آخر الأخبار

كيف أصبحت جماعة مُنبثقة عن القاعدة واحدة من أخطر الجماعات المسلحة في أفريقيا؟

شارك
مصدر الصورة

يُعد تنظيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبط بتنظيم القاعدة، الجماعة الرئيسية وراء تصاعد الهجمات الجهادية المسلحة التي تجتاح عدة دول في غرب إفريقيا، وخاصة بوركينا فاسو ومالي والنيجر.

ففي الأول من يوليو/ تموز، أعلنت الجماعة أنها نفذت هجوماً منسقاً كبيراً استهدف 7 مواقع عسكرية في غرب مالي، بما في ذلك مناطق قريبة من الحدود مع السنغال وموريتانيا.

وتتزايد المخاوف بشأن التأثير الذي قد تُحدثه الجماعة على استقرار المنطقة.

وقد عانت كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر من صعوبة في احتواء هذا العنف، وكان ذلك أحد العوامل التي ساهمت في وقوع عدة انقلابات عسكرية في دول الساحل الثلاث خلال السنوات الخمس الماضية.

لكن، وعلى غرار الحكومات المدنية التي تم الإطاحة بها، تبدو المجالس العسكرية الحاكمة غير قادرة أيضاً على وقف التهديد الجهادي المتصاعد، خاصة من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

ما هي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين؟

أصبحت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين واحدة من أخطر الجماعات الجهادية في إفريقيا خلال بضع سنوات فقط.

وتشكّلت الجماعة في مالي عام 2017، كائتلاف يضم 5 جماعات مسلحة جهادية:


* أنصار الدين

* كتيبة ماسينا

* المرابطون

* أنصار الإسلام

* فرع الصحراء من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي

وقد بدأت هذه الجماعات بالتعاون بعدما تمكنت القوات الفرنسية من دحر عدد من التنظيمات الجهادية والانفصالية التي كانت تنشط في شمال مالي عام 2012. وفي نهاية المطاف، اجتمع قادة هذه الجماعات لتشكيل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

وفي السنوات الأخيرة، وسّعت الجماعة من نطاقها الجغرافي، وأقامت مناطق جديدة للعمليات.

ويترأس الجماعة إياد أغ غالي، وهو دبلوماسي مالي سابق ينتمي إلى عرقية الطوارق. وكان على رأس انتفاضة الطوارق ضد الحكومة المالية عام 2012، والتي سعت لإقامة دولة مستقلة للطوارق تسمّى "أزواد". أما نائب زعيم الجماعة، أمادو كوفا، فينتمي إلى عرقية الفولاني.

ويعتقد المحللون أن القيادة المركزية للجماعة تُوجّه الفروع المحلية التي تنشط في منطقة الساحل بغرب إفريقيا.

ورغم صعوبة تحديد العدد الدقيق للمقاتلين في صفوف الجماعة أو عدد المنضمين حديثًا، إلا أن الخبراء يقدّرون أن عددهم قد يصل إلى عدة آلاف، وهم في الغالب من الشباب والفتيان الذين يفتقرون إلى فرص اقتصادية في واحدة من أفقر مناطق العالم.

ما أهداف الجماعة؟

ترفض الجماعة سلطة حكومات منطقة الساحل، وتسعى لفرض تفسيرها المتشدد للإسلام والشريعة في المناطق التي تنشط فيها.

ويقول المحللون إن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين معروفة في بعض المناطق بفرض قواعد صارمة على الملبس، وحظر الموسيقى والتدخين، وإلزام الرجال بإطلاق اللحى، ومنع النساء من التواجد في الأماكن العامة بمفردهن.

ويقول إيفان غيشوا، الباحث البارز في المركز الدولي لدراسات النزاعات في بون، إن هذا الشكل من الإسلام قد يتعارض مع الطريقة التي يمارس بها الدين في المجتمعات المحلية.

ويضيف: "هذه الممارسات تشكل قطيعة واضحة مع الأعراف الدينية الراسخة، ومن المؤكد أنها ليست شائعة أو شعبية جدّاً".

واستطرد قائلاً: "لكن مدى جاذبيتها لا يعتمد فقط على طبيعتها، بل أيضاً على ما تستطيع الدولة تقديمه، وهناك الكثير من خيبة الأمل تجاه ما قامت به الدولة خلال السنوات الماضية".

وقد تجعل خيبة الأمل من النظام القضائي العلماني بعض الناس أكثر تقبلاً لفكرة المحاكم الشرعية.

أين تنشط الجماعة؟

بعد انطلاقها في وسط وشمال مالي، وسّعت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نطاق نشاطها بسرعة. وبينما تتركز معاقلها الأساسية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، نفّذت الجماعة أيضاً هجمات في بنين وتوغو، وفي وقت من الأوقات في كوت ديفوار.

