أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة التابع للأم المتحدة على موقعه الإلكتروني أن سلطات الاحتلال هدمت في القدس منذ مطلع 2010 وحتى مطلع العام الحالي 2128 منشأة، منها 2091 منشأة هدمت بذريعة عدم الترخيص.
وأدت عمليات الهدم تلك إلى تهجير نحو 4200 مقدسي، وتضرر قرابة 51… pic.twitter.com/mASzn4psxT— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) January 6, 2025
في مقابلة خاصة أجراها موقع "معاريف بيزنس" مع رئيس بلدية الاحتلال في القدس موشيه ليون ونُشرت في الثاني من يونيو/حزيران الجاري، تم التطرق إلى أن القدس تشهد تطورا حضاريا متسارعا وسُئل ليون إذا ما كانت المدينة تعاني من نقص في الشقق.
أجاب حينها "أستطيع أن أعلن -بفخر- أن القدس لا تعاني من مشكلة إسكان اليوم، توجد حلول شاملة لهذه المشكلة على المدى القصير والمتوسط والطويل، وعندما انتُخبتُ رئيسا للبلدية، اكتشفتُ أن القدس تصدر ما بين ألفي و2300 رخصة بناء سنويا".
وتابع أن أي شخص عاقل يدرك أن هذا العدد الضئيل يُسبب نقصا، والنتيجة هي ارتفاع الأسعار، وقلة التنوع وصعوبة إيجاد حل منطقي، ومن ثم كان ذلك عائقا أمام جذب سكان جدد إليها، اليوم نشهد للعام الثالث على التوالي استصدار نحو 7500 رخصة بناء سنويا أي 3 أضعاف.
وعلى مدى العقدين القادمين -قال ليون في المقابلة ذاتها- سيُبنى في القدس ما لا يقل عن 100 ألف وحدة سكنية لمواكبة الطلب وتوقعات النمو، ومن بين هذه الوحدات ستُشيّد 70 ألف وحدة ضمن مشاريع التجديد الحضري.
لكن رئيس البلدية تجاهل متعمدا الحديث عن أزمة السكن في شرقي القدس، التي تمنع الأزواج الشابة من فرص البناء أو العيش بالمدينة.
ففي ندوة نُظمت عام 2017 وحملت عنوان "قطاع الإسكان في القدس الشرقية والحلول الممكنة"، قال الخبير الاقتصادي المقدسي محمد قرش إن هناك فجوة تقدر بـ78 ألفا و775 وحدة سكنية للمقدسيين آنذاك، ومن الواجب بناء 125 ألفا و933 شقة على الأقل حتى عام 2027.
وقال حينها أيضا إن المقدسيين الذين يبلغ عددهم نحو 360 ألفا يعيشون في 52 ألف منزل مقابل 520 ألف يهودي يسكنون في 215 ألفا و240 شقة في القدس بشطريها، أي أن كل 6.4 فلسطينيين يسكنون في الشقة الواحدة، مقابل 2.4 يهودي لكل شقة.
الجزيرة نت أضاءت على أزمة السكن في القدس مجددا من خلال حوار خاص أجرته مع الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حاتم عبد القادر ، وذلك انطلاقا من ادعاءات رئيس البلدية، مرورا بأبرز المعوقات التي تواجه المقدسيين في قطاع البناء، وانتهاء بالبدائل والحلول الممكنة.
وتاليا نص الحوار:
هذا التصريح بالتأكيد ينطوي على تضليل ويعكس رواية إسرائيلية تقوم على رؤية استيطانية على حساب الواقع الديمغرافي الفلسطيني في مدينة القدس.
يغفل رئيس البلدية متعمدا الفروقات البنيوية والتمييز العنصري الواضح بين القدس الشرقية والغربية، فأرقام تراخيص البناء التي أشار إليها هي بالتأكيد وحدات استيطانية تبنى فوق أرض فلسطينية، ومنها في القدس الشرقية، حيث تتركز أزمة السكن الحقيقية للفلسطينيين.
واستعانة ليون بمصطلح التجديد الحضري لم يأتِ من فراغ، فهو غالبا ما يستخدم لتبرير الاستيلاء على الأراضي وإخلاء سكان أحياء فلسطينية واستبدالها بوحدات استيطانية كما حدث في سلوان ويحدث في الشيخ جراح الآن.
لم يتطرق في حديثه عن ارتفاع عدد رخص البناء عن النسبة المخصصة للمقدسيين، وهي حسب إحصائيات البلدية ذاتها ضئيلة جدا ولا تتناسب مع حجم التمدد السكاني الفلسطيني في القدس.
هذه النسبة لا تتجاوز 6% إلى 7% من مجمل الرخص التي تصدرها البلدية رغم أن الفلسطينيين يشكلون نحو 38% من سكان القدس.
طلبات الترخيص التي قدمها المقدسيون عام 2023 اصطدمت بمتطلبات صعبة من بلدية الاحتلال لم تكن موجودة في السابق، مما أدى إلى عدم إصدار أي رخص بناء في العام المذكور.
الملاحظ أن بلدية الاحتلال تصعّد بصورة متدرجة من شروط استصدار رخص البناء للمقدسيين وتحويل الطلبات إلى جهات عدة قبل قبول النظر فيها، والمسألة هنا ليست فنية أو قانونية كما تدّعي بلدية الاحتلال، وإنما سياسة ممنهجة لتقليص البناء الفلسطيني إلى أقل حد ممكن وإحداث خلل في الميزان الديمغرافي في المدينة المقدسة لصالح الوجود الاستيطاني.
ولعل ما يدلل على هذه السياسة الممنهجة التي تستهدف تقويض الوجود الفلسطيني في القدس، ويكشف كذب وتضليل رئيس بلدية القدس الغربية، هو أن المنازل والمنشآت التي تهدمها بلدية الاحتلال في القدس الشرقية سنويا يتجاوز عددها في بعض السنوات ضعف عدد التراخيص الممنوحة للبناء.
لا، المشكلة ليست فقط في النسبة، فعلى الرغم من ضآلتها، فإن إجراءات وتكاليف الترخيص تتجاوز في كثير من الأحيان قدرة المواطن المقدسي على الإيفاء بها، ورغم امتلاكه الأرض أحيانا فإن تكاليف الترخيص باهظة وتتراوح بين 50 إلى 60 ألف دولار للوحدة السكنية الواحدة.
الشروط والإجراءات التي تضعها بلدية الاحتلال وخاصة الإجراءات الجديدة تحول دون مقدرة المواطن المقدسي على الحصول على رخصة بناء حتى لو توفرت الأرض والإمكانيات المالية.
ومن أبرز هذه الإجراءات إحالة ملف الترخيص إلى دائرة " حارس أملاك الغائبين "، حيث يتم في معظم الأحيان رفض الطلب إذا لم يقدم الشخص مستندات ملكية يقتنع بها الحارس في الوقت الذي ترفض فيه سلطات الاحتلال تسجيل معظم أراضي الفلسطينية في الطابو.
وتضاف إلى ذلك شروط تعجيزية أخرى من وجود مخططات تنظيمية تضعها البلدية من شأنها التضييق على المقدسيين، مما يضطرهم في كثير من الأحيان إلى البناء دون ترخيص ثم الدخول في معركة قانونية مع الاحتلال تنتهي بهدم المنازل.
آلاف المنازل مهددة بالهدم، وخاصة في سلوان و العيساوية و جبل المكبر وأم طوبا وشعفاط وبيت حنينا، بالإضافة لعشرات إخطارات الهدم الجديدة التي تلقاها أصحاب بنايات خارج جدار الفصل العنصري ، وبالتحديد في منطقة رأس خميس المحاذية لمخيم شعفاط، رغم أن هذه أصحابها يسيرون في الإجراءات القانونية من أجل ترخيصها، وبعض هذه الملفات موجود الآن في أروقة محاكم بلدية الاحتلال والبعض الآخر في المحاكم النظامية.
هذه الفجوة موجودة وتتسع سنويا، فالمقدسيون بحاجة إلى نحو 1500 وحدة سكنية سنويا، في حين لا يتوفر سوى عشرات الوحدات فقط، وهي إن توفرت لا يستطيع المواطن شراءها، لأنها باهظة الثمن وتصل تكلفتها أحيانا إلى 800 ألف دولار.
جميع مشاريع الإسكان تجارية وربحية بامتياز، ويسعى أصحابها لاستغلال حاجة المقدسيين للسكن بصورة بشعة جدا، وهذه الأزمة أدت بالتأكيد إلى هجرة صامتة للمقدسيين للسكن خارج الجدار الآن في منطقة كفر عقب وسميرا ميس ورأس خميس ورأس شحادة وحتى في حزما وعناتا، ويتركز نصف المقدسيين الذين يحملون بطاقة الهوية الإسرائيلية الزرقاء خلف جدار الفصل العنصري.
توجد بعض المؤسسات مثل "مجلس الإسكان الفلسطيني" الذي يمول عملية البناء، ولكن المشكلة أنه لا توجد حتى الآن مؤسسة تمول الترخيص، لأن المشكلة الأكبر التي يعاني منها المقدسي الذي يملك قطعة أرض هي تمويل الترخيص، ولا توجد حتى الآن أي مؤسسات تمويلية قادرة على مساعدة المقدسي في استصدارها.
أعتقد أنه لا يوجد اهتمام رسمي فلسطيني بموضوع الإسكان بالقدس، فالسلطة الفلسطينية حتى الآن لم تطرح أي رؤية أو إستراتيجية واضحة لدعم صمود المقدسيين، خاصة فيما يتعلق بموضوع السكن.
عندما كنت عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني ووزير شؤون القدس، قدمتُ ومجموعة من الأشخاص اقتراحا للسلطة الفلسطينية لإنشاء شركة تطوير عقاري غير ربحية في القدس الشرقية وأوصينا بترخيصها إسرائيليا، وبأن يدعمها بنك الإسكان بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية، من أجل إقامة مشاريع إسكان كبيرة وبيعها للمواطنين بأسعار التكلفة والتي تقدر ما بين 20 إلى 30 ألف دولار للوحدة السكنية الواحدة، غير أن هذه المطالبات لم تلق أي اهتمام حتى الآن للأسف.
هذا أدى إلى تفاقم الأزمة، بحيث أصبحت تهدد الوجود العربي في القدس، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه يهدد مستقبل المدينة وسكانها، ويخلق واقعا استيطانيا غير قابل للرجوع عنه.
المطلوب بشكل عاجل إنشاء شركة عقارية عربية غير ربحية في القدس تتولى البحث عن أراضي وإصدار تراخيص وبناء الشقق وبيعها للمقدسيين بقروض ميسرة وبسعر التكلفة.
من الصعب إيجاد بدائل أمام الأزواج الشباب للسكن في القدس، بسبب ندرة العرض وكثرة الطلب بالإضافة إلى الارتفاع الهائل في إيجار الشقق التي تصل إلى ألفي دولار شهريا، وهو الأمر الذي يدفع بالأزواج الشباب للبحث عن شقق خارج جدار الفصل العنصري، وأحيانا خارج ما تسمى حدود البلدية الإسرائيلية.
وهذا يعرّضهم لفقدان الهوية المقدسية، ويحرم أطفالهم من حق الإقامة بالمدينة، وهذا هو التهجير الصامت الذي يريده الاحتلال بعد خلقه بيئة طاردة للمقدسيين.
إن مواجهة هذا الطرد المبرمج بحاجة إلى رؤية وإستراتيجية من الجهات الفلسطينية المعنية، التي يجب أن توفر عوامل الصمود والبقاء عبر تقديم حلول عملية وإبداعية تواجه سياسة الطرد الصامت الذي أصبح يشكل خطرا وجوديا على الهوية العربية الإسلامية والمسيحية للمدينة المقدسة.