في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
القدس المحتلة- في سابقة لافتة لم تعهدها إسرائيل بالحروب السابقة، تزايدت أعداد المحللين والباحثين الإسرائيليين الذين أطلقوا تحذيرات صريحة من خطر انهيار الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وسط تصعيد متبادل مع إيران غير مسبوق من حيث النطاق والحدة.
و الهجوم الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة الماضي، رغم تحقيقه عنصر المفاجأة بفعل سريته التامة، جاء على حساب الجبهة الداخلية التي تركت مكشوفة، دون تعليمات وقائية، أو حتى استعدادات لوجيستية أو نفسية، في وقت انشغلت فيه القيادة العسكرية والأمنية بحسابات المواجهة على الجبهة الخارجية.
وكل ليلة تمر، تخترق صواريخ إيران الدفاعات الإسرائيلية، مخلفة دمارا في مدن مثل حيفا و تل أبيب الكبرى، و ريشون لتسيون و بات يام ورحوفوت، حتى باتت صورها تشبه الدمار الذي أحدثته إسرائيل في قطاع غزة .
وفي المقابل، تجري 5 فرق في الجيش الإسرائيلي مناورات برية في القطاع، لكنها بعيدة عن ساحة المعركة الحقيقية التي يخوضها الإسرائيليون على الجبهة الداخلية.
وبعد أيام من بدء الضربات المتبادلة، صار واضحا أن قدرة الجبهة الداخلية على الصمود باتت موضع شك، في ظل تصاعد الهجمات الإيرانية وما تسببه من شلل واسع في مفاصل الحياة داخل إسرائيل، من المطارات والموانئ، إلى الاقتصاد وحركة المواطنين.
ويفرض القصف الإيراني المتواصل ثمنا باهظا على المجتمع الإسرائيلي، ويطرح سؤالا جوهريا عما إذا كانت إسرائيل تملك ما يكفي من الصبر والتحمل لمواصلة التصعيد؟
وتشير كل التحليلات الإسرائيلية والمؤشرات إلى دخول إسرائيل مرحلة جديدة، إذ لم تعد الحروب تخاض فقط في الأجواء وعلى شاشات الرادار، بل في تفاصيل الحياة اليومية للإسرائيليين الذين يفقدون الثقة بحماية الدولة لهم.
ووفق قراءات المحللين، فإن التحذيرات من انهيار الجبهة الداخلية لم تعد سيناريو افتراضيا، بل أمرا واقعا ومتزايدا، مما يتطلب من حكومة الاحتلال إعادة النظر في أولوياتها، والتعامل معها كجبهة قائمة بذاتها لا تقل أهمية عن أي جبهة عسكرية.
ويواجه المجتمع الإسرائيلي -برأي المحللين- تحديا غير مسبوق، وسط غياب الاستعداد والقيادة السياسية، فالجبهة الداخلية المنهكة قد تنهار أولا، في ظل غياب أفق سياسي ودعم دولي، مما قد يضع إسرائيل في مأزق مزدوج، تكون فيه عاجزة عن وقف النووي الإيراني ، أو حماية مدنها من القصف اليومي.
وفي مقال تحليلي لافت، كتب الصحفي الاقتصادي سامي بيريتس في صحيفة "ذا ماركر" أن إسرائيل، في سعيها للحفاظ على السرية وتضليل طهران، تجاهلت تماما الجبهة الداخلية، مما أحدث إرباكا عارما بين الجمهور، وتسبب بخسائر واسعة، مادية ونفسية وتنظيمية.
ولفت إلى أن عشرات آلاف الإسرائيليين وجدوا أنفسهم عالقين في الخارج، أو عاجزين عن مغادرة البلاد، وأُلغيت فعاليات عامة وخاصة، وتوقفت عجلة الإنتاج، في حين تخبَّطت المؤسسات الحكومية في إدارة الأزمة.
ورغم أن إسرائيل معتادة على تعويض الأضرار المباشرة الناتجة عن القصف، كالمنازل والبنى التحتية، يقول بيرتس، "فإن النطاق الجديد من الأضرار، مثل تعطل الطيران، وخسائر الشركات، والتكلفة الباهظة للعالقين بالخارج، يفوق قدرة الدولة على التعامل السريع معه، مما يفتح المجال أمام موجة من الغضب الشعبي وربما دعاوى قضائية".
في السياق، يضيف الكاتب الإسرائيلي "تبرز مخاوف من أن الضربة الإيرانية التالية قد تصيب المعنويات الشعبية قبل الأبنية أو المطارات"، خاصة أن الجهات الأمنية لم تضع -حتى الآن- خطة واضحة لإدارة حركة السفر، أو تعويض الخسائر الاقتصادية، أو حتى معالجة الأثر النفسي المتزايد على المجتمع.
وإن ما كان يُنظر إليه كضربة استباقية ناجحة ضد إيران، يقول بيرتس، "بدأ يتحول إلى نقطة ضعف داخلية خطيرة، مع ازدياد الضغط على البنية التحتية المدنية، واستمرار الهجمات الجوية المتبادلة".
وأشار إلى أن الضبابية التي تحيط بمستقبل المواجهة تُقلق الرأي العام الإسرائيلي، وتزيد من حدة الاحتقان، وسط شعور عام بأن الحكومة أطلقت شرارة حرب واسعة دون أن تحسب تداعياتها على المواطنين.
وتحت عنوان "أيهما سينهار أولا.. الجبهة الداخلية الإسرائيلية أم البرنامج النووي الإيراني؟"، كتب محلل الشؤون القانونية في صحيفة كلكليست، المحامي موشيه غورلي، مقالا حادّ اللهجة انتقد فيه تجاهل الحكومة الإسرائيلية للجبهة الداخلية في ظل تصاعد المواجهة مع إيران.
وأشار غورلي إلى أن السؤال الأخطر الذي يزداد إلحاحا في الشارع الإسرائيلي يوما بعد يوم، لم يعد مرتبطا بإستراتيجيات الردع أو العمليات الجوية، بل أضحى يتعلق بصراع زمني مقلق، متسائلا "هل تنهار قدرة الجبهة الداخلية الإسرائيلية على التحمل أولا، أم تنجح إيران في بلوغ عتبة السلاح النووي؟".
وفي ظل القصف الليلي المتواصل وسقوط صواريخ تخترق الدفاعات الجوية، يقول غورلي "تتزايد المخاوف من تآكل صبر السكان وثقتهم، لا سيما مع غياب خطة شاملة لحماية الجبهة الداخلية أو تعويض المتضررين".
وبينما يحقق سلاح الجو الإسرائيلي تفوقا تقنيّا ويصل إلى عمق الأجواء الإيرانية، فإن هذا "الإنجاز الجلي"، بوصف غورلي، لا يخفي واقعا أكثر هشاشة في الداخل، حيث تواجه الحكومة تحديا متسارعا في احتواء تداعيات الحرب على المجتمع والاقتصاد.
ولفت إلى أن الواقع يعكس قلقا متصاعدا من أن إسرائيل، رغم قوتها العسكرية، قد تخوض حربا على جبهتين، خارجية تدار عبر الجو، وداخلية قد تنهار بصمت تحت أعباء الصواريخ والشلل الاقتصادي ونقص الثقة بقيادتها السياسية.
وخلص إلى القول إنه وحتى الآن، لا يظهر في الأفق حل للملف النووي الإيراني دون تدخل أميركي، سواء عبر ضربة عسكرية أو اتفاق دبلوماسي.
وأضاف "في غياب واشنطن ، تجد تل أبيب نفسها وحيدة في التصعيد، وتواجه خيارات صعبة بين الردع والهجوم، وبين الحسم السياسي والمأزق الداخلي".