آخر الأخبار

توقعات بأحكام قاسية في "التآمر 2" بتونس

شارك

تونس- أجّلت المحكمة الابتدائية بتونس، أمس الثلاثاء، النظر فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة 2″، إلى يوم الجمعة المقبل، للاستماع إلى مرافعات هيئة الدفاع، في قضية اعتبرتها المعارضة "حلقة جديدة" من مسلسل استهداف رموزها وتوظيف القضاء لتصفيتهم.

وتأتي هذه القضية في سياق تواتر أحكام سجن صارمة ضد شخصيات معارضة بارزة ومسؤولين سابقين، مما يثير جدلا سياسيا وحقوقيا واسعا بشأن استقلالية القضاء وتوظيفه من قبل السلطة القائمة في تصفية الخصوم السياسيين.

وتضمّ قائمة المتهمين في القضية زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ومسؤولين سابقين من بينهم رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، ومديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة، ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام. كما تضم أيضا مجموعة من القيادات الأمنية السابقة.

وأجريت ثاني جلسة لبعض المتهمين الموقوفين في هذه القضية أمس الثلاثاء عن بُعد، في حين رفض آخرون الحضور وعلى رأسهم الغنوشي، الذي يواصل مقاطعة المحاكمات احتجاجا على ما يعتبره انتفاءً لشروط المحاكمة العادلة.

وتتعلق التهم الموجهة إلى المتهمين في هذا الملف بجرائم خطيرة وفقا لقانون مكافحة الإرهاب، من بينها: تكوين تنظيم إرهابي، وانتداب وتدريب أفراد لارتكاب جرائم، وتوفير أسلحة ومتفجرات، والتجسس لفائدة أطراف أجنبية. ويواجه المتهمون في هذا السياق أحكاما قد تصل إلى السجن المؤبد.

واعتمد قاضي التحقيق عند توجيه التهم على شهادة شخصين محجوبَي الهوية في غياب تام لما يُمكن أن يُعتدّ به كأدلة مادية، وفق فريق الدفاع، الذين قالوا إن ملف القضية فارغ من أي قرائن أو إثباتات ملموسة، نافين وجود علاقة تنظيمية أو لوجستية بين الأطراف المتهمة.

مصدر الصورة احتجاجات سابقة أمام المحكمة الابتدائية بتونس للتنديد بمحاكمة المعارضين (الجزيرة)

ظروف سيئة

ونقل محامون من داخل المحكمة مشهدا يعمّق الشكوك في سلامة الإجراءات، حيث ندد بعضهم بإقرار المحكمة إجراء المحاكمة عن بعد ورفض جلب الموقوفين إلى قاعة الجلسات لأسباب أمنية، في حين يتنقل القضاة والموظفون والمحامون والموقوفون في قضايا حق عام يوميا إلى المحكمة.

إعلان

وأكدت المحامية إيناس الحراث التي ترافعت في هذه القضية، أن المتهمين الذين يحاكمون عن بُعد لا يرون إلا منصة القضاة عبر الشاشة، ولا يرون محاميهم، ولا يسمعون مرافعاتهم، حيث يتحدث الدفاع دون ميكروفون، ما يجعل حضور المحامين بلا معنى.

كما عرّجت على الصعوبات الكبيرة التي يواجهها فريق الدفاع في النفاذ إلى ملفات القضية بسبب مماطلة إدارة المحكمة في تسليم نسخ الملفات بحجج واهية، وفق تعبيرها.

محاكمة مفتعلة

وحول هذه المحاكمة، يقول القيادي بحركة النهضة رياض الشعيبي إن "قضية التآمر 2" هي فصل جديد من المحاكمات الجائرة المفتعلة، التي لا تقوم على أية وقائع حقيقية، مضيفا أن "الملف مبني بالكامل على شهادات واهية من وشاة مجهولين ولا يحقق الحد الأدنى من المحاكمة العادلة".

ويؤكد الشعيبي للجزيرة نت أن تلاحق المحاكمات "لا يرقى حتى إلى توصيف المحاكمات السياسية التقليدية"، مفسّرا ذلك بأن "القضية ليست مبنية على وقائع حقيقية، بل على روايات ملفقة ووشايات لا يُعرف مصدرها ودون أية أدلة مادية".

وعبّر القيادي بحركة النهضة عن يقينه بأن مسار الأحكام القضائية في قضايا المساجين السياسيين يتجه نحو مزيد من التشدد، مؤكّدا أنه لم يعد مجرد احتمال أن تُصدر المحاكم أحكاما قاسية، بل أصبح ذلك أمرا مؤكدا في ظل الخطاب الرسمي المتوعد للرئيس قيس سعيد.

وحول الوضع الصحي للمساجين السياسيين يقول الشعيبي إن أغلبهم من كبار السن وعلى رأسهم راشد الغنوشي (84 عاما)، معربا عن قلقه البالغ من تدهور صحتهم داخل السجون.

ويقول "أغلب الموقوفين من كبار السن وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة، واكتظاظ السجون، وغياب الرعاية الطبية، أصبحت حياتهم في خطر دائم".

وحذر القيادي من الانسداد السياسي الكامل بالبلاد وتداعياته على الاستقرار في البلاد، معتبرا أن "منع المعارضة من أداء دورها الطبيعي كمتنفس في المجتمع وكصمام أمان سياسي ينذر بانفجار اجتماعي شبيه بما حدث في أواخر عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في 2011″.

احتجاز قسري

من جانبه، يقول أستاذ القانون والناشط السياسي المعارض عبد الوهاب المعطر للجزيرة نت، إن "قضية التآمر 2" ما هي إلا نسخة مطابقة لقضية "التآمر 1″، التي حوكم فيها منذ شهرين عشرات المساجين السياسيين بتهم إرهابية وصدرت في حقهم أحكام سجن ثقيلة.

ويضيف معطر "الحقيقة لا تستحق قضية التآمر 2 التعليق عليها أصلا لغياب أي منطق قانوني أو قضائي فيها"، موضحا أن "الهدف من ورائها هو الانتقام من المعارضين الذين حاولوا بطرق سلمية تغيير الواقع السياسي للبلاد في ظل الاستبداد".

واتهم القانوني السلطة باحتجاز الشخصيات السياسية الموقوفة على ذمة هذه القضية "احتجازا قسريا"، معتبرا أن الرئيس قيس سعيد قد وظف القضاء وطوّعه لاختلاق سيناريوهات وهمية لتصفية المعارضة وإبعاد النشطاء المعارضين لسياساته عن طريقه.

ويقول "يوم يغادر الرئيس قصر قرطاج، سيخرج هؤلاء المعتقلون كرموز وطنية واجهت الاستبداد، وليس كمتآمرين على أمن الدولة. وسيحفظ التاريخ في ذاكرته أن الرئيس سعيد هو من تآمر على المعارضة وليس العكس".

مصدر الصورة منظمات حقوقية وأحزاب تضع محاكمة المعارضين في إطار تصفية الحسابات السياسية (الجزيرة)

أحكام مشددة

وتأتي هذه القضية بعد أسابيع قليلة من إصدار المحكمة الابتدائية في تونس أحكاما مشددة بالسجن ضد الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي وقيادات سياسية أخرى، تراوحت بين 12 و22 سنة، على خلفية تصريحات وندوات في الخارج، وهو ما اعتبرته أطراف سياسية وحقوقية استمرارا في نهج تصفية الحسابات السياسية عبر القضاء.

إعلان

كما تأتي هذه المحاكمة بعد حوالي شهرين من صدور أحكام مشددة فيما يُعرف بقضية "التآمر 1″، والتي شملت معارضين بارزين مثل الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والقيادي بجبهة الخلاص المعارضة جوهر بن مبارك والناشط السياسي خيام التركي، والقيادي المستقيل من حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي وغيرهم. وتراوحت الأحكام فيها من 13 إلى 66 عاما.

واعتبرت حركة النهضة، في بيان لها أمس الثلاثاء، أن "قضية التآمر 2" حلقة جديدة من مسلسل "المحاكمات العبثية المبنية على شهادات ملفقة ووشايات لا مصداقية لها". واتهمت السلطة الحاكمة بالسعي إلى "ترهيب القوى الوطنية الرافضة للانقلاب 25 يوليو 2021″، تاريخ إعلان الرئيس سعيد التدابير الاستثنائية التي حكم بها البلاد بقبضة قوية.

في السياق نفسه، عبّرت جبهة الخلاص المعارضة عن استهجانها لما اعتبرته أحكاما جائرة، متهمة السلطة الحاكمة بالبحث عن أكباش فداء لتغطية عجزها في حلحلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، عبر اختلاق مؤامرات خيالية تنسب للمعارضة، بحسب بيانها.

وفي ظل حالة الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد، أعلن عدد من النشطاء المعارضين رفعهم دعوى قضائية ضد السلطة التونسية لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

وأوضحت جمعية "ضحايا التعذيب"، في ندوة صحفية بجنيف، أن هذه الدعاوى تستند إلى انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان وحرية التعبير والمشاركة السياسية في تونس.

في المقابل وصف أنصار الرئيس قيس سعيد هذا التحرك بأنه "خيانة وضرب للسيادة الوطنية"، متهمين الموقوفين على ذمة ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة بارتكاب "جرائم في حق الدولة".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا