في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أرجأت محكمة العدل الدولية في لاهاي النظر في الدعوى المقدّمة من الجيش السوداني ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، في خطوة أثارت تساؤلات قانونية وسياسية واسعة النطاق، بعد أن طلبت المحكمة من الخرطوم تقديم توضيحات إضافية بشأن مزاعمها، دون تحديد موعد جديد للنظر في القضية.
وبينما اتّهم الجيش السوداني دولة الإمارات بدعم قوات الدعم السريع وارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد مجموعة المساليت في غرب دارفور، فإن الموقف الإماراتي جاء حاسمًا، إذ رفضت ريم بنت كتيت، نائبة مساعد وزير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الإماراتية، الاتهامات الموجهة لبلادها، معتبرة أن "الطرف المدعي يسعى إلى إلقاء التهم بدلًا من السعي لتحقيق السلام وضمان إيصال المساعدات الإنسانية".
السودان إلى لاهاي.. ولكن دون بوصلة قانونية؟
أمام هذه التطورات، برزت قراءة لافتة قدّمها الكاتب والباحث السياسي السوداني فايز السليك، الذي وصف الشكوى المقدمة من سلطات الجيش السوداني بأنها "تفتقر للأسس القانونية والإجرائية"، مؤكدًا أن الملف يواجه إشكالات بنيوية في الإثبات والاختصاص.
وقال السليك، خلال حديثه إلى برنامج "التاسعة" على قناة سكاي نيوز عربية، إن القضية تلامس اتفاقية الإبادة الجماعية، وهي اتفاقية "تتطلب شروطًا دقيقة للإثبات، أبرزها النية المسبقة لارتكاب الإبادة ضد مجموعة عرقية أو دينية محددة"، وهو ما لا يتوفر في ملف الادعاء بحسب رأيه.
وأشار إلى أن المحكمة الدولية، رغم اختصاصها بنظر قضايا الإبادة، إلا أن غياب ولاية الاختصاص المباشر في هذه الحالة – نظرًا لتحفظ الإمارات على بنود معينة من الاتفاقية – يجعل من الدعوى "قضية سياسية أكثر منها قانونية".
رسائل سياسية في عباءة قانونية
وتابع السليك بالقول إن السلطات العسكرية في بورتسودان، وبدعم من تيار الإسلام السياسي، عمدت إلى استخدام هذه الدعوى كـ"ذريعة تعبئة سياسية وإعلامية"، محذرًا من "تحويل منصات العدالة الدولية إلى ساحة لتصفية الحسابات والمزايدات السياسية، في ظل استمرار النزاع الداخلي الذي مزّق السودان".
كما انتقد الباحث ما وصفه بـ"الازدواجية الأخلاقية" التي تتبناها قيادة الجيش السوداني، مذكّرًا أن القادة أنفسهم "رفضوا تسليم الرئيس المعزول عمر البشير ووزرائه للمحكمة الجنائية الدولية سابقًا، واليوم يذهبون للمحاكم ذاتها لرفع دعاوى ضد دول أخرى".
حرب لتصفية ثورة ديسمبر؟
لم يتوقف السليك عند الجوانب القانونية، بل غاص في تحليل الخلفيات السياسية للنزاع، معتبرًا أن الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 ليست سوى "امتداد لخطة منهجية يقودها تيار الإسلام السياسي في السودان للانقلاب على مكتسبات ثورة ديسمبر 2018".
وأوضح أن الإسلاميين سعوا أولًا إلى وأد الثورة عبر تحالف تكتيكي بين الجيش والدعم السريع، ثم، وبعد فشل الانقلاب، لجأوا إلى الحرب كخطة بديلة. وقال: "إنهم الآن يستخدمون أدوات الدولة، بما في ذلك القضاء الدولي، لإعادة رسم المشهد السياسي بالسلاح والدماء".
وشدّد السليك على أن الأطراف المتصارعة – الجيش والدعم السريع – ارتكبت جميعها انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، محذرًا من أن استمرار الحرب بهذا الشكل قد يجر السودان إلى "حرب إقليمية مفتوحة، لن تقف عند حدوده الجغرافية".
نزاع سياسي في ثوب قانوني
بين اتهامات الجيش السوداني للإمارات، ورفض المحكمة الدولية الخوض في التفاصيل دون توضيحات، وبين دفاع دولة الامارات ونقد السليك اللاذع لنية السلطات السودانية، يظهر أن القضية لا تقف عند حدود لاهاي، بل تعكس عمق الأزمة السودانية بكل تجلياتها: بين الحرب، والانقسام، والتوظيف السياسي للقانون.