آخر الأخبار

ترامب والنووي الإيراني.. كبح الطموحات وتوسيع التحالفات

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

ماذا تحمل زيارة ترامب الثانية للسعودية؟

تشكل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحالية إلى الشرق الأوسط لحظة محورية في إعادة ترتيب أولويات واشنطن في المنطقة، وسط تصاعد التحديات الإقليمية وتداخل ملفات الأمن والطاقة والنووي.

وفيما تعلن الإدارة الأميركية أن أجندة الجولة تركز على تعزيز الاستثمارات والتعاون الأمني ومناقشة الملفات الإقليمية، تبرز في خلفية المشهد تطورات لافتة ترتبط بالملف النووي الإيراني والمفاوضات الجارية حوله، وكذلك الطموحات السعودية المتزايدة في مجال الطاقة النووية السلمية.

التحركات الأميركية تأتي في ظل تراجع واضح في قوة النفوذ الإيراني على الأرض، ما فتح الباب أمام واشنطن لتكثيف ضغوطها على طهران في سياق تفاوضي جديد يهدف إلى ضبط البرنامج النووي الإيراني من جهة، وإعادة بناء شراكات استراتيجية مستدامة في المنطقة، خصوصا مع المملكة العربية السعودية.

المشهد الإقليمي.. إيران تتراجع والوكلاء يضعفون

بحسب تصريحات الباحث في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" حسين عبد الحسين، إلى سكاي نيوز عربية فإن أحد أبرز المتغيرات التي فرضت تحولا في الموقف الإيراني التفاوضي هو "ضعف الوكلاء".

فإيران، التي كانت في السابق تشترط رفع العقوبات الأميركية قبل العودة إلى أي مفاوضات، باتت اليوم في موقع أضعف يدفعها إلى التنازل عن كثير من شروطها السابقة.

هذه المقاربة تشير بوضوح إلى تراجع هامش المناورة لدى طهران، التي باتت تتعاطى مع الملف النووي من موقع دفاعي، مدفوعة بتغيرات داخلية وإقليمية، وبانكشاف محدودية أذرعها في المنطقة.

ويرى عبد الحسين أن الولايات المتحدة تدفع حاليا باتجاه صيغة جديدة للاتفاق النووي مع إيران، قائمة على شرط أساسي يتمثل في "تخلي إيران عن تخصيب اليورانيوم من المنجم إلى الطرد المركزي".

ويوضح عبد الحسين أنه: "إذا تخلت إيران عن التخصيب الكامل وأبقت برنامجها النووي في مسار سلمي، سواء عبر مفاعل بوشهر أو استيراد اليورانيوم المخصب، يصبح الاتفاق ممكنا".

بهذا المعنى، لا تعود واشنطن تطالب فقط بتجميد تخصيب اليورانيوم، بل بإعادة هندسة البرنامج النووي الإيراني بحيث يتحول إلى نشاط نووي سلمي خاضع للرقابة، دون وجود أي بنية تحتية تسمح بإنتاج الوقود النووي داخليا.

الملف السعودي.. الطموحات تتجاوز الحسابات الإيرانية

في موازاة التركيز الأميركي على ضبط البرنامج الإيراني، تبرز الطموحات السعودية في مجال الطاقة النووية السلمية كأحد المحاور الأساسية للجولة الرئاسية.

ويؤكد عضو مجلس الشورى السعودي السابق وأستاذ العلوم السياسية، إبراهيم النحاس، في تصريحاته لسكاي نيوز عربية، أن هذا المسار لا يرتبط فقط بالمشهد الإقليمي أو بالتطورات الإيرانية، بل ينبع من حاجات داخلية استراتيجية عميقة.

وحول ذلك يقول النحاس: "الطموحات السعودية كبيرة، ومنها أن يكون لدى المملكة مفاعلات نووية للأغراض السلمية، خاصة أن استهلاك الطاقة التقليدية في المملكة كبير جدا، وقد يتجاوز الثلث، وهذا مكلف جدا".

ويرى أن هذا التوجه ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى أكثر من خمسة عشر عاما، حين أُنشئت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية، والتي تمثل حجر الأساس في بناء قدرات نووية سلمية وطنية، تستند إلى كوادر بشرية سعودية مؤهلة قادرة على قيادة المشروع وتطويره.

وفي هذا السياق، يشدد النحاس على أن السعودية ماضية في هذا الطريق، سواء تلقت الدعم الأميركي أم لا، مشيرا إلى أن: " الولايات المتحدة إن لم ترغب في التعاون، فهناك دول أخرى مثل الصين وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان تملك تقنيات متقدمة، ولا أعتقد أن لديها ما يمنع من التعاون مع المملكة في هذا المجال، خاصة أن الحديث يدور عن طاقة نووية لأغراض سلمية".

المعادلة الأميركية: معايير واحدة للطرفين؟

التقاطع بين التصور الأميركي تجاه إيران، والرغبة السعودية في الحصول على برنامج نووي، يطرح تساؤلا مركزيا: هل تعتمد واشنطن نفس المعايير في تعاطيها مع الطرفين؟

عبد الحسين يطرح المسألة بوضوح، مؤكدا أن واشنطن لن تسمح لأي طرف بتخصيب اليورانيوم داخل أراضيه.

وبذلك، تبدو الاستراتيجية الأميركية مبنية على ضبط شامل للقدرات النووية في الشرق الأوسط، ومنع انتشار التكنولوجيا الحساسة، حتى في حال الاستخدام السلمي. وهذا ما يجعل أي اتفاق مستقبلي مع إيران معيارا يُطبق على الشركاء أيضا.

غير أن النحاس يقدم مقاربة أكثر مرونة، موضحا أن حصول السعودية على برنامج نووي سلمي لا يعني بالضرورة المطالبة بالتخصيب المحلي. بل إن المملكة، بحسب قوله، مستعدة للتعاون مع الجهات القادرة على تقديم الدعم التكنولوجي المناسب، من دون تجاوز المعايير الدولية.

ويبيّن النحاس: "إن طالبت المملكة وذهبت في مثل هذه الاتجاهات، فأعتقد أنها إيجابية. والولايات المتحدة جاهزة للمساهمة إذا رغبت المملكة. وإذا لم تتعاون أميركا، فهناك بدائل".

لكن النحاس يضيف أن الإعلان عن اتفاق نووي سعودي – أميركي ليس وشيكا، قائلا: "لا أعتقد أنه سيتم الإعلان عن شيء خلال هذه الزيارة. هذا الملف يتطلب عملا كبيرا جدا، ولم نسمع بعد عن مفاوضات حقيقية بين الدولتين في هذا الشأن".

زيارة ترامب.. بين الرغبة في الإنجاز والحسابات المعقدة

زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط لا تنفصل عن سعيه لإظهار قدرة إدارته على بناء تحالفات قوية ومربحة، سواء في المجال الأمني أو الاقتصادي. وبحسب البيت الأبيض، فإن الجولة تهدف إلى توقيع "اتفاقيات نوعية" تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية مع دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية.

إلا أنه في خلفية هذه التحركات، يظل الملف النووي – بإشكالاته وتشعباته – العنصر الأثقل في ميزان العلاقات الأميركية الشرق أوسطية.

فالرئيس الأميركي يدرك أن أي تقدم في هذا الملف يمكن أن يتحول إلى إنجاز سياسي كبير، داخليا وخارجيا، في وقت تتزايد فيه الضغوط على إدارته لبلورة استراتيجية واضحة تجاه إيران.

من جهة أخرى، تمثل الطموحات السعودية في مجال الطاقة النووية اختبارا إضافيا لمصداقية السياسة الأميركية في دعم حلفائها، مع الحفاظ على معايير عدم الانتشار.

وإذا نجحت واشنطن في صياغة اتفاق متوازن يضمن الاستخدام السلمي للطاقة دون التخصيب، فقد تؤسس بذلك لنموذج يُحتذى به في المنطقة.

تحولات عميقة في معادلة الردع والطاقة

زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط تحمل أبعادا تتجاوز الشعارات التقليدية حول التعاون والاستثمار. فالملف النووي الإيراني، والتطلعات السعودية في مجال الطاقة الذرية، يشكلان جوهر التفاعلات الحقيقية التي تدور خلف الكواليس.

تصريحات عبد الحسين كشفت عن ضعف غير مسبوق في الموقف الإيراني، يقابله تصميم أميركي على فرض قواعد جديدة للعبة النووية في المنطقة.

وفي المقابل، أوضح النحاس أن السعودية تتحرك بخطى استراتيجية مدروسة لبناء برنامج نووي سلمي يخدم أهدافها التنموية ويعزز من استقلالها في مجال الطاقة.

وفي ضوء هذه المعطيات، يتضح أن مستقبل المنطقة النووي يُرسم الآن بين العواصم الثلاث: واشنطن، طهران، والرياض. وأن ما سيتقرر في هذه المرحلة قد يشكل قاعدة لتوازنات جديدة، حيث تُضبط الطموحات بقواعد دقيقة، وتُبنى التحالفات على أساس المصالح المتبادلة لا الشعارات الفضفاضة.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا