمين الطعام والشراب.
وأضاف للجزيرة نت، أنه مع اشتداد الحرائق، بدؤوا "كواجب عليهم" بتأمين احتياجات فرق الدفاع، من تغذية خزانات المياه، وتأمين الوقود للآليات وسيارات الإطفاء والأجهزة اللاسلكية للتواصل بين الفرق، إضافة إلى بقائهم بجانب الدفاع المدني ومشاركتهم بإخماد الحرائق، مشيرا إلى أن الدعم مقدّم من سوريين في الخارج والداخل، وأن الكارثة أعطت صورة تعاضد السوريين بقدر استطاعتهم.
من جانبه، قال عضو مجلس إدارة الدفاع المدني، أحمد يازجي، "عندما شعرنا بامتداد النيران للقرى المسكونة، مثل بيت عيسى وأفك، كان أكبر همنا إخلاء القريتين، وأخذ السكان إلى مناطق آمنة بعيدة".
وأضاف اليازجي "نقلنا أيضا الحيوانات إلى مناطق آمنة، ولم تسجل أي إصابة في الحرائق خلال عمليات الإخلاء، رغم إصرار بعض الأهالي على البقاء في منازلهم".
وكانت محافظة اللاذقية أطلقت الأربعاء الماضي حملة "بأيدينا نحييها"، لإعادة الجبال كما كانت عليه، وترميم الأضرار في منطقة قسطل معاف ومحيطها، ومساعدة الأهالي ممن تضررت منازلهم ودعم سبل العيش بعد احتراق أراضيهم الزراعية.