آخر الأخبار

"لسنا جمهورية موز".. كيف قوبلت دعوة ترامب لوقف محاكمة نتنياهو؟

شارك

في سابقة خطيرة من وجهة نظر سياسية دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب القضاء الإسرائيلي إلى إلغاء محاكمة نتنياهو، معتبرا أن هذه المحاكمة تلحق الضرر بمصالح إسرائيل القومية. ولم يكتف بذلك بل أتبع دعوته هذه بتهديد يتضمن معاقبة إسرائيل إذا لم تستجب لدعوته بتعليق تزويدها بالأسلحة.

ووجهت هذه الدعوة الأنظار في إسرائيل إلى طبيعة العلاقة بين أميركا وإسرائيل، خصوصا أن البعض حاجج بأن ترامب ليس أول رئيس أميركي يتدخل في الشأن الداخلي الإسرائيلي. وهناك من رفض دعوة ترامب وحذر منها، لأن إسرائيل في نظره ليست "جمهورية موز". ومع ذلك ذهبت السجالات حول الأمر إلى فضاءات مختلفة، بينها المقارنة بين إدارة بايدن التي أنقذت إسرائيل فعلا في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبين إدارة ترامب التي تحاول إنقاذ نتنياهو من براثن "العدالة" الإسرائيلية.

وقد برر ترامب تدخله الفظ في مجريات القضاء الإسرائيلي عندما كتب في تغريدة له: أن "مأساة المحاكمة هذه ستعيق المفاوضات مع إيران وحماس. بعبارة أخرى، ما يفعله المدعون العامون الخارجون عن السيطرة مع بيبي نتنياهو هو ضربٌ من الجنون. تنفق الولايات المتحدة مليارات الدولارات سنويا -أكثر بكثير من أي دولة أخرى- للدفاع عن إسرائيل ودعمها. لن نتسامح مع هذا. لقد حققنا للتو نصرا عظيما مع رئيس الوزراء بيبي نتنياهو وقيادته، وهذا يضرّ كثيرا بانتصارنا. دعوا بيبي يتحرك، لديه عمل عظيم ليقوم به".

وردا على تغريدة ترامب الأولى ضد محاكمته، كتب نتنياهو: "شكرا لك أيها الرئيس ترامب على دعمك المؤثر لي ودعمك الهائل لإسرائيل والشعب اليهودي". وفي وقت لاحق من الرد وبعدها ربط نتنياهو بين الدعوة وما قد يكون "صفقة شاملة" منسقة قائلا "سنواصل العمل معا لهزيمة أعدائنا المشتركين، وتحرير رهائننا، وتوسيع دائرة السلام بسرعة".

إعلان

دولة مستقلة

وتقريبا تجنب الساسة في إسرائيل الوقوف في وجه ترامب أو انتقاد دعوته بحدة، بل إن قلة منهم اختارت التعليق على الدعوة وأغلب هؤلاء من جانب الموالين لنتنياهو ممن يتفقون على أن المحاكمة سياسية وأنها كان ينبغي ألا تكون.

لكن زعيم المعارضة ورئيس حزب "هناك مستقبل"، يائير لبيد، ألمح في مقابلة مع "يديعوت أحرونوت" إلى أنه "مع كل الاحترام لترامب، لا ينبغي له التدخل في عملية قانونية في دولة مستقلة. أفترض أن هذا تعويض يُقدمه ترامب لنتنياهو لأنه سيُخضعه في قضية غزة ويُنهي الحرب. هذا يُناسب ترامب".

مصدر الصورة لبيد: هذا تعويض ترامب لنتنياهو لأنه سيخضعه وينهي حرب غزة (غيتي)

وانتقد عضو الكنيست ماتان كهانا بشدة تصريح الرئيس ترامب بشأن المحاكمة. بحسب قوله، ورغم الاحترام الذي تكنّه إسرائيل لرئيس الولايات المتحدة، ينبغي عليه الامتناع عن التدخل في النظام القانوني الإسرائيلي: "هذا كل شيء. دعوا النظام القانوني الإسرائيلي وشأنه. لسنا جمهورية موز، بل دولة مستقلة ذات نظام قانوني قوي، لذا كفوا أيديكم عن النظام القانوني الإسرائيلي".

وكانت افتتاحية "هآرتس" في أول يوم من دعوة ترامب لإلغاء محاكمة نتنياهو قد حذرت من التجاوب مع هذه الدعوة. وكتبت "اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في خطوة بارزة، التدخل الفظ في شؤون إسرائيل الداخلية بأن يدعو إلى إلغاء محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو منحه العفو. رأي ترامب بشأن سلطة القانون والمؤسسات الديمقراطية في الولايات المتحدة معروف للجميع، وعليه فليس مفاجئا أن يكون أحد ما -ويمكن التخمين من هو- حرص على أن يقنعه بالتدخل لإلغاء المحاكمة".

ورأت الصحيفة أن "ترامب أخطأ حين قرر التدخل في هذا الموضوع، سواء لأن في ذلك ما يضعف جهاز إنفاذ القانون الإسرائيلي ويعمق الاستقطاب في داخلها، أم لأن تدخله الفظ يرسم صورة إسرائيل كدولة تابعة للولايات المتحدة".

وإذا كانت افتتاحية "هآرتس" تركت الباب مواربا تجاه من حث ترامب على إعلان هذه الدعوة فإن المراسل العسكري للصحيفة، عاموس هارئيل فتح الباب وكتب: "رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يحاول تجنيد الرئيس الأميركي لابتزاز جهاز القضاء في إسرائيل بالتهديد، والتوصل إلى إلغاء الإجراءات الجنائية ضده، من دون إدانة أو إقرار بالذنب".

ولاحظ هارئيل أن نتنياهو وترامب يريان نفسيهما شركين في نجاح الهجوم على إيران ومنشآتها النووية، وأن "ترامب يريد استخدام هذا الإنجاز في إيران لصالح إنهاء الحرب في غزة وإعادة المخطوفين والتطبيع بين إسرائيل والسعودية فإنه يوجد لنتنياهو طلب صغير آخر وهو "ساعدني على التخلص من المحاكمة".

فظيع

وأوضح أن ترامب استجاب لذلك من خلال التصريحات الأكثر عنفا، فكتب "فظيع ما يفعلونه لبيبي نتنياهو. إنه بطل حرب عمل بشكل رائع مع الولايات المتحدة للتخلص من التهديد النووي الخطير في إيران. الآن هو في خضم مفاوضات حول الصفقة مع حماس التي ستعيد المخطوفين. كيف يمكنهم إجباره على الجلوس في قاعة المحكمة طوال اليوم على لا شيء. هذه حملة تصيد وهي تشبه كثيرا ما أجبروني على أن أمر به". وقد هدد الرئيس الأميركي حتى بوقف المساعدات الأمنية لإسرائيل إذا استمر "هذا الجنون"، حسب رأيه.

مصدر الصورة عاموس هارئيل: فظيع ما يفعله ترامب (يمين) لنتنياهو (رويترز)

ولم يقتصر الأمر على هآرتس والمعلقين فيها بل تخطاها إلى كل الصحف الإسرائيلية وخصوصا "يديعوت أحرونوت". وكتب بتسلئيل لافي في موقع "زمان إسرائيل" أن "لا شيء يضاهي تدخل الرئيس دونالد ترامب السافر وغير المسبوق في محاكمة بنيامين نتنياهو للإدلاء بشهادته حول وضع دولة إسرائيل في العصر الحالي. لقد أظهرت إسرائيل قوتها العسكرية وجبروتها على مدى عامين تقريبا في ساحة المعركة. قوتها السياسية محدودة بسبب اعتمادها الكبير على لسان الرئيس الأميركي. والآن، يُلقي هذا الرجل بظلاله الكبيرة على النظام القانوني الداخلي أيضا، وهو فعل لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد، ومشكوك بوجوده حتى على الساحة العالمية.

إعلان

وفي نظره "تكمن الخطورة هنا في دخول الفيل إلى متجر الخزف ومحاولته تدمير ما بداخله. من وجهة نظره، يتعامل ترامب مع النظام القانوني الإسرائيلي كما يتعامل في بلده، أي أنه يتصرف وفقا لفهمه. إن الدعم الذي يحظى به من المحكمة العليا الأميركية، ومعظم أعضائها محافظون ويشاركونه آراءه، يُمثل نقطة انطلاق له للتصرف بحرية غير مسبوقة في التاريخ الأميركي".

وتحت عنوان "بالون اختبار" أم تأييد لنتنياهو: ما وراء "هوس" ترامب بإلغاء المحاكمة؟ كتب المراسل السياسي لـ"يديعوت أحرونوت" إيتمار آيخنر أن تكرار ترامب دعوته لإلغاء محاكمة نتنياهو دفع المؤسسة السياسية والدبلوماسية للتساؤل عن سبب "هوس" الرئيس بهذه القضية. وقال إنهم يتساءلون عما دفع ترامب للاستيقاظ صباحا والمطالبة بإلغاء محاكمة نتنياهو، وما علاقة ذلك بخطط ترامب لإنهاء الحرب، وإعادة الرهائن، وتوسيع اتفاقيات إبراهيم.

قدرة ترامب

وكتب آيخنر أن "المؤسسة السياسية صُدمت بتغريدة ترامب الليلة، التي هدد فيها ضمنيا بتجميد المساعدات الأمنية الأميركية لإسرائيل إذا لم تُلغَ محاكمة نتنياهو، وبالربط الذي عقده بين الأمرين. في السابق، قُدِّر أن ترامب قادر حتى على فرض عقوبات على قضاة نتنياهو، كما فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، وعلى قضاة المحكمة. ترامب يُحب سلاح العقوبات، لكن تجميد المساعدات لدولة بسبب معاملتها لرئيس وزرائها؟ لم يحدث مثل هذا من قبل".

وبعد أن يشرح آيخنر موقف معارضين يرون أن دعوة ترامب جاءت بطلب من نتنياهو يشير إلى أن "هناك في المؤسسة السياسية من يُثير احتمال أن تكون هذه مبادرة من ترامب، من دون طلب نتنياهو، أو بعبارة أخرى نوع من "التوبيخ" لرئيس الوزراء. المقصود هو أن ترامب يوجه رسالة إلى نتنياهو بأنه يساعده في إلغاء محاكمته، حتى لا يتمكن رئيس الوزراء من رفض طلبات الرئيس بإنهاء الحرب في غزة، وإعادة الرهائن، وتوسيع اتفاقيات إبراهام، مع كل الشروط التي سيطلبها من إسرائيل".

مصدر الصورة عقوبات ترامب على كريم خان حضرت عند الحديث عما يمكن أن يفعله الرئيس الأميركي دفاعا عن نتنياهو (الأوروبية)

وفي كل حال، هناك في الحلبة السياسية الإسرائيلية من يرى في دعوة ترامب محاولة أميركية لاختبار الوضع في إسرائيل، وهو بمثابة "بالون اختبار"، في الوقت الذي تريد فيه واشنطن معرفة ما إذا كانت إسرائيل مستعدة لمثل هذه الخطوة التاريخية لإقامة دولة فلسطينية، فالدعوة لإلغاء محاكمة نتنياهو مرتبطة بهذا، وترامب يختبر حدود صلاحياته.

تجدر الإشارة إلى أن لترامب أيضا "قاعدته" الخاصة، وليس من المؤكد أنه سيرغب في إثارة غضب الإنجيليين الذين لن يرحبوا بمحاولة فرض دولة فلسطينية على إسرائيل.

وأيا يكون الأمر، من الواضح أن المجتمع الإسرائيلي منقسم على نفسه تجاه دعوة ترامب وتجاه أي محاولة لتمييز نتنياهو. فالجمهور المؤيد لنتنياهو يؤيد الدعوة، بينما الجمهور الليبرالي يعارضها بشدة لأسباب كثيرة، بينها أنه حتى لو أقر نتنياهو بالذنب فإن تحريره من التهم من دون عقاب يخلق إحساسا بـ "الإنفاذ الانتقائي" مما يضعف الردع الجماهيري.

كما أن صفقة كهذه سينظر إليها كتنازل سياسي أو كضعف من جهاز القضاء، مما يمس بشكل متزايد ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة. إضافة إلى ذلك، فإن السير إلى صفقة كهذه مع شخص بمكانة نتنياهو ستطلق رسالة إشكالية إلى السياسيين والشخصيات العامة الأخرى وتخلق نمط سلوك يتمثل بانعدام المسؤولية. وأخيرا، سترى أجزاء كبيرة من الجمهور في الصفقة "تسوية" غير عادلة، مما يخلق لديهم إحساسا بخيبة الأمل أو اليأس، بخاصة بعد سنوات طويلة جدا من الإجراءات القضائية.

قضاء جبان

عموما ينظر إلى أداء القضاء الإسرائيلي في محاكمة نتنياهو على أنه قضاء غير شجاع وإن لم يكن جبانا. واعتبر يوسي فيرتر في صحيفة "هآرتس" أن دعوة ترامب هي "القشة الأخيرة"، خصوصا أن محاكمة نتنياهو "آخذة في التلاشي أمام أنظارنا. لم يعد من الواضح إذا كان يوجد لها أي فائدة. هذه المحاكمة تحولت إلى نكتة، أيضا في السابق هي لم تتميز بجدية كبيرة. هيئة القضاء صادقت أمس على تأجيل المحاكمة أسبوعا. وفي الأسبوع القادم سنرى ماذا سيحدث. وفي الأسبوع الذي يليه يخطط المتهم الأول، بصفته رئيس الحكومة، للذهاب إلى صديقه دونالد ترامب الذي بالتأكيد سيقول بصوته ما غرد به حتى الآن ضد المحاكمة وجهاز القضاء في إسرائيل".

مصدر الصورة يوسي فيرتر: ينظر إلى القضاء الإسرائيلي في موضوع نتنياهو على أنه غير شجاع (الأناضول)

وأضاف "من المحتمل أن يكون ما فعله ترامب هو القشة الأخيرة، قبل لحظة من سحق ما بقي من احترام للمحكمة بشكل نهائي". وأشار إلى أنه أمام أنظار جو بايدن كان هناك الخطر الذي سيحدثه الانقلاب النظامي لأمن إسرائيل".

إعلان

وأضاف أن "الرئيس الصهيوني الأخير تجند لإنقاذ إسرائيل من التفكك. ترامب في المقابل تم تجنيده لإنقاذ بيبي من التفكك على مقعد الاتهام".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا