مع تصاعد حدة حرب أسعار السيارات الكهربائية في الصين، أطلقت القيادات العليا في البلاد تحذيرات علنية تدعو إلى وقف المنافسة المفرطة، والمعروفة محليًا باسم "نيجوان" أو "الانطواء الذاتي".
ورغم أن هذه الكلمة أصبحت تُستخدم بمعانٍ مختلفة في الصين للدلالة على "سباق نحو القاع"، إلا أن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ أشار إليها صراحةً في تقريره السنوي في مارس، كما دعت هيئة تنظيم السوق الشهر الماضي إلى "معالجة شاملة للمنافسة الانطوائية".
وبحسب تقرير لوكالة بلومبرغ، فقد تم استدعاء عدد من كبار التنفيذيين في شركات صناعة السيارات الكهربائية إلى بكين هذا الأسبوع، لحثهم على "تنظيم أنفسهم ذاتيًا".
لكن خبراء الصناعة والمحللين يتوقعون أن المنافسة ستزداد بدلًا من أن تهدأ.
وقالت رابطة مصنعي السيارات في الصين في بيان: "بادرت إحدى شركات صناعة السيارات إلى خفض كبير في الأسعار، وتبعتها العديد من الشركات، مما أدى إلى حالة من الذعر جراء جولة جديدة من حرب الأسعار"، وفقا لتقرير نشرته شبكة "CNBC"، واطلعت عليه "العربية Business".
وقد وُجهت أصابع الاتهام بشكل غير مباشر إلى عملاق السيارات الكهربائية BYD، الذي أطلق جولة جديدة من التخفيضات في 23 مايو، شملت خصمًا يزيد عن 30% على أحد طرازاته.
وأضافت الرابطة: "حروب الأسعار غير المنضبطة تعزز المنافسة الشرسة"، محذّرة من تآكل هوامش الأرباح، وزيادة المخاطر على سلامة المستهلكين. ودعت الشركات إلى احترام مبادئ المنافسة العادلة وتجنب الاحتكار أو بيع المنتجات بأسعار تقل عن تكلفة الإنتاج.
وقالت صحيفة الشعب الرسمية التابعة للحزب الشيوعي الصيني: "حروب الأسعار لا رابح فيها، ولا مستقبل لها"، مستشهدة بتصريحات لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات. وأضافت الصحيفة أن الوزارة ستعزز الرقابة على المنافسة غير الإنتاجية بالتعاون مع جهات حكومية أخرى لتطبيق قوانين المنافسة العادلة.
ورغم هذه التصريحات، لم تستجب الوزارة فورًا لطلب التعليق. أما شركة BYD فقد أحالت CNBC إلى تصريحها الرسمي لوسائل الإعلام الحكومية الصينية، وأكدت فيه دعمها الكامل لدعوة رابطة المصنّعين لتعزيز المنافسة العادلة وخلق سوق صحي.
يرى محللون أن تخفيضات BYD الأخيرة ليست سوى ترسيخ لخصومات كان المستهلكون يحصلون عليها سابقًا ضمن برنامج حكومي لتبديل السيارات، يهدف إلى تحفيز الاستهلاك.
وبالرغم من أن BYD تسيطر على نحو 30% من السوق، فإنها تعاني من ضغوط تنافسية أيضًا، بحسب تقرير لمحللي نومورا صدر الإثنين.
وأظهرت الشركة، التي كان الملياردير وارن بافيت من أوائل مستثمريها، نموًا في المبيعات بنسبة 14% الشهر الماضي، مقارنة بـ19% في أبريل على أساس سنوي.
وقال محللو نومورا: "نظرًا للوضع الحالي من فائض الإنتاج في سوق السيارات الصيني، نعتقد أن المرحلة الأكثر شراسة من المنافسة لم تأتِ بعد، ما لم نشهد عملية اندماج كبيرة في السوق قريبًا".
وقال "تشونغ شي"، المحلل في رابطة وكلاء السيارات الصينية الأسبوع الماضي، إنه رغم كل التصريحات الرسمية، لا يمكن فعل الكثير حيال المنافسة السوقية. وأشار إلى أن بلدانًا أخرى تراقب ما يحدث في سوق السيارات الصيني عن كثب، وتأثيراته المحتملة على صناعاتها المحلية.
وبحسب بيانات نشرها "تسوي دونغشو"، الأمين العام لرابطة سيارات الركاب في الصين، فإن متوسط سعر السيارة المصدرة من الصين انخفض منذ عام 2023، بعد أن كان يسجل ارتفاعًا سابقًا.
فقد تراجع متوسط سعر السيارة المصدّرة إلى ألمانيا هذا العام إلى 21 ألف دولار، مقارنة بـ30 ألف دولار في 2023. بينما ارتفع متوسط السعر في المكسيك، الوجهة الأولى للسيارات الصينية، إلى 13 ألف دولار مقارنة بـ12 ألفًا قبل عامين.
أما في السوق المحلية، فقد انخفض متوسط سعر التجزئة للسيارات في الصين بنسبة 19% خلال العامين الماضيين، ليصل إلى نحو 165,000 يوان (22,900 دولار)، وفقًا لبيانات معهد Autohome للأبحاث، كما نقلت نومورا.
وقال رئيس شركة "غريت وول موتور"، وي جيانجون، في مقابلة مع Sina Finance بتاريخ 23 مايو، إن ظاهرة "غريبة" بدأت تظهر في السوق، وهي بيع سيارات مستعملة بدون أي كيلومترات على العداد.
وأوضح أن ما بين 3000 إلى 4000 تاجر على منصات السيارات المستعملة في الصين يعرضون سيارات جديدة سُجلت على الورق كمبيعات، ثم طُرحت مباشرةً في السوق المستعملة، وهو ما أدى إلى تضخيم أرقام المبيعات الرسمية، لكنه خلق حالة من "الفوضى الشديدة"، بحسب تعبيره، مطالبًا بمزيد من التنظيم في القطاع.
شهد سوق السيارات الكهربائية والهجينة في الصين تخفيضات متكررة للأسعار خلال العامين الماضيين، ومع ذلك، يرى "هي شياوبينغ"، الرئيس التنفيذي لشركة Xpeng، أن الحرب السعرية لم تبلغ ذروتها بعد.
وقال في تصريحات لوسائل إعلام صينية الأسبوع الماضي، وأكدتها الشركة لـCNBC: "المنافسة ستزداد شراسة خلال السنوات الخمس المقبلة"، مضيفًا أن ما يحدث الآن "مجرد مقبلات" لما هو قادم.
وأكد أن شركته ستركّز على المنافسة من خلال التكنولوجيا، والتوسع خارج الصين، بدلًا من خفض الأسعار فقط.
وتمكنت Xpeng من تسليم أكثر من 30 ألف سيارة شهريًا خلال السبعة أشهر الماضية، وطرحت الأسبوع الماضي نسخة "Max" من طراز Mona 03 بسعر 129,800 يوان (18,020 دولار)، أي أقل بنحو 17% من سعر النسخة الأولى التي كُشف عنها في أغسطس.
لكن كغيرها من شركات السيارات الناشئة، تكبدت Xpeng خسائر بلغت نحو 90 مليون دولار في الربع الأول. أما شركة Nio، التي تركّز على السيارات الفاخرة، فقد أعلنت عن خسائر بلغت 949.6 مليون دولار في نفس الفترة.
بالمقابل، توقعت شركة الهواتف الصينية شاومي أن تحقق وحدة السيارات الكهربائية التابعة لها أرباحًا في النصف الثاني من العام، وفقًا لما أكده متحدث باسم الشركة لـCNBC. وكانت "شاومي" قد دخلت السوق العام الماضي من خلال سيارتها SU7 التي جاءت بسعر أقل من طراز Tesla Model 3، وتستعد هذا الصيف لمنافسة Model Y بإطلاق طراز YU7 من فئة SUV.