في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
وسط دوي القصف والدمار المتواصل في قطاع غزة، تتعثر الجهود السياسية للتوصل إلى هدنة جديدة قد توقف نزيف الدم الفلسطيني.
وفد " حماس" غادر القاهرة بعد مفاوضات مكثفة، تاركا خلفه تساؤلات ثقيلة عن مصير الاتفاق المرتقب، في حين تتجه إسرائيل إلى حشد عسكري قد ينذر بجولة قتال أوسع خلال أسبوعين إذا فشلت جهود الوساطة.
ويرى عضو مجلس الشيوخ المصري عبد المنعم سعيد خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن التوصل إلى وقف إطلاق نار حقيقي يحتاج إلى خطوات متقدمة من الطرفين، مشددا على أن "الطموحات كانت أن يكون هناك صفقة أكبر مما تحقق من قبل، تنقذ الشعب الفلسطيني من الكارثة الإنسانية التي يعيشها"، لكن الواقع، كما يصفه سعيد، يكشف عن مواقف متشددة من الجانبين، تعيق ولادة أي اتفاق.
وتصر إسرائيل على ضمانات أمنية مشددة وتلوح بتوسيع العمليات، بينما تصر "حماس" على مطالب تتعلق برفع الحصار وإعادة الإعمار دون تقديم تنازلات كبيرة.
غزة.. جحيم إنساني في ظل غياب الاتفاق
وحذر سعيد من أن الوضع الإنساني في غزة وصل إلى حافة الانهيار، قائلا: "هناك مجاعة حقيقية، ووضع صحي بائس للغاية، مع صعوبات كبيرة في إيصال الإغاثة بفعل الإجراءات الإسرائيلية".
هذا الانهيار يضيف طبقة إضافية من الضغط على المفاوضين، في ظل تحذيرات دولية من أن القطاع قد ينفجر اجتماعيا واقتصاديا إذا لم يتم التوصل إلى تهدئة سريعة ومستقرة.
ومن أبرز الأفكار التي طرحها سعيد تلك التي ترتبط بمسألة السلاح الفلسطيني، وهي إحدى أكثر القضايا حساسية في المفاوضات، حيث يقول: "بخلاف الطرح الإسرائيلي لنزع السلاح وتسليمه لإسرائيل، يروج المصريون لصيغة جديدة تقوم على أن يسلم السلاح الفلسطيني إلى حكومة شرعية منتخبة داخل الأراضي الفلسطينية، تكون وحدها محتكرة السلاح وفق النظام السياسي".
هذا الطرح، الذي يحفظ للفلسطينيين سيادتهم الوطنية، قد يكون مقبولا لحماس إذا ما اقترن بوقف طويل لإطلاق النار يصل إلى 5 سنوات، حسب ما رشح من معلومات تفاوضية.
غير أن إسرائيل، كما يشير سعيد، لا تبدي حماسا لهذا السيناريو وتفضل إبقاء خيار الحرب مفتوحا.
الضمانات الدولية..الغائب الأكبر
ويلفت سعيد الانتباه إلى أن ضمانات تطبيق أي اتفاق لم تتبلور بعد، معتبرا أن: "الضمانات لا تُنتزع، بل يتم التفاوض عليها، وتُفرض عبر التزامات دولية حقيقية".
ويشدد على أن "التجارب الماضية علمتنا أن الكثير من الاتفاقات لم تحترم، مما يجعل ضمان التطبيق مسألة مركزية لنجاح أي تسوية هذه المرة. في ظل غياب ضمانات قوية، تبدو أي هدنة مقبلة معرضة للسقوط مع أول اختبار ميداني".
وتتقاطع الأزمة في غزة مع تصعيد خطير على الجبهة اللبنانية وتحركات لحزب الله، مما يرفع مستوى التوتر الإقليمي.
ويلفت سعيد إلى أن إسرائيل "تجد في التصعيد الحالي مبررا لتوسيع عمليتها العسكرية، وسط أجواء تصلب بين الأطراف جميعا".
لكن الأخطر، كما يرى سعيد، هو أن جميع الأطراف "تخاطب جبهتها الداخلية" بدلا من العمل على تفاهمات مع الآخر، مما يعمق فجوة الثقة ويفاقم خطر الانفجار الشامل.
الدور المصري.. صبر استراتيجي ومحاولات التليين
في مقابل تصلب المواقف، تعمل القاهرة بصبر وإصرار على محاولة إنقاذ التفاوض.
ويؤكد سعيد أن مصر، بدعم من قطر ودول عربية أخرى، تحاول دفع الولايات المتحدة وأوروبا لممارسة ضغط فعلي على إسرائيل، موضحا: "مصر تحاول طرح حلول تحفظ ماء وجه الجميع، دون أن يبدو أي طرف وكأنه انهزم أو استسلم".
هذه الجهود، رغم ضخامتها، تصطدم بحقائق سياسية وعسكرية معقدة، حيث لا تزال إسرائيل تراهن على إمكانية تحقيق مكاسب ميدانية إضافية قبل التفكير في أي تسوية.
وفي تحذير صريح، ينبه سعيد إلى أن استمرار المراوحة قد يؤدي إلى انفجار واسع، قائلا: "نحن أمام احتمالية أن تكون هذه الحرب مجرد مقدمة لحروب قادمة".
ويذكّر سعيد أن حرب غزة الخامسة تختلف عن سابقاتها، ليس فقط في حجم الدمار والكثافة القتالية، بل في دلالتها الوجودية، حيث يعتبرها الإسرائيليون والفلسطينيون معركة فاصلة للبقاء.
مفترق طرق مصيري
في ضوء هذه المعطيات، تبدو غزة اليوم على مفترق حاسم: إما التوصل إلى اتفاق يوقف دوامة الدم والدمار، أو الانزلاق إلى حرب مفتوحة قد تعيد خلط الأوراق الإقليمية والدولية بطريقة لا يتوقع أحد حدودها.
ويبقى أن اللحظة تتطلب شجاعة سياسية من الأطراف المعنية، وانخراطا دوليا جادا لتوفير الضمانات، قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة لا يمكن احتواؤها.