ووفق "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود GI-TOC"، وهي منظمة مجتمع مدني، فإن الجماعة تنشط حالياً في جميع أنحاء مالي و11 من أصل 13 إقليمًا في بوركينا فاسو.

وخلال العام الماضي، أصبحت بوركينا فاسو مركزاً رئيسياً لأنشطة الجماعة، وخصوصاً في المناطق الحدودية الشمالية والشرقية، ويُعزى ذلك جزئياً إلى الانقسامات والانشقاقات داخل الجيش البوركيني، إضافة إلى مدى تغلغل المسلحين في المجتمعات المحلية، وفقاً لما ذكرته بيفرلي أوتشينغ، كبيرة المحللين في شركة "كونترول ريسك" للاستشارات الأمنية.

وقالت لبي بي سي: "تمتلك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين القدرة على التغلغل داخل المجتمعات المحلية أو استغلال المظالم المحلية كوسيلة للتجنيد أو لكسب التعاطف مع قضيتهم".

مصدر الصورة

هل يتسع نطاق هجمات الجماعة؟

تشير تحليلات فريق رصد الإعلام الجهادي في "بي بي سي مونيتورينغ" إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت ارتفاعاً غير مسبوق في وتيرة الحوادث العنيفة في بوركينا فاسو، كما وقعت هجمات كبيرة مؤخرًا في كل من مالي والنيجر وبنين.

وفي النصف الأول من عام 2025، أعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تنفيذ أكثر من 280 هجوماً في بوركينا فاسو أي ضعف عدد الهجمات في نفس الفترة من عام 2024، بحسب بيانات تحقق منها فريق "بي بي سي".

وتقول الجماعة إنها قتلت ما يقرب من 1000 شخص في منطقة الساحل منذ أبريل/ نيسان الماضي، معظمهم من أفراد القوات الأمنية أو الميليشيات التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية، وفقًا لبيانات "بي بي سي مونيتورينغ".

وقتل نحو 800 من بينهم في بوركينا فاسو وحدها، واحتلت مالي المرتبة الثانية بعدد ضحايا بلغ 117، تلتها بنين بـ74 قتيلاً.

ويقول الباحث إيفان غيشوا: "وتيرة الهجمات في شهر يونيو/ حزيران كانت غير مسبوقة، لقد كثّفوا عملياتهم بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الماضية".

وتوضح بيفرلي أوتشينغ أن المسلحين يستخدمون مجموعة متنوعة من التكتيكات تهدف إلى التسبب بأقصى قدر من الاضطراب.

وتقول: "يضعون عبوات ناسفة بدائية الصنع في الطرق الرئيسية، ولديهم قدرات تنفيذ هجمات بعيدة المدى، كما أنهم يستهدفون القوات الأمنية في القواعد العسكرية، ولذلك يأتي الكثير من أسلحتهم من هذه المواقع، وقد هاجموا أيضاً مدنيين في حالات يُعتقد فيها أن المجتمعات المحلية تتعاون مع الحكومة".

ووفق تقرير حديث صادر عن "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود GI-TOC"، فإن جماعات مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين استفادت من خدمات "ستارلينك"، وهي شركة مملوكة لإيلون ماسك توفّر الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، لتعزيز قدراتها.

وتوفر "ستارلينك" خدمة الإنترنت عالي السرعة في المناطق التي تفتقر إلى تغطية شبكات الهاتف المحمول أو تعاني من ضعف الاتصال.

وتقول GI-TOC إن الجماعات المسلحة تُهرّب أجهزة "ستارلينك" إلى البلاد عبر طرق تهريب معروفة جيدًا.

وقال أحد المحللين في GI-TOC لبرنامج "فوكس أون أفريكا" الذي تبثه بي بي سي: "لقد جعلت ستارلينك من السهل جداً على هذه الجماعات التخطيط للهجمات وتنفيذها، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتجنيد الأعضاء، وتنفيذ المعاملات المالية، والحفاظ على الاتصال بقادتهم حتى أثناء الاشتباكات المباشرة".

وقد تواصلت "بي بي سي" مع شركة "ستارلينك" للتعليق على هذه المعلومات.

مصدر الصورة

كيف تموّل الجماعة؟

لدى الجماعة مصادر دخل متعددة.

في وقتٍ من الأوقات في مالي، كانت تجمع الأموال من خلال خطف الأجانب مقابل فدية، لكن عدد الأجانب في البلاد تراجع بسبب تدهور الوضع الأمني.

وقد أصبحت سرقة المواشي الآن مصدر دخل رئيسي، وفقًا لما قاله محلل في GI-TOC، فضّل عدم الكشف عن هويته حفاظًا على سلامته في مالي.

