في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لا يُسمح فيها سوى بالأبيض الناصع من الأزياء، الذي يُضيء وسط خضرة عشب فريد بين ملاعب "الكرة الصفراء"، بحضور جمهور يحرص على تذوق طبق "الفراولة بالكريمة" الشهير في ملاعب ويمبلدون، وهو الطبق الذي يحتوي على مزيج من حدة اللون الأحمر مع صفاء اللون الأبيض.
إنها بطولة العراقة والتقاليد والإرث البريطاني، التي يُنظر إليها على أنها ذروة المجد في رياضة كرة المضرب التي يُهذب فيها عنفوان اللاعبين وانفعالهم وسلوكهم في إطار من التقاليد الصارمة التي تشمل الجمهور أيضاً.
تُعرف البطولة، التي انطلقت عام 1877 على ملعب يتبع نادي عموم إنجلترا للكروكيه وكرة المضرب، بأنها أعرق منافسات "الكرة الصفراء" وأكثرها جاذبية للاعبين والجماهير.
وهي أهم بطولات كرة المضرب الأربعة الكبرى (الغراند سلام)، إلى جانب بطولات أستراليا وفرنسا والولايات المتحدة المفتوحة.
يرى فيها البريطانيون منافسة تعكس التقاليد البريطانية والعادات التي يصرون على التمسك بمعظمها.
كما يحرص المنظمون على إبقاء هذه البطولة جذابة لأبناء الطبقة الوسطى الذين يشجعون بتهذيب وانضباط، في ملعب عشبي أخضر محاط بأزهار خلابة تعبر عن الريف البريطاني.
ويسعون إلى إبراز إرث هذه المنافسة العريقة الممتد على مدى قرن ونصف من الإرسالات المتبادلة والكؤوس المرفوعة، والصراخ والدموع والأمطار المعتادة في هذا الوقت من العام.
تقول كلير ستانلي، وهي مذيعة في بودكاست (Murray Musings) المختص بكرة المضرب، لبي بي سي إن بطولة ويمبلدون غارقة في التقاليد، وهي البطولة الوحيدة التي تُلعب على العشب، وهو سطح فريد من نوعه لا يُلعب عليه إلا لفترة قصيرة جداً على مدار العام.
وتضيف: "أنا محظوظة بما يكفي لزيارة بطولات ويمبلدون والولايات المتحدة وأستراليا وملاعب رولان غاروس … ملاعب ويمبلدون هي المفضلة لدي، فهي تحظى بالرعاية الجيدة".
يُمكن القول أن التقليد الأكثر شهرة في البطولة هو إلزام جميع المشاركين بارتداء الزي الأبيض بالكامل.
يعد لون الزي من قواعد البطولة المطبقة منذ البطولة الأولى، ويُسمح بارتداء اللون الأبيض العاجي أو الكريمي.
ويرجع السبب إلى أن لاعبي كرة المضرب في القرن التاسع عشر كان يرتدون اللون الأبيض لتجنب بقع العرق على الملابس الملونة، والتي كانت تعد "غير لائقة".
قال روبرت ليك، مؤلف كتاب "التاريخ الاجتماعي لكرة المضرب في بريطانيا"، في وقت سابق لبي بي سي، إن الزي الأبيض يبدو نظيفاً وأنيقاً ومرتباً، ويمثل الجمال، ويعكس أيضاً راحة الطبقة المتوسطة العليا تاريخياً".
يقول مدير تحرير صحيفة "تنس غازيت" جون فيرال، لبي بي سي، إن اللون الأبيض باردٌ في الصيف حين تقام البطولة.
ومنذ عام 2023، يُسمح للاعبات في بطولة ويمبلدون بارتداء سراويل داخلية داكنة اللون لتخفيف "مصدر محتمل للقلق" للاعبات أثناء فترة الطمث.
ومع ذلك، يجب على اللاعبة التي تقرر ارتداء السراويل الداخلية، التأكد من أن طولها لا يزيد عن طول تنورتها.
ويُسمح بزخارف بألوان مختلفة، على خطوط العنق، والقبعات، وربطات الرأس، وأساور المعصم، والجوارب، والسراويل القصيرة، والتنانير، والملابس الداخلية، بشرط ألا يزيد عرضها عن سنتيمتر واحد.
وفي حالات عدة طُلب من لاعبين تغيير ملابسهم.
رفض النجم أندريه أغاسي اللعب في ويمبلدون من عام 1988 إلى عام 1990 لأسباب منها أن قواعد اللباس منعته من ارتداء الملابس البراقة التي كان يشعر براحة أكبر عند ارتدائها، وفق دائرة المعارف البريطانية.
يقول تشارلز رانسي لبي بي سي، وهو رئيس سابق للشؤون الرياضية في المناطق الإنجليزية في هيئة الإذاعة البريطانية: عندما شارك أغاسي لأول مرة ثارت تكهنات كثيرة عمّا سيرتديه، وبعد دخوله الملعب الرئيسي، فكّ سحّاب بدلته الرياضية، فكان يرتدي ملابس بيضاء بالكامل وسط هتافات استحسان من جماهير الملعب الرئيسي".
ويُطبق نظام لباس أكثر مرونة في ملاعب التدريب.
ويجب أن تكون الأحذية بيضاء بالكامل بما يشمل النعال والأربطة، وكذلك المعدات والأدوات الطبية ما أمكن، ويمكن تلوينها عند الضرورة القصوى.
في 2013، وُجهت ملاحظة للسويسري روجر فيدرر لارتدائه حذاءً أبيض بنعل برتقالي، وُأجبر على استبداله في مباراته التالية.
وقالت أسطورة كرة المضرب مارتينا نافراتيلوفا إن مسؤولي البطولة "ذهبوا بعيداً جداً" عندما أخبروها في إحدى المباريات أن تنورتها ذات الخطوط الزرقاء لم تكن على مستوى القواعد.
وفي عام 2017، طُلب من الأمريكية فينوس ويليامز تغيير ملابسها في منتصف المباراة، خلال فترة استراحة بسبب المطر، بسبب ارتداء حمالات صدر ذات لون وردي.
وفي بطولة 2002 أُجبرت اللاعبة آنا كورنيكوفا على استبدال سروالها القصير (الشورت) لأنه أسود، لتستعير سروالاً رجالياً أبيض اللون من مدربها
في الجهة الجنوبية من الملعب المركزي، توجد المقصورة الملكية التي تحتوي 74 مقعداً باللون الأخضر الداكن.
ومنذ افتتاح الملعب المركزي في 1922، تستضيف المقصورة المشاهير والرياضيين والملوك طيلة أيام البطولة.
ويُعفى المدعوون من الوقوف في طوابير أو دفع رسوم الدخول.
يُدعى ضيوف المقصورة لتناول الغداء قبل بدء اللعب، بالإضافة إلى الشاي والمشروبات بعد انتهائه.
ويُشترط في ضيوف المقصورة ارتداء سترة وربطة عنق وحذاء.
في 2015، مُنع بطل سباقات الفورمولا واحد البريطاني لويس هاميلتون من دخول المقصورة لمشاهدة مباراة الصربي نوفاك ديوكوفيتش والسويسري روجيه فيدرر في نهائي فردي الرجال.
وبرر المنظمون المنع بعدم ارتداء هاميلتون بدلة رسمية كما تنص القواعد الصارمة للبطولة، إذ كان يرتدي قميصاً متعدد الألوان وسروالاً فاتح اللون.
لا تقتصر متعة حضور مباراة في بطولة ويمبلدون على منافسات "الكرة الصفراء"، فهناك طبق شعبي وشهي بانتظار الحضور، "الفراولة بالكريمة".
تُقدم هذه الوجبة الخفيفة منذ البطولة الأولى في 1877.
تعد الفراولة من الأطعمة الشهية الموسمية، ولم تكن متوافرة في سنوات سابقة إلا لبضعة أسابيع في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز المصادف لموعد البطولة.
وجبة من الفراولة بالكريمة تُقدم خلال بطولة ويمبلدون
40 ألف كيلوغرام من الفراولة تُستهلك، وكذلك
10 آلاف لتر من الكريمة
BBCويُقدم شاي ما بعد الظهيرة الفاخر في البطولة، بالإضافة للشطائر والكعك.
لا تخطئ العين العشب في ملاعب ويمبلدون، وهو الفارق المهم الذي يميز البطولة عن بطولات "الغراند سلام" الأخرى.
تُقام بطولتي أستراليا والولايات المتحدة على ملاعب ذات أرضية صلبة، أما بطولة فرنسا فتُعرف بأرضيتها الترابية.
وقد يكون اللعب على العشب تحدياً للاعبين لأنه أسرع سطح في هذه الرياضة.
وكانت ملاعب العشب من أكثر الأسطح شيوعاً في ملاعب كرة المضرب، لكنها أصبحت نادرة جداً بسبب التكلفة العالية اللازمة لصيانتها.
تُجزّ ملاعب ويمبلدون العشبية يومياً، وتُجدد الخطوط البيضاء يومياً، وتستغرق هذه العملية ساعتين، بدءاً من الساعة 7:30.
