عندما سلّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة ترشيح رسمية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، لم يكن الحدث مجرد لفتة دبلوماسية عابرة، بل لحظة جديدة أعادت واحدة من أرفع الجوائز العالمية إلى صدارة النقاش السياسي والإعلامي.
نتنياهو قال إن ترامب "يصنع السلام في منطقة تلو الأخرى"، في إشارة إلى دوره في اتفاقات أبراهام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
ولم يكن هذا الترشيح الوحيد، فقد أعلنت باكستان في وقت سابق عن نيتها ترشيح ترامب، مشيدة بدوره في خفض التوتر مع الهند، لكن الترشيحات لم تمر بهدوء، وواجهت انتقادات واسعة، خاصة في ظل التطورات الميدانية التي شهدها الشرق الأوسط.
بهذا الترشيح، عادت جائزة نوبل للسلام إلى دائرة الضوء، لا بسبب الأسماء فحسب، بل بسبب الأسئلة القديمة المتجددة التي تطرح نفسها مع كل ترشيح مثير: من يملك حق الترشيح؟ ومن يقرر؟ وبأي معايير تُمنح الجائزة التي تحمل اسم السلام؟
تُعد جائزة نوبل للسلام واحدة من أكثر الجوائز شهرةً وتقديراً في العالم، وتعود جذورها إلى وصية الصناعي السويدي ألفريد نوبل، مخترع الديناميت، الذي أوصى عند وفاته عام 1896 بتخصيص ثروته لتأسيس جوائز تُمنح لمن قدّم أعظم إسهام في خدمة الإنسانية، في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام.
وتُمنح جائزة السلام تحديداً في النرويج، بخلاف الجوائز الأخرى التي تُمنح من قبل لجان سويدية، وقد كانت تلك رغبةً شخصيةً من نوبل نفسه، دون أن يوضح السبب في وصيته.
وصدرت أول جائزة نوبل للسلام عام 1901، ومنذ ذلك الحين، باتت تُمنح سنوياً في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، في العاصمة النرويجية أوسلو، تزامناً مع ذكرى وفاة نوبل، بينما يُعلن اسم الفائز عادة في شهر أكتوبر/تشرين الأول.
وبين عامي 1901 و2024، مُنحت جائزة نوبل للسلام 105 مرة لـ142 فائزاً، من بينهم 111 شخصاً و31 منظمة.
وتعد الولايات المتحدة تُعد الدولة الأكثر حصولاً على الجائزة عبر مواطنيها، تليها فرنسا، والمملكة المتحدة، وقد حصلت 19 امرأة على الجائزة حتى عام 2024، من بينهن الناشطة الباكستانية ملالا يوسفزاي، التي فازت بها عام 2014 وكانت أصغر الحائزين عمراً (17 عاماً).
وأكبر الحائزين سناً كان جوزف روتبلت، الذي فاز عام 1995 عن عمر ناهز 87 عاماً.
ورغم انتظامها السنوي، لم تُمنح الجائزة في 19 مناسبة، تحديداً في أعوام اندلعت فيها الحروب العالمية أو ساد فيها الاضطراب الدولي، ومن أبرز فترات الانقطاع كانت: أعوام الحرب العالمية الأولى: (1914، 1915، 1916، 1918)، وأعوام الحرب العالمية الثانية: (1939–1943)
في بعض الحالات، كانت اللجنة تمتنع عن منحها لأسباب تتعلق بعدم وجود مرشّح يستوفي الشروط، أو تعذر التوافق.
من المثير أن الدول والحكومات ليست هي الجهة الرئيسية لترشيح الأسماء لنيل جائزة نوبل للسلام، بل إن النظام الأساسي للجائزة لا يمنح حق الترشيح للدول ويعتمد على أفراد ومؤسسات محددين تنطبق عليهم شروط دقيقة، وهو ما يجعل الترشيحات في كثير من الأحيان مسألة شخصية أو رمزية أكثر منها رسمية.
بحسب قواعد مؤسسة نوبل، يحق للجهات التالية تقديم ترشيحات سنوية:
- أعضاء البرلمانات الوطنية والحكومات من مختلف دول العالم
- رؤساء الدول
- أساتذة الجامعات في مجالات الفلسفة، والحقوق، والعلوم السياسية، والتاريخ، والدين
- الحائزون السابقون على جائزة نوبل بجميع فروعها
- أعضاء المحاكم الدولية
- مدراء ومعهدو مراكز الأبحاث في مجال السلام والنزاعات الدولية
- رؤساء منظمات دولية معينة لها صفة مراقب في الأمم المتحدة
وفي عام 2024، بلغ عدد المرشحين لجائزة نوبل للسلام 286 مرشحاً، وكان أعلى عدد من الترشيحات قد سُجّل في عام 2016، وبلغ 376 مرشحاً.
وبينما يحتفظ معهد نوبل في أوسلو بسرية قائمة المرشحين الكاملة لمدة 50 عاماً – وفقاً لقواعد صارمة – يختار بعض المرشِّحين إعلان ترشيحاتهم للعامة، كما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند ترشيحه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تُفتح أبواب الترشيح مع بداية كل عام وتُغلق في 31 يناير كانون الثاني، بينما يتم الإعلان عن الفائز أو الفائزين بجائزة نوبل للسلام لعام 2025 يوم الجمعة 10 أكتوبر/تشرين الأول، على أن يُقام حفل تسليم الجائزة في 10 ديسمبر/أيلول في أوسلو، النرويج.
وعادة ما تقوم اللجنة المسؤولة بعد إغلاق التشريحات، بإعداد قائمة أولية تُعرف بـ"القائمة القصيرة"، والتي تُعرض على مستشارين وخبراء دوليين مستقلين لتقديم تحليلات معمّقة عن سيرة المرشحين ودورهم في قضايا السلام.
ومن المهم التأكيد أن مجرد ورود اسم شخص في قائمة المرشحين لا يعني تزكيته أو تأييداً رسمياً من اللجنة، ففي بعض السنوات، تلقت اللجنة مئات الترشيحات، بينها أسماء أثارت الجدل عالمياً، مثل أدولف هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي، وستالين لاحقاً، وهنري كيسنجر الذي فاز فعلياً رغم الانتقادات.
ولا تعتمد الجائزة على عدد الترشيحات، بل على قيمة العمل الفعلي الذي أسهم في تعزيز السلام، وفق المعايير التي وضعها ألفريد نوبل في وصيته الأصلية عام 1895.
أمّا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يُخفِ يوماً رغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام، فقد تلقى خلال السنوات الأخيرة عدة ترشيحات معلنة، أبرزها من أعضاء في البرلمان النرويجي والسويدي، استندوا في ترشيحهم إلى دوره في توقيع اتفاقات أبراهام، التي مهّدت لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، بينها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
كما أشار مؤيدوه إلى سياساته تجاه كوريا الشمالية، وانفتاحه غير المسبوق على قيادتها، إلى جانب تقليص التدخلات العسكرية الأمريكية في بعض مناطق النزاع، مقارنة بإدارات سابقة.
ترامب عبّر مراراً عن فخره بهذه الترشيحات، واعتبرها دليلاً على استحقاقه الدولي، مشيراً إلى ما يراه تجاهلاً إعلامياً لإنجازاته، وفي أحد تصريحاته، قال ساخراً: "أعطوا أوباما جائزة نوبل في بداية ولايته، أما أنا فقد أنجزت أكثر منه بكثير، ولم أحصل على شيء!".
وغالباً ما يقارن ترامب مبادراته في الشرق الأوسط بسجلات رؤساء أمريكيين سابقين، في إطار تأكيده على أحقيته بالجائزة.