آخر الأخبار

انفلات أمني وصراع وزارات.. كيف يبدو المشهد السوداني؟

شارك
حرب السودان مستمرة منذ منتصف أبريل 2023

تتزايد المخاوف في السودا وسط انفلات أمني خطير وصراع محتدم على قسمة الوزارات والسلطة في ظل وجود أكثر من 105 حركة مسلحة في البلاد التي تشهد حربا مستمرة للعام الثالث على التوالي وأدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 150 ألف وتشريد نحو 15 مليونا محدثا خسائر بمليارات الدولارات، بحسب الأمم المتحدة.

حذّر تقرير حديث صادر عن "منتدى الدفاع الإفريقي" من تشكُّل واقع جديد في السودان يعزّز نشوء مناطق نفوذ وسيطرة متعددة في أنحاء البلاد، إذا لم يُكبح التزايد المستمر في الحركات المسلحة، الأمر الذي يُقوِّض إمكانية إقامة حكم مركزي موحّد.

وفي ظل احتدام التنافس بين الحركات المسلحة التي تنحدر من مناطق متفرقة، برزت منذ بداية القتال "كتيبة البراء" التي تُعَدّ من الأذرع الرئيسية لتنظيم الإخوان المسلمين، ويتهمها البعض بإشعال الحرب بهدف تحقيق غاية أكبر تتمثل في الحيلولة دون العودة إلى التحول المدني، خاصة بعد فشل انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في احتواء الرفض الشعبي لحكم العسكر، ومع إعلان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو تخلّيه عن دعم الانقلاب.

كما تحالفت مع الجيش أربع حركات كانت تقود التمرّد في دارفور والنيل الأزرق إبان عهد البشير، وهي حركتا جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، إضافة إلى حركتي مالك عقار ومصطفى تمبور.

تعقيد المشهد

مع إطالة أمد الحرب، باتت العديد من الحركات المسلحة تعمل بشكل متزايد خارج إشراف قيادة الجيش لتحقيق أجندات عِرقية وسياسية، وبعضها يتحرّك تحت مظلة عقائدية مثل "كتيبة البراء" التي تضم مقاتلين شديدي الولاء لتنظيم الإخوان وفلول نظام عمر البشير الذي أُطيح به في ثورة شعبية في إبريل 2019.

ويقول إيرين بانوزو، الباحث في "مركز الدراسات الدولية" بميلانو في إيطاليا، إن الصراع في السودان يُصوَّر على أنه حرب بين طرفين مسلحين، لكن الواقع أكثر تعقيدًا، إذ يُربك تعدّد شبكات الميليشيات المشهد بشكل كبير.

ويُوضح: "كلما طال أمد الصراع، ازداد المشهد العسكري تشرذمًا وتشظّيا، مع خطر انقسام البلاد أكثر فأكثر إلى مزيج من حكام فعليين يستغلّون الموارد المحلية عبر جماعات مسلحة مستقلة".

ويسلّط بانوزو الضوء على الأوضاع الميدانية الراهنة، مشيرا إلى استمرار أساليب التعبئة والتجنيد والقتال التي تعود إلى سنوات طويلة.

ويضيف: "عندما اندلع القتال في الخرطوم صباح الخامس عشر من إبريل 2023، كان يُقدَّر أن القوات المسلحة السودانية قادرة على الاعتماد على نحو 120 ألف جندي في مختلف أنحاء البلاد، إلى جانب سلاح الجو والمدرعات، لكن نقطة ضعف الجيش تمثّلت في افتقاره إلى قوات مشاة كافية، ما دفعه إلى الاستعانة بعدد من الميليشيات التي ينتمي معظمها إلى مجموعات موالية لتنظيم الإخوان، ومن بينها كتيبة البراء التي تُقدّر قوتها بحوالي 20 ألف مقاتل مجهزين بأسلحة متطورة، وهو ما منح هذه الكتيبة نفوذًا كبيرًا على القرارات العسكرية وسلطة الأمر الواقع في بورتسودان، بهدف منع أي عودة إلى المسار المدني الذي أعقب سقوط البشير".

في المقابل، سعت حركات التمرّد الأربع التي تحالفت مع الجيش، بعد مرور نحو أربعة أشهر على اندلاع الحرب، إلى تحقيق مكاسب سلطوية مدفوعة بديناميكيات ومصالح محلية. وقد ظهرت أهداف هذه المجموعات بوضوح في الأسابيع الأخيرة من خلال إصرار حركتي جبريل ومناوي على التمسّك بوزارات أساسية مثل المالية والتعدين.

إفشال التسويات

يحمّل مراقبون الوجود الكثيف للحركات المسلحة مسؤولية فشل 11 محاولة لوقف إطلاق النار خلال محادثات دولية وإقليمية أُجريت في جدة وأديس أبابا وجنيف خلال الأشهر الماضية.

ويشير السفير عادل شرفي إلى التعقيدات الكبيرة التي نتجت عن تزايد نفوذ الحركات المسلحة وانعكاسها السلبي على جهود المجتمع الدولي في وقف إطلاق النار منذ بداية الحرب. وبحسب شرفي، فإن أحد أسباب فشل الجهود الدولية التي ركّزت منذ الشهور الأولى على الوصول إلى اتفاق لوقف القتال بين طرفي النزاع، هو أن قرار وقف إطلاق النار بات خاضعًا لتأثير مواقف قادة الميليشيات المسلحة. وقال لموقع "سكاي نيوز عربية": "بات تأثير المجموعات المسلحة في قرار وقف إطلاق النار واضحًا، وأصبح من الضروري أخذ مصالح هذه الميليشيات في الاعتبار".

ويرى شرفي أن دخول أطراف متعددة على خط النزاع زاد من تعقيد الأزمة، موضحًا: "لم تعد الحرب بين طرفين فقط، بل باتت بين أطراف عدة تتقاطع مصالحها الآنية والمستقبلية، مما يستوجب توافق القوى الكبرى في مجلس الأمن على حل يقوم على التدخل المباشر وفرض خطة سلام دولية مُلزمة لجميع الأطراف المتحاربة، مع الاعتماد على إجراءات معروفة مثل جمع السلاح، وحل جميع الميليشيات، ودمجها في إطار إعادة تكوين جيش قومي وطني موحّد وغير مؤدلج".

مخاطر إثنية

تتزايد مخاطر انخراط الحركات المسلحة في الحرب الحالية في السودان في ظل التعقيدات الإثنية الكبيرة، حيث توجد في البلاد نحو 56 مجموعة عرقية و595 مجموعة عرقية فرعية، وهو ما ينذر بنشوء حروب صغيرة متعددة ضمن إطار الصراع الأكبر.

ومع دخول الحرب الأهلية شهرها السادس والعشرين، لا تزال أطراف القتال غارقة في صراع مميت على السلطة.

وفي الواقع، بدأت مظاهر الانفلات الأمني تتجلّى بوضوح في معظم مدن البلاد، إذ أصبح من المألوف مشاهدة آلاف المسلّحين وهم يجوبون الشوارع على دراجات نارية وسيارات رباعية الدفع مجهّزة بأسلحة ثقيلة، وسط مخاوف من انعكاسات أمنية وسياسية خطيرة لهذا الانتشار الواسع للحركات المسلحة.

وقد وثّقت العديد من المنظمات غير الحكومية، بما فيها "هيومن رايتس ووتش"، أدلّة على ارتكاب فظائع جماعية متكررة طوال فترة النزاع، مما أثار اتهامات بالتطهير العرقي وجرائم الحرب.

وفي هذا السياق، يرى الصحفي والمحلل السياسي عثمان فضل الله أن تزايد عدد الحركات المسلحة في السودان إلى أكثر من 105 حركات، يُعَدّ انعكاسًا لحالة انهيار الدولة التي أدّت إلى تفكيك مؤسساتها وخلقت فراغًا أمنيا كبيرا.

ويقول فضل الله لموقع "سكاي نيوز عربية": "إن فشل اتفاق جوبا فتح الباب أمام التسلّح كوسيلة للاعتراف السياسي، مما غذّى النزعة نحو عسكرة الهويات والمناطق".

ويضيف: "في ظل انعدام أفق الحل السياسي الشامل، لجأت مجموعات محلية وجهوية إلى التمرّد كأداة لضمان الحضور في أي تسوية مستقبلية… هذا التعدّد الحركي يعقّد المشهد الداخلي، إذ يُفتّت الجغرافيا ويُضعِف قدرة القوى الوطنية على التفاوض أو توحيد الموقف، ويحوّل العملية السياسية إلى متاهة من المسارات المتوازية والمتناقضة".

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا