أثارت قضية طعن مواطن فرنسي مسلم حتى الموت داخل مسجد في قرية بجنوب فرنسا تساؤلات متعددة بشأن التوترات الاجتماعية والعنصرية المتزايدة تجاه المسلمين، خاصة أن الإسلاموفوبيا تعتبر ظاهرة مقلقة في فرنسا، في ظل تاريخ طويل ومعقد من التفاعل بين الهوية الوطنية والثقافة الإسلامية.
وتُظهر هذه الجريمة، التي ندد بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، بوضوح تأثيرات الإسلاموفوبيا، التي تخطت خطاب الكراهية والتمييز والتحامل، إلى الاعتداءات الجسدية وحتى القتل.
ويرسم هذا الوضع صورة دقيقة عن كيفية تعرض المسلمين في فرنسا لضغوط اجتماعية تجلب معها الخوف والقلق. ويلعب الإعلام دورا في تغذية الإسلاموفوبيا في البلاد حيث يروج بعض الإعلاميين لمصطلحات مثل الإسلاموية والانفصالية والطائفية، وتتناقل هذه المصطلحات الموجة الشعبوية واليمينية المتطرفة التي تتصاعد بشكل لا يقاوم في فرنسا.
وتعتبر فرنسا موطنا لواحدة من أكبر الجاليات الإسلامية في أوروبا، كما أن حالات معاداة أو كراهية المسلمين فيها من بين أعلى النسب، فوفقا لبيانات وزارة الداخلية الفرنسية فقد سجل العام 2024 ما مجموعة 173 حادثة معادية للمسلمين، معظمها هجمات ضد الأشخاص، رغم أن النسبة تقل مقارنة بالحوادث المبلغ عنها عام 2023 عندما تم تسجيل 242 حالة عداء للمسلمين.
كما أنه منذ عام 2020 تتولى منظمة غير حكومية مقرها بلجيكا، وهي الجماعة المناهضة للإسلاموفوبيا في أوروبا، إصدار تقارير سنوية عن هذا الأمر، ونشرت بالفعل تقريرين أظهرا 527 حادثة معادية للإسلام في عام 2022 كانت 501 منها تتعلق بفرنسا.
وبسبب الاشتباه الدائم في انتماء المسلمين الفرنسيين أو من ذوي الأصول الشمال أفريقية للإسلاميين المتطرفين فإنهم يلتزمون الصمت خوفا من اتهامهم بالترويج للإرهاب، في حين يختار آخرون مغادرة فرنسا بسبب هذه الأجواء الضارة من نواح عديدة، ولا سيما في شمالي البلاد حيث سبق أن وقعت حوادث اعتداء على مساجد المسلمين.
وتخطى الأمر في فرنسا مسألة إدانة مرتكبي العنف الجهادي أو "الإسلاموية"، التي غالبا ما تكون غامضة في تعريفها، إلى مطاردة المسلمين المرئيين في الفضاء العام، على شكل امرأة ترتدي الحجاب أو رجل ملتح أو حتى مواطن يعبر عن انتقاده لسياسات عامة تتعلق بإدارة الإسلام في فرنسا، أو تفسير مبدأ العلمانية أو الموقف الفرنسي من إسرائيل وفلسطين.
وأصبح التنديد بالإسلاموفوبيا في فرنسا أو مجرد استخدام هذا المصطلح يعرض صاحبه لاتهامات بالإسلاموية أو الانتماء إلى الإخوان المسلمين، أو التواطؤ معهم، وبالتالي أصبح المسلم الذي يرفع صوتا ناقدا أو مخالفا مستبعدا في المجال العام، باسم المحافظة الدينية الحقيقية أو المفترضة، التي تنسب إليه.
وصار السياسيون في غالبيتهم يتجنبون استعمال لفظ "الإسلاموفوبيا" مستبدلين إياها بعبارات أخرى من قبيل "الكراهية ضد المسلمين" أو "العنصرية ضد المسلمين". ويتم تصوير المسلمين أو المتعاطفين معهم في فرنسا اليوم على أنهم أشخاص خطيرون على حرية التعبير، لكونهم يرغبون في منع أي نقاش حول دينهم، ولذلك يعتبر الرأي العام السياسي والإعلامي في غالبيته أن "الإسلاموفوبيا" ما هي إلا محاولة لفرض رقابة دينية على الأفكار الحرة.
ولا تقتصر الإسلاموفوبيا على فرنسا وحدها، فوفقا لتقرير سابق لوكالة حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأوروبي فإن المسلمين في أوروبا بشكل عام يواجهون "مزيدا من العنصرية والتمييز"، مشيرة إلى "ارتفاع حاد" في الكراهية ضد المسلمين بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى قبل ذلك التاريخ.
فبحسب استطلاع شارك فيه 9600 شخص بين أكتوبر/تشرين الأول 2021 وأكتوبر/تشرين الأول 2022 في 13 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، أكد نحو نصف المسلمين بأنهم واجهوا التمييز في حياتهم اليومية، مقارنة بنسبة 39% المسجّلة في الدراسة الأخيرة من هذا النوع التي تعود إلى عام 2016.
وعودة إلى قضية مقتل المسلم أبو بكر داخل المسجد نجد أن كثيرا من الفرنسيين باتوا يرون أن الجريمة حصلت نتيجة للتعبئة والتحريض المتزايد على الإسلام والمسلمين، وهي تكرار لحوادث أخرى تعرضت فيها مساجد في فرنسا للتدنيس أو الحرق، لذلك نجد أن رئيس حزب لافرانس أنسوميز (فرنسا الأبية) جان لوك ميلانشون وعددا من أعضاء قيادة حزبه قد شاركوا في مظاهرة تندد بالجريمة البشعة، وكذلك فعلت زعيمة حزب الخضر مارين توندولييه.
وكان متظاهرون قد تجمعوا -أمس الأحد- في ساحة الجمهورية بالعاصمة الفرنسية للتنديد بتنامي ظاهرة كراهية المسلمين في فرنسا. واتهم المتظاهرون السلطات الفرنسية بالتخاذل في محاربة خطاب الكراهية ضد المسلمين، والتقاعس عن اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتهم وحراسة أماكن عبادتهم من الاعتداء وتدنيس أماكن عبادتها.
وكذلك، اتهم المتظاهرون أطرافا مؤثرة سياسيا وإعلاميا بإذكاء مشاعر الكراهية والتحريض ضد المسلمين في فرنسا لغايات سياسية وانتخابية، على حد قولهم.
ونستذكر هنا ما قاله البروفيسور جان فرانسوا بايار في مقاله الذي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية قبل أعوام قليلة بأن الإسلاموفوبيا موجودة بالفعل وترعاها الدولة عندما تقوم شرطتها بالتمييز، غير القانوني فعلا لكنه مضطرد، ضد قسم من الشباب لا لشيء إلا لأنهم ربما يكونون من أصول إسلامية.
ويضيف الكاتب أن مثل هذه الدولة لا يمكن أن تكون "محايدة فيما يخص الأديان" فهي لم تأل جهدا في العقود الأخيرة في الترويج المستمر للمسيحية واليهودية من خلال تطوير ما يسمى بـ"العلمانية الإيجابية" تجاههما، والرغبة في إخضاع الإسلام سياسيا للسيطرة عليه بحجة تنويره، وفقا للكاتب.