آخر الأخبار

شوكولاتة دبي: كيف غزت هذه الشوكولاتة العالم؟

شارك
مصدر الصورة

جاءت فكرة شوكولاتة دبي في الأصل لإشباع رغبات الحوامل، لتصبح مزيجاً نادراً من الإبداع والنكهات، وتحقق نجاحاً على مواقع التواصل الاجتماعي، محطمة كل الأرقام القياسية في صناعة الشوكولاتة.

كان مساءً بارداً ورطباً في ميونيخ في ديسمبر/ كانون الأول 2024، لكن الألحان الاحتفالية وأضواء الزينة المتلألئة في سوق الكريسماس "ماريين بلاتز" رفعت من معنوياتي.

وبكوب من النبيذ الساخن في يدي، توجهت إلى كشك الحلوى للحصول على حصتي المعتادة من بسكويت عيد الميلاد الألماني. لكنني توقفت فجأة عندما أدركت أن أطول طابور لم يكن من أجل "ليبيكوشن"، وهو بسكويت الزنجبيل المصنوع خصيصاً لعيد الميلاد، أو حتى من أجل خبز الفواكه التقليدي "شتولن"، بل من أجل منتج جديد على الساحة؛ شوكولاتة دبي.

كانت تلك أول مرة أتذوق فيها الشوكولاتة التي أصبحت حديث الناس في بلد بعيد عن موطنها الأصلي.

بحلول ذلك الوقت، كانت شوكولاتة دبي قد تحولت إلى ظاهرة عالمية؛ لوح شوكولاتة غني القوام بمكوناته. مترف وفاخر. أسر قلوب الملايين وحطم الأرقام القياسية، وانتشر بسرعة مذهلة في جميع أنحاء العالم.

لوح شوكولاتة حليب فاخر محشو بكريمة الفستق الناعمة، والطحينة الغنية، وقطع مقرمشة من الكنافة. تم إطلاق شوكولاتة دبي الأصلية من قبل شركة فكس ديزرت شوكولاتير "FIX Dessert Chocolatier" ومقرها دبي في عام 2022، عندما شعرت مؤسسته البريطانية المصرية، سارة حمودة، برغبة قوية في ابتكار شيء فريد لإشباع شهيتها خلال الحمل للكنافة والفستق.

وقد أطلق المتجر على هذا الابتكار، اسم "Can't Get Knafeh Of It"، بمعنى "لا أستطيع الاكتفاء من الكنافة".

واجتاح لوح الشوكولاتة العالم، عندما نشرت المؤثرة على تيك توك ماريا فييرا مقطع فيديو وهي تتذوق لوح الشوكولاتة داخل سيارتها في ديسمبر/ كانون الأول 2023، وأبدت إعجابها به.

وسرعان ما انتشر الفيديو وحقق أكثر من 125 مليون مشاهدة، وجذب عدداً هائلاً من المعجبين حول العالم الذين كانوا على استعداد لفعل أي شيء لتذوقه. وانتشر اللوح على نطاق واسع، وسُمي على الفور "شوكولاتة دبي".

وفي مقابلة مع بي بي سي في وقت سابق من هذا العام، وصف يزن العاني، المالك المشارك لشركة فيكس شوكولاتير، الشهرة العالمية بأنها "مُغرية ومُتواضعة".

ورغم خطط الشركة للتوسع عالمياً، لا تزال "شوكولاتة دبي" متوفرة حصرياً في دولة الإمارات العربية المتحدة، ما دفع شركات صناعة الشوكولاتة المستقلة والعلامات التجارية العالمية مثل "ليندت" و"أولكر" إلى تقليد المنتج الأصلي وإنتاج نسخ خاصة بهم لتلبية الطلب العالمي.

وقد اجتاحت هذه المنتجات المُقلدة، المعروفة أيضاً باسم "شوكولاتة دبي"، الأسواق وومحلات البقالة الصغيرة في جميع أنحاء العالم.

مصدر الصورة

واليوم، يمكن العثور على شوكولاتة دبي في كل مكان، من خلال تطبيقات توصيل الطعام في الإمارات العربية المتحدة، وواجهات محلات الحلويات المزدحمة في إسطنبول، إلى ممرات متاجر "ليدل" المزدحمة في لندن، والأزقة الصاخبة في أسواق مومباي الشعبية.

