في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
واشنطن- منذ بدأت إسرائيل هجومها على إيران، ازدادت الدعوات في دوائر المحافظين الجدد التقليدية بواشنطن، إضافة إلى جماعات اللوبي اليهودي، لتغيير النظام في طهران. وتضاعف هذا الحديث فور شن الولايات المتحدة هجمات جوية وصاروخية على منشآت نووية إيرانية فجر أمس الأحد.
ورسميا، ينكر كبار المسؤولين الأميركيين أي نية لبلادهم في تغيير النظام في طهران، إلا أن ذلك لم يوقف التكهنات باحتمال الإقدام وربما المساعدة على هذه الخطوة حال تبدلت الأوضاع وبدأت عمليات انتقام إيرانية ضد مصالح واشنطن.
ويُرجع أنصار تيار المحافظين الجدد (تيار يدعم هيمنة أميركا خارجيا) جدية الحديث عن إمكانية تغيير النظام إلى نجاح الهجمات الاستخباراتية الإسرائيلية المكثفة ضد إيران ، والتي أدت إلى اغتيال عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين، وتخريب المنشآت الدفاعية، وصولا للهيمنة الجوية على الأجواء الإيرانية.
ويجادل هؤلاء بأن طهران، التي تتعرض لضغوط وضربات لم تتوقف منذ أكثر من أسبوع، قد تكون أكثر استعدادا لإبرام صفقة والتخلي عن طموحاتها النووية، وهو ما قد يمهد لتغيير داخلي للنظام.
لكنهم يتجاهلون درس العقدين الماضيين من أن الاستسلام لا يؤدي إلى الأمان، فقد سبق وتم القضاء على صدام حسين وتم غزو بلاده، وبعد ذلك تخلى الرئيس الليبي السابق معمر القذافي عن برنامجه النووي، وتمت الإطاحة به.
وهناك سبب يجعل تغيير النظام غير واقعي، فتجربة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن الفاشلة مع العراق وأفغانستان، لا تزال عالقة في إذهان ملايين الأميركيين خاصة مع ارتفاع تكلفتها البشرية والمادية؛ فإضافة لمئات الآلاف من القتلى والجرحى العراقيين والأفغان، قُتل ما لا يقل عن 7 آلاف أميركي وأصيب عشرات الآلاف منهم.
إلا أن ذلك لم يمنع أصوات أميركية قريبة من إسرائيل، من دعوتها إلى تغيير النظام في إيران، مع تأكيدها أن ذلك من غير المرجح أن يحدث من تلقاء نفسه، وأنه يحتاج فقط لدفعة أميركية مباشرة.
وكثيرا ما يقلل المحللون الأميركيون من قوة الدولة الإيرانية، وربما ساهم في ذلك حالة العداء بين الدولتين لأكثر من 4 عقود، وقد أغلقت طهران الباب أمام زيارات الباحثين والمتخصصين الأميركيين.
وبعد هجمات 11 سبتمبر /أيلول، ورغم مساعدة طهران للولايات المتحدة بهدوء في حربها ضد حركة طالبان ، "العدو المشترك لكلا البلدين"، أشار الرئيس بوش الابن في خطاب "حالة الاتحاد" إلى إيران، إلى جانب العراق وكوريا الشمالية، كجزء من "محور الشر".
ويغيب عن دوائر واشنطن البحثية أن الجيش الإيراني ببنيته المزدوجة مصمم لمقاومة الانقلابات، وإضافة للقوات المسلحة النظامية عبر القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي، هناك قوات الحرس الثوري .
ووراء ذلك كله توجد مؤسسة "الباسيج"، وهي شبكة شبه عسكرية واسعة تضم مئات الآلاف من أعضائها في كل ركن من أركان المجتمع الإيراني، في الأحياء والمدارس والمساجد، وهم ليسوا بالضرورة موالين للنظام الإيراني، بل ملتزمون بالدفاع عن مؤسسات الدولة وباستقلال إيران.
وسبق أن ساهمت واشنطن وهندست لترتيب انقلاب أطاح بحكومة إيرانية منتخبة عام 1953، ويتذكر الإيرانيون ذلك جيدا.
في ذلك العام، ساعدت الولايات المتحدة في تنظيم انقلاب للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق بعدما تعهّد بتأميم حقول النفط في البلاد. وهي الخطوة التي اعتبرتها واشنطن وبريطانيا ضربة خطيرة، نظرا لاعتمادهما على النفط من الشرق الأوسط في تلك الفترة.
وفي سياق الحرب الباردة الأميركية السوفياتية، كان يُنظر إلى خطوة التأميم على أنها انتصار ل لاتحاد السوفياتي آنذاك.
وكان هدف الانقلاب هو دعم محمد رضا بهلوي ، للحكم كشاه لإيران، وتعيين رئيس وزراء جديد، وهو الجنرال فضل الله زاهدي.
وقبل الانقلاب، ساعدت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) مع جهاز المخابرات السرية البريطاني (إس آي إس) وجهاز الأمن المتعاون معهما، في إثارة النعرات المناهضة لمصدق باستخدام الدعاية المضللة وفي حشد القوات الموالية للشاه معا ونظمتا احتجاجات كبيرة ضد مصدق، والتي سرعان ما انضم إليها الجيش.
وأظهرت الوثائق البريطانية أنه لتزويد زاهدي، رئيس الوزراء الجديد للبلاد، ببعض الاستقرار، أتاحت وكالة الاستخبارات المركزية سرا 5 ملايين دولار في غضون يومين من توليه السلطة.
وفي عام 2013، تم إصدار وثائق -رُفعت عنها السرية- للوكالة، مما أكد تورطها لأول مرة. لكن دور الولايات المتحدة تجدد مع اعتراف الرئيس السابق الأميركي باراك أوباما برغبته في حدوث انقلاب عام 2009 مع بدء موجة من المظاهرات المطالبة بالمزيد من الحريات، إلا أنه تم قمعها سريعا.
وبعد الإطاحة بمصدق، عززت واشنطن دعمها لبهلوي، واستاء الإيرانيون من التدخل الأجنبي مما غذى المشاعر المعادية للولايات المتحدة في إيران وغياب الثقة حتى الآن. وبعدما أصبح الشاه حليفا وثيقا لأميركا، وفي أواخر السبعينيات، نزل ملايين الإيرانيين إلى الشوارع ضد نظامه الذي اعتبروه فاسدا وغير شرعي.
عارض المتظاهرون العلمانيون استبداد الشاه، بينما عارض المتظاهرون الإسلاميون أجندته للتحديث. وأطيح به في الثورة عام 1979 التي أنهت النظام الملكي المدعوم من الولايات المتحدة، وبشرت ببداية الجمهورية الإسلامية وحكم رجال الدين على يد آية الله الخميني .
وبعد نجاح الثورة، وبسبب الدعم الأميركي لنظام ورموز حكم الشاه، اقتحم طلاب إيرانيون السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا عشرات الأميركيين كرهائن، وطالبوا واشنطن بتسليم الشاه لمحاكمته. وكانت واشنطن سمحت لبهلوي بالدخول للعلاج في مركز السرطان المتقدم بولاية تكساس.
وبعد 444 يوما، أطلقت إيران سراح الرهائن مقابل رفع تجميد أصول الدولة بعد دقائق من أداء الرئيس السابق رونالد ريغان اليمين الدستورية. وخلال الأزمة، قطعت الولايات المتحدة جميع العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع طهران، ولم تتم استعادتها حتى اليوم.
ويتساءل بعض الخبراء عما إذا كان يمكن أن تؤدي هجمات واشنطن على إيران إلى انفجارات سياسية داخلية تهدد بقاء النظام الثوري الإيراني.
ولم تُخف إسرائيل أملها في أن يتسبب هجومها في سقوط هذا النظام، لكن مثل هذا الانهيار للحكومة يمكن أن يؤدي إلى نظام أكثر عدائية وخطورة، ربما تقوده عناصر من الحرس الثوري، باعتقاد الأميركيين.
وإذا تم حل الدولة الإيرانية، فقد تندلع حرب أهلية ويمكن أن ينتشر عدم الاستقرار الكارثي إلى ما وراء حدود إيران.
وتروّج صحيفة وول ستريت لخطوة تغيير النظام في طهران رغم ما تحمله من مخاطر، وتقول إحدى افتتاحياتها قبل يومين، إنه "من الصعب تصديق أن خليفة النظام الثوري الإيراني الذي تولى السلطة منذ عام 1979 يمكن أن يكون أسوأ بالنسبة للمنطقة من النظام الحالي".
وتتابع: "قد يرغب القادة الجدد في التخلي عن أية طموحات نووية والانضمام إلى عالم التجارة الجديد الناشئ في الشرق الأوسط، في حين سيستمر سعي النظام الحالي للهيمنة على المنطقة".