الخرطوم- بشكل يومي وفي الصباح الباكر، تنطلق آمنة سليمان جوهر من منطقة الديوم الشرقية جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم لتتجه جنوبا نحو بئر في حي قريب، وتدفع أمامها ما يتعارف عليه محليا باسم "الدرداقة" (أداة للنقل اليدوي)، وتنقل عليها حمولات من الماء، وذلك بعد أن أعطبت كافة خطوط إمداد المياه المعتادة عبر الشبكات بسبب الحرب.
فالمنطقة التي تعيش فيها آمنة كانت منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023 إحدى مناطق انتشار وسيطرة قوات الدعم السريع ، وذلك حتى تاريخ 20 مايو/أيار الماضي، الذي أعلن فيه تحرير كامل العاصمة الخرطوم بواسطة القوات المسلحة السودانية ، بعد أن تعرضت المنطقة كغالب العاصمة لتدمير ممنهج لخدمات الكهرباء والمياه.
فقد فككت قوات الدعم السريع المحطات ودمرت معداتها، بقصد إجبار السكان على إخلاء المنطقة، فضلا عن إشكالات أمنية أخرى، عايشتها آمنة بنفسها كسواها من المواطنين، الذين لم تسلم دورهم وممتلكاتهم من أعمال النهب والسرقة، لكنها تقول للجزيرة نت إنها ظلت تقاوم وبقيت رغم التهديدات.
وتعكس رحلة آمنة اليومية لجلب المياه معاناة متعددة الجوانب، فبخلاف معاناة الحصول على الماء تضيف أن "الاتصالات لا تزال من المشاكل المرهقة للسكان الذين ظلوا بتلك المناطق، وتشكل مع نقص الماء والكهرباء مقيدات أمام الذين يرغبون بالعودة".
وبأسى ظاهر في نبرتها، تقول آمنة للجزيرة نت "تعرضنا لمعاناة عظيمة قبل وصول قوات الجيش وطرد قوات الدعم السريع، لقد تعرضنا للإرهاب والقهر"، وأضافت "الآن الأوضاع من ناحية الأمن ممتازة، لا يوجد ما يقلق سوى غياب غالب الأسر الذين بعودتهم ستعود الحياة لنظامها وتعجل باستعادة الخدمات في الحي".
وإلى جانب غياب خدمات المياه والكهرباء، يواجه سكان مناطق جنوب الخرطوم مشاكل أخرى مرتبطة بتداعيات فترة الحرب، ومن أبرزها تحول بعض الميادين والساحات في وسط الأحياء إلى مقابر مؤقتة، وذلك بسبب أن قوات الدعم السريع كانت تمنع مراسم دفن الموتى من السكان المحليين في المقابر الرسمية كمقابر الرميلة أو فاروق أو الصحافة.
ويشير المواطن محمد بابكر قدس، وهو من منطقة الديوم، إلى مشكلة المقابر المؤقتة، إذ تحول ميدان رابطة المايقوما إلى مقبرة بعد أن كان ساحة للنشاط الرياضي ولعب كرة القدم، الأمر الذي يستدعي تدخل النيابة العامة والجهات العدلية والطب الشرعي لنقل رفات الموتى منها إلى المقابر المعتادة.
كما تحدث قدس عن مشكلة إضافية تتعلق بمخلفات الحرب التي خالطت القمامة المتراكمة، والتي يتم التعامل معها بالحرق، لكنه يقول في حديثه للجزيرة نت: "الأوضاع المعيشية وإن لم تكن جيدة إلا أنها باتت أفضل، وذلك بعد عودة بعض الأسواق والأنشطة التجارية، رغم الصعاب التي تتمثل برداءة شبكة الاتصالات وانعدامها أحيانا، وتأثيرات ذلك على خدمات التطبيقات البنكية".
ويبدو قدس في حديثه متفائلا بحذر، إذ يشير إلى إيجابية كبيرة تتمثل باستقرارالأوضاع الأمنية واختفاء التهديدات، لكنه بالمقابل يتحدث عن توقف سوق العمل وانقطاع الرواتب.
وفي بعض المناطق القريبة من قلب العاصمة، مثل الشجرة والرميلة، وأخرى أبعد في جنوب الخرطوم، وتحديدا في ضاحية الكلاكلات، تبدو حركة الناس أشد كثافة، مع تزايد واضح في وتيرة الأنشطة التجارية، رغم استمرار مشاكل انقطاع الاتصالات وضعفها، إلى جانب أزمات المياه والكهرباء.
هذا الواقع دفع سكان أحياء مثل أبو آدم، والعزوزاب، والدباسين، وود عجيب، إلى الاعتماد على الجهود الشعبية وتبرعات المواطنين لتوفير أنظمة طاقة شمسية تساعد في تأمين المياه.
وشهدت ولاية الخرطوم استئنافا جزئيا للإمداد المائي عبر الشبكات، وذلك رغم الدمار الكبير الذي طال معظم المحطات المغذية. وأفاد المدير العام لهيئة مياه الولاية المهندس محمد علي العجب أن التحديات لا تقتصر على الدمار، بل تشمل أيضا غياب الإمداد الكهربائي، خاصة مع انحسار منسوب مياه النيل في الوقت الراهن، وهو ما يعيق جهود المعالجة المؤقتة للأزمة.
وأوضح العجب في حديثه للجزيرة نت أن الجهود الحالية تتركز على إعادة 5 محطات إلى الخدمة، منها محطة الشجرة التي عاودت العمل مؤخرا، لكنها واجهت مشكلات في الخطوط الناقلة التي تعرضت لعدة تخريبات، وهذا اضطر الهيئة إلى إيقاف العمل مؤقتا.
وأضاف العجب أن محطة مياه بيت المال، التي تغذي أحياء أم درمان القديمة، دخلت الخدمة بنسبة تشغيل بلغت 60% فقط من طاقتها الكاملة، في حين أصبحت محطة الجريف شرق -الواقعة شرق العاصمة الخرطوم- في مراحلها النهائية للتشغيل.
أما في منطقة بحري شمال الخرطوم، فأكد مدير الهيئة أنه تم استئناف الضخ بشكل جزئي، وتُجرى التحضيرات حاليا لتشغيل المضخة المساعدة بمحطة الصهريج.
وفيما يخص منطقة جبل أولياء، أوضح أن المحطة التي كانت تعمل بـ3 خطوط تعرضت لتدمير كامل في خطين، بينما استُعيد العمل في الخط الثالث، والذي من شأنه تغطية احتياجات منطقة جبل أولياء، إلى جانب أجزاء من الكلاكلات والاحتياطي المركزي جنوب الخرطوم.