يرى الكاتب الإسرائيلي آري شافيت في مقال نشرته يديعوت أحرونوت أن إسرائيل لم تعد منقسمة فقط بين أحزاب أو طوائف، بل باتت ممزقة بين روايتين متصارعتين حول هوية الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها.
وقال الكاتب إن كل رواية تصف الواقع السياسي من زاوية مغايرة تماما للثانية، وكلٌّ منهما تحمّل الأخرى مسؤولية انهيار الديمقراطية في البلاد.
حسب الكاتب، تقوم الرواية الليبرالية على أن رجلا واحدا عديم الرحمة وسيئ النوايا سيطر على الدولة واستولى على مؤسساتها وخربها وحوّلها إلى مملكته الخاصة، ما تسبب في تآكل الديمقراطية، وتأجيج الكراهية، وهو يقود إسرائيل نحو الهاوية.
وترى هذه الرواية أن جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين عام 1995، كانت البداية الحقيقية لهذا الانهيار، وتتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتحريض على عملية الاغتيال.
وتقول الرواية إن شرعية حكم نتنياهو أصبحت موضع شك منذ ولايته الأولى، لكنها انهارت تماما عندما أصبح متهما رسميا بقضايا فساد، وعندما شكّل حكومة يمينية متطرفة شرعت في انقلاب على الجهاز القضائي.
وجاء السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ليشكل لحظة الانهيار النهائي لهذه الشرعية، وفق أصحاب هذه الرواية، حيث لم يعد زعيما منتخبا، بل دكتاتورا يسيطر على مفاصل الحكم.
وفي المقابل، ترى الرواية المحافظة أن النخب الليبرالية المتغطرسة فقدت ثقة الجمهور منذ زمن، لكنها وجدت طرقا ملتوية للاحتفاظ بالسلطة رغما عن إرادة الشعب.
هذه النخب، حسب الرواية، أقصت التيارات اليمينية لعقود، واستخدمت القضاء والإعلام والأجهزة الأمنية لفرض هيمنتها على مفاصل الدولة.
ويشير مؤيدو هذا الخطاب إلى ما يسمونه "الثورة القضائية" التي قادها القاضي أهارون باراك في تسعينيات القرن الماضي، باعتبارها لحظة مفصلية حوّلت إسرائيل إلى دولة تحكمها مؤسسة قضائية – بيروقراطية، تتجاهل صوت الأغلبية اليمينية في الانتخابات.
ويؤكد المحافظون -وفقا للكاتب- أن حملة نزع الشرعية المستمرة ضد نتنياهو هي في حقيقتها حملة ضد ناخبيه، وضد الشرقيين والمتدينين واليهود الحريديم ، الذين طالما وُضعوا في "معازل سياسية واجتماعية".
ويرى الكاتب أن هذا الانقسام ليس مجرد خلاف سياسي، بل صراع بين هويتين متضادتين: واحدة ترى إسرائيل دولة ديمقراطية ليبرالية، والأخرى تنظر إليها كمجتمع يهودي تقليدي محافظ، لكن خلف هذا الصراع تكمن رؤيتان متصادمتان لطبيعة الحكم، ومبادئ اللعبة السياسية، ومفهوم الحرية.
فالليبراليون يشعرون بأن حكم نتنياهو ومؤيديه يهدد حرياتهم وحقوقهم، في حين يشعر المحافظون بأن سلطة النخب الليبرالية انتزعت منهم حرياتهم منذ زمن.
وينظر الليبراليون إلى "الانقلاب القضائي" كمحاولة لتحويل إسرائيل إلى دولة استبدادية، أما التيار المحافظ فيرى في محاكمة نتنياهو دليلا على أن البلاد تحولت إلى دولة يسيطر عليها القضاة والجنرالات.
ويحذر الكاتب من أن كل رواية تحتوي على مزيج خطير من الحقيقة والخيال، من الوقائع والهلوسات، ومن المشاعر المكبوتة والتصورات المتطرفة، إذ يرى كل طرف نفسه ضحية للآخر ويبرر لنفسه استخدام جميع الوسائل لحماية هويته وبقائه.
ويضيف أنه في غياب التعاطف، وانعدام الإنصاف، وانهيار المعايير المشتركة، تحوّل الخلاف إلى "حوار صُمّ"، بينما تزداد الهوة بين الطرفين، وتنهار مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى، ويتآكل النسيج الديمقراطي، وتقترب البلاد من حافة حرب أهلية.
في ظل هذا المشهد المأزوم، يدعو الكاتب إلى تبني "رواية ثالثة" توحّد بين القيم الليبرالية والتقاليد المحافظة، وتحمل في طياتها الاعتراف المتبادل و"قواعد لعب" متفق عليها، وتضع حدا للتطرف من الجانبين، وتستبدل المواجهة بالتفاهم، والصراع بالحوار.
ويختم الكاتب بأن عدم السير في مثل هذا المسار التصالحي يعني الدمار الشامل للديمقراطية الإسرائيلية، و"خراب الهيكل الثالث على رؤوس الجميع".