ولا يزال الطلب العالمي يتزايد بسرعة هائلة، ما أدى إلى نفاد المخزون حول العالم وظهور نقص عالمي في الفستق الحلبي.

وقد أدّى ذلك إلى ظهور قوائم انتظار في أكشاك الشوكولاتة في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، وتحفيز علامات تجارية كبرى مثل "ستاربكس" و"شيك شاك"، إلى إطلاق إصدارات محدودة من شوكولاتة دبي كجزء من شراكة أو تعاون محدود. وقد بدأت بعض المتاجر الكبرى بتقنين بيع شوكولاتة دبي.

كما تم ضبط أشخاص وهم يهرّبون هذه الألواح الثمينة. وباختصار، لقد هزّت موجة شوكولاتة دبي صناعة الشوكولاتة العالمية.

فتح هذا سوقاً جديداً بالكامل أمام صانعي الحلويات المشهورين حول العالم، ومنهم متجر حلويات "ميزون صمدي" الشهير في لندن. وتُعد "ميزون صمدي"، واحدة من أقدم صانعي الشوكولاتة في المملكة المتحدة، وجذورها تعود إلى لبنان، وأول من قدّم نسخته الخاصة من ألواح شوكولاتة دبي الشهيرة في لندن، باسم "شوكولاتة دبي الشهيرة".

وبالنسبة لنبيل شهاب، مدير تطوير الأعمال في "ميزون صمدي"، كان إنتاج شوكولاتة دبي خطوة طبيعية في رحلة صناعة الشوكولاتة. ويقول شهاب، "كنا نعمل بالفعل على مجموعة تراثية عندما اكتشفنا شوكولاتة دبي الشهيرة. كانت مثالية تماماً لأنها جمعت بين حلوى الكنافة المحبوبة في الشرق الأوسط، التي تُعدّ تكريماً لتراث عائلة صمدي، والشوكولاتة، جوهر خبرتنا".

وأخبرني شهاب أن الإقبال على ألواح شوكولاتة دبي، قد فاق توقعاتهم بكثير، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الفكرة المبتكرة وراءها.

ويقول بحماس، "من اللافت كيف توصل فريق شركة فكس ديزرت شوكولاتير إلى هذه الفكرة المبتكرة المتمثلة في تقديم حلوى داخل لوح شوكولاتة، التي أصبحت الآن أكثر متعة وإرضاءً من مجرد لوح شوكولاتة عادي".

ولطالما استمتع عشاق الطعام بالكنافة كحلوى قائمة بذاتها على مدى قرون. أما الآن، فتوفر شوكولاتة دبي لهم فرصة تذوق هذه الحلوى المعروفة داخل لوح الشوكولاتة، ما يجعل التجربة أكثر تشويقاً ومتعة.

وتوافقه الرأي مدونة الطعام التركية البارزة أيلين أوني تان، بقولها "النجاح الحقيقي لشوكولاتة دبي يكمن في قوامها"، مضيفة "أن مذاق كريمة الفستق المخملي اللزج لا يُضفي مذاقاً رائعاً فحسب، بل يجعلها تبدو جذابة بصرياً أيضاً. كما أن قوام عجينة الكنافة المقرمش يجعل هذه الحلوى أكثر جاذبية".

مصدر الصورة

وتوضح أوني تان، "لطالما حققت الشوكولاتة ذات القرمشة الواضحة، مثل توبليرون السويسرية وفيريرو روشيه، نجاحاً كبيراً في السوق"، مضيفة أن "الأمر نفسه ينطبق على شوكولاتة دبي. لكن في هذه الحالة، تأخذ القرمشة خطوة إضافية، ما يجعل لوح الشوكولاتة مثالياً لعرضه على منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وإنستغرام".

وبينما تقضم ماريا فييرا لوح الشوكولاتة المزين ببقع الألوان في مقطعها على تيك توك، تنبعث منه كريمة الفستق الغنية وتملأ أصوات القرمشة الخلفية، مما يجعلها الشوكولاتة نجمة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع ذلك، تقول مونيك نافال، كبيرة المحللين في "يورو مونيتور إنترناشونال"، "رغم أن النمو السريع لشوكولاتة دبي كان سببه إلى حد كبير وسائل التواصل الاجتماعي، فإن حصرية اللوح الأصلي هي ما حافظ على استمرار الاهتمام به".

فلوح الشوكولاتة الأصلي لا يتوفر إلا عبر تطبيق توصيل الطعام "Deliveroo" داخل الإمارات العربية المتحدة، في مواعيد محددة عند الساعة الثانية ظهراً والساعة الخامسة مساء، وتنتج الشركة حوالي 500 لوح شوكولاتة يومياً، تُباع جميعها بسرعة. وهذا الطرح المحدود لشوكولاتة دبي، سواء من حيث الزمان أو المكان، يخلق شعوراً بالخوف من فوات الفرصة، مما يزيد من الفضول والطلب.

وتقول نافال، "إن وجود اسم دبي في الاسم يزيد من شعبية الشوكولاتة وترويجها"، فعندما يفكر الناس في دبي، يتبادر إلى أذهانهم الفنادق الفخمة، ومراكز التسوق الفاخرة، والسيارات الفارهة، والحلويات المزينة برقائق الذهب.

وتضيف أن "الشعور بالترف هو ما يدفع لنجاح شوكولاتة دبي".

وإلى جانب شهرتها الواسعة، يكمن صدى شوكولاتة دبي في جذورها الشرق أوسطية العريقة، فهي تستحضر تقاليد عائلية تتمثل في مشاركة الحلويات، وتقديم الهدايا القابلة للأكل، والنكهات التي تبعث على الحنين مثل الكنافة والفستق، المترسخة في الحياة اليومية في مختلف أنحاء المنطقة.

وبالنسبة لشهاب، فإن هذه الصلة متجذّرة بعمق.

ويقول متذكراً، "عندما أسس جد زوجتي الأكبر، محيي الدين صمدي، محل حلويات الصمدي في بيروت عام 1872، كانت الكنافة من أولى الحلويات التي باعها".

ويتابع: "نشأتُ في بيروت، وأتذكر كطفل أنني كنت أستقل السرفيس اللبناني الشهير يومياً إلى حلويات الصمدي لأشتري طبق كنافة لتناوله على الإفطار وأنا في طريقي إلى متجر والدي".

ويضيف بابتسامة لامعة في عينيه، "لم أكن أعلم في ذلك الوقت أنني سأتزوج حفيدة محيي الدين صمدي الجميلة".

مصدر الصورة

وفي مقابلة مع مجلة "أريبيان بزنس" العام الماضي، قالت سارة حمودة مؤسسة شركة فكس: "أردت أن تكون تجربة الشوكولاتة الخاصة بنا مختلفة. أردت للناس، من أول قضمة، أن يستعيدوا لحظات من ماضيهم".

وبالنسبة للعديد من المعجبين حول العالم، فإن تلك القضمة الأولى تحقق تماماً ما أرادته سارة: رحلة شهية إلى أسواق الشرق الأوسط النابضة بالحياة، حيث يبيع التجار الحلويات المحلية اللذيذة، ويعبق الهواء برائحة الفستق.

وتوضح نافال، "ثمانية وستون في المئة من المستهلكين حول العالم يرغبون في تجربة ثقافات مختلفة عن ثقافتهم، ويشمل ذلك الاستعداد والرغبة في تذوق نكهات ومكونات جديدة". ويُعد الفستق، وهو مكوّن أساسي في المطبخ الشرق أوسطي، جزءاً من هذه الموجة أيضاً، حيث يُروج له عالمياً على أنه نكهة الموسم القادمة بقوة، ويظهر في كل شيء من اللاتيه إلى المشروبات الكحولية.

وفي الوقت نفسه، تشهد السياحة في الشرق الأوسط ازدهاراً، وبرزت دبي كوجهة مميزة لتجربة النكهات الجديدة، حيث يسافر بعض الزوار خصيصاً لتذوق الشوكولاتة الشهيرة مباشرة من مصدرها.

وما بدأ كلوح شوكولاتة بسيط في متجر حلويات بدبي، تحوّل اليوم إلى ظاهرة عالمية.

ويقول شهاب متأملاً في الصعود الصاروخي لهذه الشوكولاتة: "لستُ متفاجئاً. إنها مزيج مثالي من الطعم، والقوام، والدلال، والحنين. لقد وُلدت لتكون بطلة".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا