بقلم نادين إبراهيم من شبكة CNN
(CNN) -- من المقرر أن تعقد الولايات المتحدة وإيران جولتهما الثانية من المفاوضات النووية، السبت، حيث بدأت ملامح الاتفاق النووي تتبلور .
والتقى وفدان من كلا البلدين في سلطنة عُمان نهاية الأسبوع الماضي لإجراء مفاوضات بوساطة من الدولة الخليجية، وستُعقد الجولة التالية في العاصمة الإيطالية، روما .
منذ مفاوضات نهاية الأسبوع الماضي، التي وصفها الطرفان بأنها "بناءة"، تذبذبت تصريحات مختلف أعضاء إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، متأرجحةً بين مطالب متشددة وصفتها إيران بأنها "خطوط حمراء" ونهج أكثر تصالحية قد تقبل به الجمهورية الإسلامية .
ويأتي هذا وسط تهديدات من ترامب بأن الولايات المتحدة ستلجأ إلى ضربات عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية، بمساعدة إسرائيل، في حال فشل طهران في التوصل إلى اتفاق مع أطرافها .
إليكم ما نعرفه عن المفاوضات، وكيف وصل الطرفان إلى هذه المرحلة؟
تم التوصل إلى اتفاق نووي في 2015 بين إيران والقوى العالمية، بما فيها الولايات المتحدة، وبموجب هذا الاتفاق، وافقت إيران على الحد من برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات .
إلا أن ترامب انسحب من هذا الاتفاق عام 2018 خلال ولايته الرئاسية الأولى.
وردت إيران باستئناف أنشطتها النووية، وطوّرت حتى الآن برنامجها لتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 60 ٪، أي ما يقارب مستوى 90 ٪ تقريبًا، وهو المستوى اللازم لصنع الأسلحة .
وتصر إيران على أن برنامجها النووي سلمي .
في الشهر الماضي، أرسل ترامب رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي يقترح فيها إجراء مفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد، موضحًا أن لدى إيران مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق، وفقًا لما ذكره مصدر مطلع على محتوى الرسالة لشبكة CNN.
وبعد أيام، صرّح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأن الجمهورية الإسلامية ترفض المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة.
مع ذلك، قال إن رد إيران، الذي قدمته سلطنةعُمان، ترك الباب مفتوحًا أمام إجراء مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن .
ماذا يريد ترامب وما هي القضايا الرئيسية؟
صرح ترامب بأن الاتفاق الذي يسعى إليه مع إيران لن يكون مشابهًا لاتفاق 2015 الذي أُبرم في عهد إدارة أوباما، وقال: "سيكون مختلفًا، وربما أقوى بكثير " .
وأشارت تصريحات مبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي مثّل الولايات المتحدة في نهاية الأسبوع الماضي، إلى خلاف ذلك مؤخرًا .
وأعربت إيران في الأسابيع الأخيرة عن مخاوفها من إبرام اتفاق نووي مع ترامب، الذي تقول إنه لديه تاريخ من التراجع كما أعربت عن اعتراضاتها على أي اتفاق يفكك برنامجها النووي بالكامل، بدلًا من قصر تخصيب اليورانيوم على الاستخدام المدني فقط - كما هو منصوص عليه في اتفاق عام 2015 .
ويُعرف الاتفاق النووي الإيراني رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) ، وضمن من خلال عدد من الآليات أن يكون البرنامج النووي الإيراني سلميًا بحتًا .
إلا أن التصريحات المتضاربة للمسؤولين الأمريكيين قبل وبعد اجتماع السبت الماضي أربكت مطالب واشنطن .
وصرح ويتكوف، الذي مثّل الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الماضي، بأن المفاوضات مع إيران ستتناول مستقبلًا التحقق من برنامجها النووي، لكنه لم يذكر مطلبًا بتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، كما سبق أن ذكره مسؤولون أمريكيون آخرون.
بمعنى آخر، يُشير إلى اتفاق مماثل للاتفاق الذي توسط فيه أوباما .
وذكر ويتكوف لشبكة فوكس نيوز، الاثنين: "ستتمحور المفاوضات مع الإيرانيين حول نقطتين أساسيتين، الأولى هي التحقق من تخصيب اليورانيوم، وفي النهاية التحقق من التسلح، وهذا يشمل الصواريخ، ونوع الصواريخ التي خزنوها هناك، بما في ذلك زناد القنبلة " .
ومع ذلك، تراجع ويتكوف عن موقفه لاحقًا في بيان عبر منصة إكس (تويتر سابقا)، قال فيه إن أي اتفاق نهائي مع إيران سيتطلب منها "وقف برنامجها للتخصيب والتسليح النووي والقضاء عليه " .
وعندما طُلب من مسؤول في الإدارة الأمريكية شرح تراجع ويتكوف الواضح، قال لشبكة CNN: " إنه أحدث تفصيل للسياسة ".
واتخذ مسؤولون آخرون موقفًا متشددًا بشأن ما تتوقعه الولايات المتحدة من إيران.
والأحد، بعد يوم من بدء ويتكوف مفاوضاته مع المفاوضين الإيرانيين في سلطنة عُمان، دعا وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث طهران إلى تفكيك برنامجها النووي بالكامل .
وقال على قناة فوكس نيوز: "إيران، تعالي إلى طاولة المفاوضات، تفاوضي، تفكيك قدراتك النووية بالكامل ".
ورفض المسؤولون الإيرانيون هذا المقترح ووصفوه بأنه "غير قابل للتنفيذ"، متهمين الولايات المتحدة باستخدامه كذريعة لإضعاف الجمهورية الإسلامية وإسقاطها في نهاية المطاف.
ولطهران الحق في برنامج للطاقة النووية المدنية بموجب معاهدة الأمم المتحدة .
مع ذلك، حذّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران تُسرّع تخصيب اليورانيوم إلى مستويات مُقلقة .
ماذا تقول إيران؟
أكدت إيران هذا الأسبوع حقها في تخصيب اليورانيوم، واتهمت إدارة ترامب بإرسال إشارات مُتضاربة، وقالت إن " برنامج التخصيب الإيراني مسألة حقيقية وواقعية، ونحن مستعدون لبناء الثقة بشأن المخاوف المُحتملة ".
صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للصحفيين الأربعاء قائلاً: "إن مسألة التخصيب غير قابلة للتفاوض"، حسبما ذكرت قناة برس تي في الحكومية .
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي، الخميس، عبر "إكس"، مشبهًا تغير الموقف الأمريكي بـ"خطأ احترافي وعمل غير عادل في كرة القدم " .
وأضاف: "في الدبلوماسية، أي تغيير من هذا القبيل (بدافع من الصقور الذين لا يدركون منطق/فن إبرام الصفقات المنطقية) قد يُخاطر ببساطة بانهيار أي مبادرات، ويمكن اعتبار ذلك عدم جدية، ناهيك عن حسن النية، نحن ما زلنا في مرحلة اختبار " .
وأفادت وسائل إعلام إيرانية أن طهران وضعت شروطًا صارمة قبل المفاوضات مع الولايات المتحدة، قائلةً إن "الخطوط الحمراء" تشمل "لغة التهديد" من قِبل إدارة ترامب و"المطالب المبالغ فيها فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني".
ذكرت وسائل الإعلام أن على الولايات المتحدة الامتناع عن إثارة قضايا تتعلق بصناعة الدفاع الإيرانية، في إشارة على الأرجح إلى برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، الذي يعتبره حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تهديدًا لأمنهم .
وفي غضون ذلك، تعاملت القيادة الإيرانية العليا مع المفاوضات بحذر شديد .
وفي أول تعليق له على هذه القضية منذ اجتماع المفاوضين الإيرانيين والأمريكيين في سلطنة عُمان، قال خامنئي، الثلاثاء، إن طهران "ليست متفائلة ولا متشائمة بشكل مفرط" بشأن المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي .
أين تقف إسرائيل؟
لطالما كانت إسرائيل من أشد المؤيدين لتفكيك إيران لسلاحها النووي بالكامل وعدم امتلاكها قنبلة نووية أبدًا .
والخميس، أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بيانًا يدافع فيه عن سياسته العدوانية تجاه إيران، قائلًا: "لن تسمح إسرائيل لإيران بالحصول على أسلحة نووية ".
وصرح مصدر مطلع لـ CNN ، الاثنين، أن ويتكوف تحدث مع رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي وأقرب المقربين من نتنياهو، حول الجولة الأولى من المفاوضات الأمريكية الإيرانية في سلطنة عُمان .
وكان ديرمر جالسًا بجانب نتنياهو في واشنطن الأسبوع الماضي عندما أعلن ترامب فجأةً أن المفاوضات الأمريكية الإيرانية ستبدأ قريبًا.
وبدا أن الكشف المفاجئ عن بدء المفاوضات قد أثار دهشة نتنياهو، الذي يدفع بشكل متزايد نحو الخيار العسكري ضد إيران .
وقالت مصادر مطلعة لـ CNN سابقًا إن أنباء المفاوضات النووية الأمريكية الإيرانية "بالتأكيد لا تروق" لإسرائيل، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو قد أُبلغ مسبقًا بالمفاوضات أو ما إذا كان قد تم التشاور معه مسبقًا، وفقًا للمصادر .
وأثناء جلوسه بجانب ترامب في المكتب البيضاوي في وقت سابق من هذا الشهر، روّج نتنياهو لصفقة نووية على غرار ليبيا بين الولايات المتحدة وإيران، والتي فككت البرنامج النووي للدولة الواقعة في شمال إفريقيا 2003 على أمل أن تبشر بعهد جديد من العلاقات مع الولايات المتحدة بعد حظر نفطي استمر عقدين على نظام الزعيم الراحل معمر القذافي .
وبعد تخليها عن برنامجها النووي، انزلقت ليبيا إلى حرب أهلية عقب انتفاضة عام 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأطاحت بنظام القذافي وأدت إلى مقتله.
ولطالما حذّر المسؤولون الإيرانيون من أي اتفاق مماثل منذ البداية .
التقى ديرمر ومدير الموساد، ديفيد بارنياع، الجمعة مع ويتكوف في باريس قبل الجولة الثانية من المفاوضات مع إيران .
وفي وقت سابق من هذا العام، حذّرت وكالات الاستخبارات الأمريكية كلاً من إدارتي بايدن وترامب من أن إسرائيل ستحاول على الأرجح ضرب منشآت رئيسية للبرنامج النووي الإيراني هذا العام، وفقًا لمصادر مطلعة على التقييمات .
ومع ذلك، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الأربعاء، أن ترامب حثّ إسرائيل على عدم ضرب المواقع النووية الإيرانية في أقرب وقت، ربما الشهر المقبل، لإتاحة الفرصة للمفاوضات مع إيران للاستمرار، مما قد يؤثر على اللقاءات المخطط لها لفريق ترامب للأمن القومي في الأيام المقبلة .
ولم ينفِ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي صحة التقرير، بل أكد أن تصرفات إسرائيل أعاقت البرنامج النووي الإيراني .
وردًا على تقرير صحيفة نيويورك تايمز الذي أفاد بأنه تراجع عن الضربات الإسرائيلية، قال ترامب يوم الخميس: "لن أقول تراجعت"، لكن "لست مستعجلًا على فعل ذلك لأنني أعتقد أن لدى إيران فرصة لبناء دولة عظيمة والعيش بسعادة دون موت ".
وتابع: " آمل أن يرغبوا (إيران) في الحوار، فسيكون ذلك مفيدًا جدًا لهم إن فعلوا، وأود أن أرى إيران تزدهر في المستقبل، وتبلي بلاءً حسنًا ".