من قلب الخرطوم المشتعل بالحرب، إلى بريق السجادة الحمراء في هوليوود، تمضي النجمة السودانية إسلام مبارك في رحلة فنية تُشبه أفلام السينما ذاتها. بعد نجاحها اللافت في مسلسل "أشغال شقة جدا"، ها هي تحصد جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان هوليوود للأفلام العربية عن دورها في فيلم "سيرة أهل الضي"، مؤدية شخصية نسائية تحكي الألم بالصمت، وتبوح بالصبر من دون كلمات. في حديث خاص لـ"العربية.نت"، تكشف إسلام عن أسرار نجاحها، وتطلعاتها القادمة كصوت فني سوداني يطرق أبواب العالمية.
تستهل إسلام حديثها لـ"العربية.نت" بغبطتها بالجائزة الرفيعة وكيف استقبلت النبأ بفرحة عارمة، ولماذا شعرت بالفخر، لأن هذه الجائزة تُعد تقديرا بعد تعب وجهد عظيم.. وتضيف بصوت متهدّج: "تلك اللحظة حفرت بداخلي اختلاجات مشاعر مختلفة، وضاعفت من مسؤوليتي في هذا الطريق الصعب، وزادت قناعتي بمقولة أن الفن يكسر كل الحدود".
وتميط إسلام اللثام عن دورها في الفيلم، قائلة: "أشارك بدور مهم يُعبّر عن المرأة بقوة، ويعكس شجاعتها وتفانيها في تكريس حياتها لعائلتها". وأشارت إلى أن تلك المعطيات منحتها بداية نضج فني "بدأت أتلمّسه كأداة توصيل، وليس فقط أداء"، كما تؤكد لـ"العربية.نت".
تشير إسلام إلى أن التعاون مع مخرج بقامة الأستاذ كريم الشناوي - كما تصفه - كان تعاونا مليئا بالثقة واليقين، وتتابع: "هو مخرج يعرف جيدا كيف يخلق مساحة تجريب للممثل. وأنا تنفّست معه أجواء الشخصية برؤية إخراجية واضحة. كان قادرا على الموازنة بين الالتزام بالسياق العام وحرية الممثل في الأداء، وهذا ما جعل (سيرة أهل الضي) تجربة ناضجة مليئة بالتحديات الحقيقية".
تكشف إسلام لـ"العربية.نت": "أهم رسالة بالنسبة لي أنني قد أوصلت صوت الشخصية بصورة واضحة، وجعلت المشاهد يتلقّى وجعها وفرحها وإنسانيتها وجفافها بصدق كبير. وأعتقد أن إلقاء الضوء على الصمت الممتلئ بالحديث في مكنون الشخصية هو تسليط للضوء على معاناة نساء كثيرات. فهي ليست ضحية بقدر ما هي قوية، صامدة، صلبة تجاه كل الظروف رغم الإرهاق".
بلهجة واثقة، تقطع إسلام بأن التمثيل السوداني بدأ يأخذ مكانه في الفترة الأخيرة من خلال تجارب كثير من الزملاء، كما ظهرت على السطح مواهب كثيرة وكبيرة.
وحملت إسلام الظروف التي يمر بها السودان منذ سنين مسؤولية تأخير توهّج وبريق الفن السوداني، وقالت: "أعتقد أنها التي جعلت الممثل السوداني محصورا في المحلية لزمان طويل".
إلا أن إسلام رجعت وقالت إن جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان هوليوود للأفلام العربية، وما سبقها من جوائز مستحقة نالها زملاؤها الفنانون في شتى ضروب الفن والإبداع، تُعد مؤشرا مهما بأن العالم مستعد لتلقّي أصواتنا ورؤية ما نقدمه نحن السودانيين. وأضافت بكلمات مفعمة بالأمل والتفاؤل: "إنها البداية فقط، وسنكمل الطريق ونفتح كل الأبواب الجديدة لفنانين سودانيين في كل بقاع العالم".
وتتابع على ذات النسق أن أي جائزة دولية تعني إحداث فارق في مسيرة أي فنان سوداني. وتضيف "بالتأكيد، إذا سنحت لنا الفرصة، سنعكس قضايانا ونكشف القناع عن كثير من بيئاتنا المتعددة وثقافاتنا المختلفة".
يُشار إلى أن إسلام مبارك تخرجت في كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان، ولديها رصيد باذخ في الأعمال الدرامية بالسودان بمختلف وسائطه: إذاعة، تلفزيون، ومسرح. إلا أن تجربتها الأولى في السينما كانت من خلال فيلم "ستموت في العشرين" للمخرج أمجد أبو العلا، الذي شكّل نقطة انطلاق سينمائية حقيقية لها، وترشّح الفيلم لنيل إحدى جوائز الأوسكار في سابقة فريدة في تاريخ الفن السوداني .
يُذكر أن إسلام خطفت الأضواء بأدائها اللافت في دور "مدينة" في مسلسل "أشغال شاقة جدا"، إلى جانب الفنانين هشام ماجد وأسماء جلال. يومها قالت إسلام إن تفاعل الشارع المصري مع الشخصية فاق توقعاتها. إلا أنها لم تكن تجربتها الأولى في مصر، إذ سبق لها الظهور في فيلم "أسد" إلى جانب النجم محمد رمضان. وعن الظروف التي قادتها إلى القاهرة، أوضحت إسلام أنها غادرت السودان بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.
وأنها تطمح إلى أن تفتح لها تلك التجارب الفنية أبوابا جديدة في "هوليوود الشرق"، مؤكدة أنها تحمل بين جوانحها دائما هوية الفنان السوداني، الذي يستحق أن تُروى قصصه وتُعرض مواهبه أمام جمهور أوسع.