سواء كانت الأمطار تهطل بغزارة أو أشعة الشمس ساطعة، فوجود المظلات ملحوظ.
ويكثر استخدام المظلات الخضراء والأرجوانية، كما يُلاحظ ارتداء بعض الجماهير بونشو ويمبلدون الرسمي - نوع من الملابس الخارجية الفضفاضة يُستخدم للحماية من المطر.
ولا يفرض المنظمون قواعد صارمة على ملابس الجمهور، لكن الملابس الأنيقة تبقى مفضلة.
ويُمنع ارتداء الجينز الممزق والأحذية الرياضية المتسخة وأي شيء يحمل دلالات سياسية ممنوعة.
ويُفضل تجنب ارتداء القبعات ذات الحواف العريضة، لأنها قد تعيق رؤية الجالسين في الخلف.
ويبدو ارتداء "قبعات بنما" شائعاً بين الجمهور منذ بداية القرن العشرين.
ومُنع الجمهور من استخدام عصا التصوير الذاتي "السيلفي"في بطولة عام 2015.
يخلو الملعب المركزي الشهير للبطولة تقريباً من الإعلانات.
"ببساطة، تتخلى بطولة ويمبلدون عن فرصة كسب ملايين الجنيهات كل عام لضمان أن تبدو الملاعب أنيقة ونظيفة"، وفق فيرال.
يتحدث فيرال عن "رقيّ حقيقي" تسعى ويمبلدون دائماً إلى الحفاظ عليه عبر عدم وجود تلك الإعلانات.
أما رانسي فيتحدث عن رغبة المنظمين في ملعب "خالٍ من الإعلانات المبهرة".
ويضيف: "البساطة تعني الفخامة، فيمكنك بسهولة رصد إعلانات باهظة الثمن للرعاة: رولكس (لوحة السرعة والساعات)، وآي بي إم ورينج روفر (لوحة النتائج)، وإمارات (المصورون في الملعب الرئيسي)، وباركليز (كرسي الحكم). إنهم ليسوا أغبياء في النواحي المالية".
وبالرغم من تمسك المنظمين بتقاليد البطولة وعاداتها، إلا أن التقنيات الحديثة دخلت الملعب العشبي.
فمنذ عام 2007، تُعتمد تقنية "هوك آي" (عين الصقر) لمعاونة الحكام في البطولة، ويمكن للاعبين الاعتراض على القرارات المرتبطة بملامسة الكرات للأرض.
ولأول مرة في تاريخ البطولة الممتد لـ 148 عاما، سيغيب الرجال والنساء المتمركزون في الجزء الخلفي من الملاعب والذين يصرخون "آوت" أي خرجت الكرة، في كل مرة تكون فيها الكرة خارج الخطوط، لأن المنظمين ألغوا وجود حكام الخط التقليديين لصالح نظام إلكتروني بدءاً من 2025.
وشكل حكام الخط الذين يرتدون ملابس أنيقة جزءاً من البطولة العريقة.
هذه المرة هناك عينا صقر حقيقيتان، والمهمة رصد الحمام فوق الملاعب.
يألف مرتادو منافسات البطولة وجود روفوس وهو يحلق فوق الملاعب.
فالصقر يتجول حول ملاعب ويمبلدون منذ 2008، للتأكد من خلو المساحات العشبية من الحمام، وإخافتهم لمنعهم من أكل العشب.
يستيقظ الصقر في الخامسة صباحاً، وهو أول الواصلين للملعب المركزي.
وعندما ينتهي من عمله، يتناول الطعام. ووجبته المفضلة طبق كبير من الدجاج، لكنه لا يحب الدجاج المقلي.
استمراراً لتقاليد البطولة المميزة، لم تكن تقام المباريات في يوم الأحد الأوسط من البطولة.
وابتداءً من 2022، تراجع المنظمون عن هذا التوقف، بفضل "التطورات في تكنولوجيا العشب وصيانته"، وبالتالي "لم تعد الملاعب بحاجة إلى يوم راحة في منتصف البطولة".
وفي ظل التمسك إلى حد كبير بتقاليد البطولة، يرى رانسي وجود حاجة لبعض التعديلات في ويمبلدون.
يقترح رانسي، الذي غطى منافسات البطولة لسنوات لصالح بي بي سي، منع اللاعبين من التذمر والصراخ والصياح أثناء اللعب، والحد من صراخ وأصوات المتفرجين.
وكذلك يتمنى رانسي عدم السماح للمتفرجين الضيوف بالذهاب لتناول الغداء، مما يؤدي إلى صفوف من المقاعد الفارغة، والحد مما أسماه "هوس التلفزيون" بمن يجلس في المقصورة الملكية، قائلاً: من يهتم؟