وقال المحلل: "مالي تُعد من كبار مصدّري المواشي، لذلك من السهل عليهم سرقة الحيوانات وبيعها".

وتُظهر أبحاث GI-TOC أن الجماعة حققت 770 ألف دولارمن تجارة المواشي في عام واحد في منطقة واحدة فقط من مالي، واستانداً إلى هذا الرقم، فإن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قد تجني ملايين الدولارات من سرقة الماشية.

كما تفرض الجماعة ضرائب متعددة، بحسب الخبراء.

ويقول تقرير GI-TOC: "إنهم يفرضون ضرائب على الذهب، لكنهم في الواقع يفرضون ضرائب على أي شيء يمر عبر أراضيهم، سواء كانت بضائع قانونية أو غير قانونية".

ومضى التقرير قائلاً: "وقد تكون هناك ضريبة على شكل ابتزاز، حيث تطلب الجماعة من السكان دفع أموال مقابل الحماية".

وتُشير بيفرلي أوتشينغ إلى أن المسلحين معروفون أيضاً بإقامة حواجز، يتعيّن على الناس عندها دفع رسوم للدخول أو الخروج من المنطقة.

ماذا عن جهود محاربتهم؟

كانت القوات المسلحة الفرنسية على الأرض لدعم الحكومة في مالي لما يقرب من عقد من الزمن، حيث تمركز أكثر من 4 آلاف جندي فرنسي في منطقة الساحل لمحاربة الجماعات التي شكّلت لاحقاً جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى.

وعلى الرغم من بعض النجاحات الأولية التي حققتها فرنسا في عامي 2013 و2014، حيث استعادت أراضي من المسلحين وقتلت عدداً من القادة البارزين، فإن ذلك لم يوقف نمو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بعد تأسيسها.

وأشار محلل فيGI-TOC إلى أن "جهود مكافحة التمرد فشلت حتى الآن بسبب الفكرة السائدة بأن الجماعة يمكن هزيمتها عسكريًا، لكن إنهاءها لن يتحقق إلا عبر التفاوض".

وفي عام 2014، توحدت دول الساحل لتشكيل قوة المهام المشتركة لـ"مجموعة الساحل الخمس" (جي 5)، وهي قوة تضم 5 آلاف جندي من دول مختلفة. ومع ذلك، انسحبت بوركينا فاسو ومالي والنيجر خلال السنوات الأخيرة، مما قوض قدرة القوة على مواجهة التمرد.

أما بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي (مينوسما)، والتي لم تكن جزءاً من جهود مكافحة التمرد، فقد كانت موجودة أيضاً في البلاد لمدة عقد من الزمن لدعم الاستقرار، لكنها انسحبت في نهاية عام 2024.

مصدر الصورة

وقعت انقلابات عسكرية في مالي عامي 2020 و2021، وفي بوركينا فاسو عام 2022، وفي النيجر عام 2023.

ويقول محللون إن ضعف الحكومات في ظل المجالس العسكرية الحاكمة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر سمح لجماعات متطرفة مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بالازدهار.

وقد سارعت هذه المجالس إلى مطالبة القوات الفرنسية بالمغادرة، واستبدلتها بالدعم الروسي وقوة مشتركة شكلتها الدول الثلاث في الساحل.

ورغم انسحاب مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية بالكامل من مالي، فإن "فيلق أفريقيا"، وهي مجموعة شبه عسكرية تابعة للكرملين، ستبقى في البلاد.

وفي بوركينا فاسو، يشكّل ما يُعرف بـ"جيش المتطوعين"، الذي أُطلق عام 2020 قبل الانقلاب العسكري، أحد الأساليب المستخدمة لمحاربة المسلحين. وقد أعلن قائد المجلس العسكري إبراهيم تراوري عن رغبته في تجنيد 50 ألف مقاتل.

لكن الخبراء يقولون إن العديد من هؤلاء المتطوعين يُجبرون على الالتحاق بالقوة، وبسبب ضعف التدريب، فإنهم يتكبدون خسائر فادحة في الأرواح، وغالباً ما يكونون هدفاً لهجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

كما اتُهمت المجالس العسكرية في بوركينا فاسو ومالي من قبل منظمات حقوق الإنسان بارتكاب فظائع ضد المدنيين، لا سيما من إثنية الفولاني. وتقول جماعات حقوقية إن الحكومة كثيراً ما تخلط بين الفولانيين والجماعات الإسلامية المسلحة، مما يعرقل جهود السلام بشكل أكبر.

وبحسب GI-TOC، فإن الحكومة العسكرية في مالي وحلفاءها الروس تسببوا في سقوط 1,486 ضحية مدنية بين يناير/ كانون الثاني من عام 2024 ومارس/ آذار من عام 2025.

مصدر الصورة
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا